تنظم الحكومة المصرية جملة من الفعاليات الثقافية والدينية التي تهدف للتقارب بين الأديان، بالتوازي مع الاحتفالات ذات العلاقة باليوم العالمي للسلام الذي يوافق 21 سبتمبر من كل عام وتستمر فعالياته في بلدان مختلفة عدة أيام، في محاولة لخلق لوحة فنية يمتزج فيها أصحاب الديانات المختلفة، قد تمكنهم من نشر رسائل تسامح للمسلمين والمسيحيين خاصة ودعم المؤسسات الدينية في نشر السلام العالمي. القاهرة – تشهد منطقة مجمع الأديان والتي تضم دور عبادة إسلامية ومسيحية ويهودية في وسط القاهرة، الخميس، انطلاق الدورة الرابعة لملتقى الأديان وتنظمه وزارة الثقافة المصرية تحت شعار “هنا نصلي معا” وتستمر حتى نهاية الشهر الجاري، وهي فعالية ثقافية تشارك فيها فرق الإنشاد الصوفي وأخرى تابعة للكنيسة تجوب شوارع تلك المنطقة وتمر من أمام المتحف القبطي والمعبد اليهودي ومسجد عمرو بن العاص لتقدم رسالة سلام لجميع الأديان بلغة واحدة. وتشارك في الملتقى فرق فنية دولية من اليونان، الصين، الهند، الكونغو، برازافيل، الجزائر، إثيوبيا، إندونيسيا، السودان، اليمن والمغرب، وتقدم أنواعا مختلفة من الفنون تدور فكرتها الأساسية حول إعلاء القيم الإنسانية على الخلافات بين الأديان والثقافات المختلفة، لتؤكد أن العالم كله يستطيع أن يعيش في سلام، إذا حقق التواصل بين شعوبه من خلال سماحة هذه الأديان وقيمها النبيلة. كما تنظم وزارة الأوقاف المصرية منتصف شهر أكتوبر المقبل “ملتقى سانت كاترين للسلام العالمي”، رافعة الشعار ذاته “نصلي معا”، بمدينة سانت كاترين بمحافظة جنوب سيناء على البحر الأحمر، وهي منطقة تعدّ خير ممثّل للديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) ويوجد بها جبل الطور ودير سانت كاترين والوادي المقدّس، بحضور وفود دينية إسلامية ومسيحية ويهودية من 30 دولة حول العالم. وأوضح محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري لـ”العرب” أن المؤتمر سوف يطلق “وثيقة سانت كاترين للسلام العالمي”، تتضمن رسائل واضحة بأن الأديان كلها هي السلام، وأن جميع أعمال الجماعات الإرهابية لا علاقة لها بالأديان، وأن تلك الرسائل توجه إلى شباب العالم، وعلى رأسهم المتواجدون في منطقة جنوب سيناء التي واجهت أخطارا فكرية سعت للسيطرة على عقول هؤلاء بمفاهيم خاطئة. وتتضمن فعاليات الملتقى عقد لقاءات بين القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية داخل دير سانت كاترين، وزيارة الوفود المشاركة للشجرة المقدسة، وزيارة مركز اللغات الأجنبية بمسجد الصحابة بمدينة شرم الشيخ، ويضم مكتبة إلكترونية تضم مطبوعات دينية، ونخبة من الأئمة المجيدين للغات الأجنبية. وسبق للأوقاف المصرية أن نظمت العديد من المؤتمرات لترسيخ قيم التسامح، وأطلق مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع للأوقاف “وثيقة التسامح والتعايش السلمي” تمت ترجمتها لعدة لغات أجنبية، في أعقاب المؤتمر الدولي الذي عقد تحت شعار “دور القادة في مواجهة الإرهاب” في مارس من العام الماضي. ويرى مراقبون أن تلك الفعاليات تعد ترجمة لخطط مواجهة التطرف التي تتبناها المؤسسات الدينية المصرية، وتهدف من خلالها الحكومة المصرية للتأكيد على أنها حاضرة على المستوى الفكري وليس الأمني فقط، بل وأنه تجري الاستفادة منها على المستوى الاقتصادي وآخرها مباركة بابا الفاتيكان برحلة العائلة المقدسة إلى مصر ضمن رحلات الحج السياحي المسيحي، إلى جانب أنها تحقق جوانب سياسية ترتبط بالرغبة