كريم الصياد يكتب: شهادتي على علي مبروك كما يتذكّره حسن حنفي في سيرته الذاتية

  • 9/28/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يحظَ المفكر علي مبروك ببؤرة اهتمام عامّ من قبلُ كما حظي بها حين "تذكّره" حسن حنفي في "ذكرياته". وإذا كان الحي أبقى من الميت، فإن الميت يُبعَث في حياة ثانية حين نتذكره؛ فالذكرى برزخ أو قيامة. ويبدو أن الحياة الثانية لمبروك ستكون أهمّ وأثرى من حياته الأولى، وشهادتي هذه كلها عبارة عن تفصيل لما أعلاه. ونظرًا لما في الخلاف بين مبروك وحنفي من أبعاد شخصية، وصلت إلى درجة خطيرة بين عامي 2006-2016، فقد آثرتُ في البداية أن أنأى بنفسي عن الخوض فيه، ولكنني راجعت نفسي، إذ خطر لي أن هناك أبعادًا أخرى في العلاقة المعقدة بينهما تحتاج إلى توضيح، أو بالأحرى شهادة منّي. فلماذا أنا؟ أعني لماذا أعتقد في أهمية ما لشهادتي الشخصية؟ ببساطة لأنني تلميذ لحنفي؛ فقد أشرف على رسالتي في للماجستير، وقدّم لنشرتها في 2015 بقلمه، ولأن مبروك كان زميل قسمٍ لي، فرأيت منهما من الجوانب ما لم يرها بطبيعة الحال أغلب من أدلوا بآرائهم في الموضوع صحافيًا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ممن ليسوا تلاميذ لهذا أو زملاء لذاك. الأهم هو أن أبعاد ذلك الخلاف بين حنفي ومبروك تتوسع حين نتأملها لتشمل علاقة حنفي بتلاميذه عمومًا. وهذا هو لب القضية في نظري: هي قضية أكبر من علاقة حنفي بمبروك، ولكن يمكن اتخاذ نموذج (مبروك-حنفي) مدخلًا لفحص تلك العلاقة الغامضة، التي تربط حنفي بتلاميذه، ومثالًا لها.ليست القضية أن حنفي أساء إلى سيرة شخص متوفَّى؛ فقد كان حنفي يقول في حياة مبروك، وبحضوره، الكلام نفسه الذي قاله عنه في مذكراته. وليست القضية أن حنفي وصف علي مبروك بما ليس فيه "مفكر لا باحث"؛ ففعلًا –من وجهة نظري- كان مبروك صاحب فروض يستحيل اختبارها في حدود المصادر العلمية، كافتراض أن الأشعري أسس مذهبه للتغلب على عقدة الأب الفرويدية، أو أن الشافعي أسس أصول الفقه تفاعلًا مع يُتمه، وغياب "أصله" في مجتمع قبَلي بطريركي. كلها فروض قد تكون صحيحة، وقد تكون باطلة، ولا منهج يتوافر لدينا للتحقق منها. والبحث ليس مجرد فرض فروضٍ. وفعلًا فعلي مبروك لم يقدم بحثًا بقدر ما قدم فَرْضًا، وبقدر ما تحرك بنشاط في الوسط الثقافي المصري والعربي، حتى صار تأثيره أكبر من تأثير حنفي على المثقف العام. ولكنه لم يصل إلى درجة أن تكون كتبه من موضوعات الدرس في أقسام الدراسات الشرقية، والإسلامية، بجامعات الغرب، مثل حنفي، الذي درستُ أنا بعض مؤلفاته في سيمنار الدارسات الإسلامية بجامعة كولونيا بألمانيا بين عامي 2013-2018. لقد افتقر مبروك إلى العمق البحثي والمادة العلمية الوافية في أغلب ما كتب من وجهة نظري.وليست القضية كذلك أن حنفي أساء لسيرة مبروك وحده؛ فهذه ظاهرة عامة واضحة في علاقة حنفي بأغلب تلاميذه، إن لم يكن كلهم. ففي عام 2007، حين علم علي مبروك أنني سجلت رسالتي للماجستير تحت إشراف حسن حنفي، قال لي ما معناه: أنني سأعرف حقيقة علاقتي بحسن حنفي بعد الدكتوراه، وليس الآن. ويبدو أن هذه أصدق عبارة سمعتها من علي مبروك؛ فلم أكد أعود إلى القاهرة، حاملًا شهادتي للدكتوراه من ألمانيا في فلسفة التأويل الإسلامية، حتى (اقترح) حنفي عليّ أن أقدم ندوة في الجمعية الفلسفية المصرية بعنوان كذا، وورقة في مؤتمر الجمعية السنوي بعنوان كذا. وأضع كلمة (اقترح) بين قوسين؛ لأنه لم يكن اقتراحًا من الأصل! وهذا ما كشفتْه الأيام التالية؛ فقد أخبرتُ حسن حنفي أنني لا أستطيع تقديم العنوان الذي (اقترحه) لندوة الجمعية، وقدمت أنا عنوانًا آخرَ. والحقيقة أن الجمعية وافقت فعلًا على هذا العنوان الذي اقترحته أنا، لكن بعد مشادة خفية، باطنة، بين حنفي وبيني؛ فقد كتب عنّي في مذكراته فيما بعد أنني لم أكد أرجع إلى القاهرة حتى علوتُ واستكبرتُ وجعلتُ رأسًا برأس. مجرد الاختلاف مع ما (يقترحه) حسن حنفي هو غرور واستعلاء من وجهة نظره، حتى تساءلتُ ماذا يعني "الغرور" لديه فعلًا؟ باختصار لقد صدَقتْ نبوءة علي مبروك بخصوص علاقتي بحنفي، هذه العلاقة التي شملت تلاميذه عمومًا، لتتحول إلى نوع من البطريركية البحثية، تقضي بأن الخلاف في وجهات النظر سوء أدب وغرور. وإذا كان الأب هو الذي يحدد علاقته بالابن، فإن حنفي لم يتساءل عن أخطائه هو في علاقته بمبروك، ولم يقدم لنفسه نقدًا ذاتيًا، ذلك الذي قال أنه غاب عن الجيل القديم والجيل الجديد على السواء في مذكراته. فعلًا لقد غاب النقد الذاتي عن بعض الجيل القديم بمن فيه حنفي.في الختام: حسن حنفي أستاذ حقيقي، وعلى مستوى يناهز بجدارة الأساتذة الغربيين النموذجيين، ولكن المشكلة الحقيقية هي في إطلاقه هذه الأحكام الأخلاقية الخطيرة على تلامذته وزملائه، في مذكراته، وفي غيرها، مرارًا وتكرارًا، بطول علاقتي به بين 2004-2018، دون الاكتفاء بالأحكام العلمية، هذه المشكلة التي تسببت قطعًا في سوء علاقته بهم، وهو المسئول الأول عن هذا. وهذه شهادة منّي بذلك.

مشاركة :