مصر تعيد تشكيل خارطة نشاط التيار السلفي

  • 9/26/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التيار السلفي في مصر، وبمدارسه وتوجهاته المختلفة، يستفيد من كل التناقضات الحاصلة على الساحة السياسية ويحاول تمرير خطابه الأصولي عبر منابر تفطنت الحكومة المصرية أخيرا إلى ضرورة مراقبتها وحمايتها من هذا التيار الذي من شأنه أن يعطل ويشوش على خطط التجديد والتطوير في الخطاب الديني. القاهرة – في خطوة أثارت جدلا واسعا داخل التيار السلفي، أصدر وزير الأوقاف المصري في 20 سبتمبر الجاري قرارا بسحب رخصة الخطابة من أحد أشهر دعاة السلفية المدخلية في العالم، وهو الداعية محمد سعيد رسلان. يُعد رسلان من تلاميذ ربيع بن هادي المدخلي، مؤسس تيار السلفية المدخلية، لكن جهوده العلمية ونشاطه الدعوي في المساجد وعبر فضائيته الخاصة ومعاركه التي خاضها في أكثر من اتجاه ضد تيارات دينية، منها فصائل سلفية، جعلته خلال سنوات قليلة، الرمز والمرجع الأشهر للسلفية المدخلية. اشتهر الرجل بمدرسته التي تعتمد على الأسلوب السلفي التقليدي عبر شرح أحد كتب ومرجعيات التيار السلفي الشهيرة في أحد مجالات العلم، وهي المدرسة التي تستقطب روادا وطلابا من كافة أنحاء العالم يفدون إلى قرية “سبك الأحد” مركز أشمون بمحافظة المنوفية في شمال القاهرة، حيث يوجد المسجد الذي اكتسب شهرة كبيرة لاقترانه بخطبه ودروسه التي تميزت بالنقد اللاذع لخصومه. على الرغم من الخلافات الظاهرة بين تيار السلفية المدخلية ومن رموزه بمصر أسامة القوصي ومحمود عامر وسعيد رسلان، وبين تيار السلفية العلمية الذي يتخذ من الإسكندرية مركزا لنشاطه، ومن رموزه ياسر برهامي، فإن ما يجمع المدرستين من حيث المنهج أكثر مما يفرقهما، كما أن الغالبية تقدر رموز ومشايخ المدخلية وتعتبر نجاحاتهم، بحسب وصفهم، نوعا من المؤازرة والدعم لعموم المنهج السلفي. بدأت الحكومة المصرية معتمدة على مؤسساتها الدينية الرسمية في مباشرة تنفيذ خطة التجديد التي أعدها متخصصون في الفكر الديني والتربية وعلم النفس وتشرف عليها وزارة الأوقاف لطرح خطاب ديني جديد على المنابر، بينما يشذ دعاة السلفية في خطبهم عن مقتضيات الخطة ويطرحون رؤى مناهضة، خاصة في ملفات المرأة والتعددية الدينية والتعامل مع الأقباط، ما يحرج الحكومة ويضعف تحركاتها. يتعلل العديد من خطباء وزارة الأوقاف ممن لا ينتمون إلى تيار بعينه بعدم التزام دعاة السلفية الممنوحين رخص خطابة، وفي مقدمتهم محمد سعيد رسلان بخطبة وزارة الأوقاف، ليبرروا عدم التزامهم بالخطبة الموحدة والاجتهاد في طرح أفكار تتعلق بقناعتهم نتيجة عدم رضاهم عن الخطاب الجديد للوزارة من الناحية الشرعية. لذلك اعتبرت الوزارة أن إجراء، وإن اقتصر على البعد الإداري، ضد الداعية السلفي صار ضروريا لإسكات الأصوات المعارضة ليس داخل الحيز السلفي فقط، إنما في أوساط أصحاب الرؤى المتشددة من الخطباء غير المنتمين إلى تنظيمات دينية، ولإخضاعهم للإسهام في خطة الوزارة بشأن تجديد الخطاب الديني عبر خطبة منبرية تهتم بالمصالح العامة للوطن وتسهم في نشر التعايش والسلام المجتمعي. توقع خالد عكاشة، الخبير الأمني والمتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أن يكون ما جرى من وقف لخطب رسلان مجرد سحابة صيف أو “قرصة أذن” لأن رد فعله، وتهدئة أتباعه، بعد قرار وقفه كان مثيرا للانتباه، ملمحا إلى الحرص على انضواء كل منابر الوزارة داخل سياق الخطاب الدعوي الموحد الذي ينشر القيم الوسطية ويرسخ المواطنة. قال عكاشة لـ”العرب”، “يبدو أن هناك خطأ ما أثار حفيظة الوزارة قد يتعلق بالقضايا والملفات التي يعالجها الرجل في خطبه”، متوقعا “السماح له مجددا بالخطابة، إذا تم تصحيح الخطأ وتم التفاهم على الالتزام بخط الوزارة وبرنامجها الدعوي