قراءة في كتاب «مال ورمال» لفيصل العيار (1 – 3)

  • 9/27/2018
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الكُتب الراقية ليست مجرد أوراق متخمة بآلاف الكلمات.. بل هي صورة حقيقية لأصحابها، وخلاصة مركزة لعقولهم ونبض قلوبهم وعصارة تجاربهم! ولعل هذا هو السبب وراء معاودتي قراءة كتاب «مال ورمال» المرة بعد الأخرى، فعلى الرغم من أنه صدر قبل فترة غير قصيرة، يظل هذا الكتاب، لمؤلفه رجل الاقتصاد والأعمال المرموق فيصل العيار، تأريخا دقيقا لرحلة الاقتصاد الكويتي، ومصدرا مهما للمعلومات، ومرصدا لتجارب جوهرية على مدار قرابة 40 عاماً حافلة بنجاحات قليلة، وإخفاقات كثيرة وإعاقات عدة أثرت سلبا – بمحصلتها – في مصالح الوطن العليا ومقدَّرات أبنائه! ولأن فيصل العيار رجل جدير بالثقة وعميق التجربة ونبيل الهدف، ويحمل شعورا وطنيا صادقا، جاء كتابه «مال ورمال»بمنزلة مشروع فكري يجسد هذه الصفات جميعا، ويوثق توثيقا حصيفا لمسيرة الاقتصاد الكويتي، على نحو يشبه موقع «ويكيليكس» الشهير الذي كشف عشرات الآلاف من الوثائق المتعلّقة بأمور خفية مختلفة في السياسة الدولية.. ولقد قرأتُ أكثر من مرة «مال ورمال» الذي يقع في قرابة 400 صفحة، والذي أشكر السيدة الفاضلة إيمان العوضي لحرصها على أن تحضر لي نسختي منه، وفي كل مرة كنت أطالع هذا الكتاب كانت تأكلني الحسرة ويجتاحني الغضب على أموال الكويت التي- ويا للأسف – ضيَّعتها ثُلة من الكويتيين كان واجبهم الوطني ومسؤولياتهم الوظيفية تفرض عليهم أن يحرصوا على صون الأموال الطائلة والمشاريع الكبرى التي يديرونها. بيد أنهم على نقيض ذلك استسلموا لرياح الفساد تارة، حتى صاروا جزءا منها، وخضعوا لتأثيرات السياسة تارة أخرى، وبعضهم انخرط في مؤامرات كريهة أضرت بمصلحة الكويت واقتصادها على السواء، غير عابئين بالشعب الكويتي المالك الحقيقي لهذه الأموال الضائعة! لا مجال للحديث عن تفاصيل «مال ورمال»، خصوصا أن الكتاب صار منذ فترة غير قصيرة في متناول أيدي القراء والمهتمين من أصحاب الشأن الاقتصادي، الذين لا شك في أنهم أفادوا منه كثيرا، سواء في معلوماته أو في وثائقه، أو في رسالته.. لكنني سأتحدث عن القيمة الحقيقية لهذا الكتاب، وهي تتجسد في عدة مزايا لا تنبع فقط من تجربة مؤلفه المخضرم الذي قضى في المجال الاقتصادي زهاء أربعين عاماً تُوجت بتقلده منصب نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لواحدة من كبريات الشركات الاستثمارية في الكويت، ومن ثم فإن الرجل لا يبتغي بكتابه هذا إثارة للغبار في وجه أحد، ولا توجيه اتهامات لأي شخص، ولا الإنحاء بالملامة على أي جهة، وكل ما هنالك أنه اطلع بعيني خبير على فسادٍ مزمن اجتاح مشاريع اقتصادية كويتية عملاقة، وأطاح بها في مهب الضياع، وكانت النتيجة أن الكويت خسرت كثيرا، وتراجعت إلى الخلف أكثر، وتخلت عن ريادتها لغيرها، بينما تجاوزتها شقيقاتها من دول الخليج بأشواط بعيدة، وحققت نجاحات عملاقة تحدث بها العالم.. في حين لم يعد للكويت الحبيبة إلا التغني بالماضي الذي ولَّى، وبِتنا نحتاج إلى بذل جهود قصوى، كي نبث فيه الحياة من جديد! ونكمل في المقال المقبل. أ.د. معصومة أحمد ابراهيم Dr.masoumah@gmail.com

مشاركة :