المصرية للقيام بدور الوسيط في حل عدد من الأزمات الأمنية بما يمنحها حضورا أكبر في عدد من الملفات الخارجية التي اختارت عدم الاشتباك معها والتدخل في التوقيتات المناسبة لحلها سياسيا. وعبر وزير الأوقاف عن تلك الرغبة بتأكيده لـ”العرب” أن ملتقى سانت كاترين يتوافق مع كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الأمم المتحدة، الثلاثاء، والتي ركز فيها على دور مصر كأكبر سابع مساهم في عملية حفظ السلام العالمي، وبالتالي فإن الأمر ينطلق من عقيدة راسخة تؤمن بالسلام وتدعو إلى تحويله لواقع ملموس يعم البشرية جمعاء، دون تفرقة في ذلك على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق. ومن الصعوبة الفصل بين توجيه دفة الاهتمام بالتقارب بين الأديان وبين رغبة الحكومة المصرية في التعامل مع ملف الفتنة الطائفية بشكل جذري في وقت تتواتر فيه الأحداث الطائفية بين حين وآخر، وآخرها ما وقع مطلع الشهر الجاري في إحدى قرى محافظة المنيا (جنوب مصر)، عندما استهدف بعض المتشددين منزل أحد الأقباط. العالم كله يستطيع أن يعيش في سلام، إذا حقق التواصل بين شعوبه من خلال سماحة هذه الأديان وقيمها النبيلة كما أنها تسعى من خلالها لترميم الجهل الثقافي المصري بالمعالم الدينية التي ترسخ في عقولهم قيم التسامح، بعدما فشلت المؤسسات التعليمية في القيام بهذا الدور على مدار العشرات من السنين، وهو ما انعكس على اهتمام السياحة الأجنبية بتلك المعالم في الوقت الذي لا تشهد حضورا من قبل المواطنين المحليين. وقال مختار مرزوق الأستاذ بجامعة الأزهر بالقاهرة، إن الملتقيات الدينية تحاول أن تبعث رسائل تواجه الأفكار المتطرفة التي يبثها المتطرفون عبر نوافذهم المتعددة، بل إنها بالأساس تأتي ردا على الفتاوى التي أطلقها غير المتخصصين، وأهمها تحريم تهنئة الأقباط بعيد الميلاد، لتكون مثل هذه اللقاءات رسالة للمتشددين بأن قبول الآخر المخالف من تعاليم الإسلام، وأن المواطنة الحقيقية تعني إعلاء قيم التسامح. وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أنها تلعب دورا في تصحيح صورة الإسلام في الغرب، وبيان أنه دين السلام والمحبة والتسامح، ما ينعكس بالقطع بشكل إيجابي على الأقليات الإسلامية في الخارج، ويواجه ظاهرة الإسلاموفوبيا التي انتشرت في دول غربية عديدة عقب تنامي العمليات الإرهابية التي يقوم بها متطرفون إسلاميون. وفي المقابل فإن بعض المراقبين يرون أن مثل هذه الملتقيات لا تمثل اختراقا شعبيا كبيرا لأنه لا يتم تطبيقها بصورة صحيحة ولا ترفع قيم المواطنة والتسامح على أرض الواقع، وأن إعلاء سلطة القانون بين الجميع بشكل متساو وعدم اللجوء إلى الجلسات العرفية، هو السبيل الأول لحل جميع المشكلات الطائفية بشكل يؤسس لقيم التعايش بين المواطنين. وقال جمال أسعد عبدالملاك، مفكر قبطي وناشط سياسي، إن هذه الملتقيات يطغى عليها الشكل المظهري وليست لها علاقة بالتقارب بين الأديان، ومن ثم فإن النتائج المرجوة منها قد تكون على المستوى السياسي والاقتصادي لكنها بعيدة عن جوهر السلام العالمي بين الأديان الثلاثة. وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن فكرة التقارب تتطلب أن يكون هناك إصلاح للأفكار السائدة، ويكون ذلك عبر خطوات متفق عليها مجتمعيا وليس من خلال المتاجرة بفكرة تجديد الخطاب الديني من دون الجرأة على الاقتراب من التراث المتطرف، وأن يكون ذلك بقناعة قادة المؤسستين الدينيتين الأكبر في مصر، الأزهر والكنيسة.
مشاركة :