وطرحها الفكري، لأن موقفه من الإخوان واضح، فهو ضدهم تماما”. ماذا يدور في خلد سلفيي مصراذا يدور في خلد سلفيي مصر ومع أن عبارات الهجوم على جماعة الإخوان وغيرها من جماعات السلفية الجهادية والحزبية والحركية التي يطعم بها رسلان خطبه، كثيرة وذات دلالات سياسية، إلا أن هذا الإطار يخفي محتوى أصوليا تقليديا، ما يثير قلق الكثيرين بشأن توظيف منابر الدولة بغرض ترسيخ الأيديولوجية السلفية ونشر أفكار ومناهج تيار راديكالي بعينه، تتناقض تصوراته العامة في الكثير من الملفات مع رؤى التجديد الديني التي تتبناها قيادة وزارة الأوقاف وتسعى في تطبيقها ونشرها. يخشى كثيرون نتيجة تناقضات السلفيين وتحولاتهم التي دلت على براغماتية عتيدة منذ ثورة 25 يناير 2011، من استفادة الكيان السلفي من المناخ القائم والتحول في مراحل لاحقة في حال تغيرت الظروف وسنحت الفرص، كما حدث في مختلف الوقائع التي كانت الكيانات السلفية طرفا فيها طوال السنوات الماضية. تعاظم أعداد التيار السلفي عقب ثورة يناير، ووضح خلال الفعاليات واللقاءات العامة أنه استفاد بشكل كبير من مرحلة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك من خلال بناء قاعدة سلفية ضخمة، لذلك عبر قادته عن رفضهم للثورة وسقوط النظام في هذه المرحلة على الأقل، كي يستكملوا بناء هذا التشكيل الواسع. استفاد السلفيون من الثورة وتداعياتها بعد أن وقفوا ضدها وحرمّوا الخروج في مظاهراتها، واستفادوا من البرلمان لاحقا وشاركوا في جميع الانتخابات التي جرت، بعد أن كانوا يحرمونها في السابق ويؤكدون عدم مشروعية أساليب جماعة الإخوان عبر المشاركة في الانتخابات. عقب تحريم السلفيين للعمل التنظيمي والترويج لأفضلية البقاء في شكل الدعوة العامة تحولوا إلى تشكيل تنظيم هرمي يحاكي التنظيم الإخواني بكافة تفاصيله الإدارية والهيكلية، الأمر الذي مكنهم عندما واتتهم فرصة المشاركة السياسية من تشكيل العشرات من الكيانات والفصائل في وقت قياسي لخوض الانتخابات بهدف إحراز أغلبية برلمانية. وضح أن التيار السلفي يجيد المناورة والتأقلم مع الواقع والتحديات التي يواجهها ويلجأ إلى التلون بالشكل الذي يتيح له البقاء والتمدد، مستفيدا من آليات الواقع المتاحة إلى أن تسنح فرص جديدة لتحقيق الأهداف النهائية أو بعضها. وامتص التيار السلفي صدمة سقوط مجمل التيار الإسلامي مع ثورة 30 يونيو 2013 وعادت بعض كياناته وتشكيلاته متأقلمة مع طبيعة الأوضاع الجديدة، في محاولة لاكتساب القوة والصعود مجددا، لكن من قلب النظام نفسه باستخدام آلياته ومنابره السياسية والحزبية في البرلمان، وأيضا منابره الدعوية في المساجد، وليس من طريق مناهضته والصراع الساخن معه. ينظر البعض إلى خطوة منع رسلان من الخطابة من منطلق كونها عملية جس نبض لأزمة قياس طبيعة ردود أفعال هذا التيار وطريقة تعاطيه مع منع أحد رموزه، بالنظر للشعبية التي كونها وأعداد طلابه ومريديه اللافتة، والهدف هو معرفة مدى انفصال هذا الكيان عن المجتمع وعن الدولة ومؤسساتها ومدى سلميته وحدود اختراقه من فصائل سلفية أخرى من عدمه. اقتضت العزلة السلفية المفروضة على هذه المجموعات المحتشدة في خطب الجمعة ودروس المسجد الأسبوعية إخراجها من قوقعتها وإعادة دمجها في المجتمع، ولزم تبديل الخطيب السلفي بآخر من الأوقاف للتعريف بالإسلام الوسطي الذي يؤمن به عموم المصريين، علاوة على أن الكيانات التي لا يزال لديها حضور في الساحة قد حرصت على ألا تكمن وتكتفي بنشاطها التقليدي المعتاد، لأنها تتحسب من مجيء الوقت الذي تُطالب فيه بتقنين أوضاعها وربما الخروج من المشهد السياسي والدعوي أيضا، لذلك تعتقد أن هروبها إلى الأمام وتكثيف نشاطها من شأنه أن يضعف الضغوط عليها ويقلل من المطالبة بالمراجعة والنقد الذاتي والتغيير.

مشاركة :