كل شيء يتغير في الفضائيات إلا الشعار الذي ترفعه كاختزال لرسالتــــها الإعــلاميــــة المفتـــرضة. تــتــعدل البرامج ويذهب مذيعون ومعدّون، ويتغير شكل وفضاء الاستوديو، وربما يتغير مالك القناة. لكنّ الشعار يبقى صامداً، ملاصقاً للقناة كاسمها، وهو يأتي على نحو بليغ وينطوي على كثير من الطموح، وعلى وعد بالنجاحات. «الرأي، والرأي الآخر»، «دليلك إلى رؤية واضحة»، «بكل ألوان الطيف»، «العالم بين يديك»، «الرأي قبل شجاعة الشجعان»، «لأفق أرحب»، «أفق جديد»... هذه نماذج لشعارات ترفعها الفضائيات ثم تترك فحواها جانباً لتطبق السياسة المرسومة لها بدقة. لن تجد وسط بورصة الشعارات هذه فضائية قد تقرّ بالتواضع، وربما كان شعار قناة «العربية» هو الوحيد الذي يحمل مقداراً من التواضع والصدقية: «أن تعرف أكثر». أما شعار من قبيل «مش حتقدر تغمض عينيك»، مثلاً، فهو مبالغة مجانية، ثم انه يحمل تحذيراً، فكيف للمشاهدين ألا يغمضوا أعينهم وكثيرون منهم اعتادوا ان يشغلوا الجهاز في سبيل أن يحظوا بقليل من الراحة، فإحدى وظائف التلفزيونات في هذه الفترة التي تحفل بالخراب هي مساعدة المتلقي على إغماض عينيه. الحقيقة التي تغيب عن ذهن مبدعي تلك الجمل النرجسية، هي ان هذه الشعارات لا تصنع النجاح، ولا تلعب اي دور في جذب المشاهد الذي بالكاد يتذكر شعار المحطات. الأداء الإعلامي هو الذي يحدد ترتيب القناة، بالتالي فإن ثمة قنوات تتباهى بشعارات عميقة المعنى لكنّ أداءها يأتي بسيطاً وسطحياً، وثمة في المقابل قنوات لا تنهمك بالشعار كثيراً لكنها اثبتت مكانتها في هذا الفضاء الإعلامي المضطرب. ومثل هذه الحقيقة تقودنا الى أمر آخر وهو ان الفضائيات لا تكف عن التضليل بدءاً من اسمها وشعارها وصولاً الى مادتها الاعلامية، فمن النادر، إن لم نقل من المستحيل، ان تجد فضائية عربية تنتقد نفسها، أو تعتذر للمشاهدين عن خطأ ارتكبته، أو عن صورة خاطئة نشرتها. مثل هذا التقليد قد نجده في فضائيات غربية رصينة، أما في الفضاء العربي فلا مجال للمراجعة او المحاسبة أو النقد، وكأنها بذلك تصغي الى ما قاله محمود درويش «لا تعتذر عما فعلت». أكثر من ذلك، فمن يحاول من الضيوف أن ينتقد أداء الفضائية سرعان ما يتصدى له المذيع لزجره وتوبيخه، أو يقول، بهدف اسكاته، «الفكرة وصلت». هذه النرجسية الفضائية تشبه الى حد كبير ذلك المديح الذي تطلقه الشركات والمصانع على سلعها، ففي الاعلانات التجارية نسمع أوصافاً وميزات خارقة، وأن جودة هذه السلعة لا تضاهى... اصحاب الشركات يعتمدون كثيراً على خبرات لها باع طويل في مجال الاعلان كي تخترع اعلاناً تشد انتباه المشاهد رغماً عنه، وهنا قد يقع المستهلك في الشرك. لكنّ الفضائيات التي تتبع هذا الاسلوب سرعان ما تكتشف، فالريموت كونترول حاضر دائماً، وإن سقطت هذه الفضائيات في امتحان المشاهدة، فلن ينقذها الشعار مهما كان مغرياً وبليغاً.
مشاركة :