لندن – يجمع المراقبون على أن محاولات الاتحاد الأوروبي لتخفيف قسوة العقوبات الأميركية غير المسبوقة على إيران لا تعدو كونها ورقة صغيرة لحفظ ماء الوجه وأنها لن تمثل سوى قطرة صغير لتعويض بحر العقوبات التي ستكمل خنق الاقتصاد الإيراني بحلول 5 نوفمبر المقبل. ورغم اللغط الواسع الذي صاحب الإعلان عن آلية المقايضة واحتجاج واشنطن الشديد عليها، إلا أنها لن توفر لإيران سوى مسكّنات ضئيلة من آلام العقوبات الأميركية لأنها تعتمد على فرضيات مفقودة. وأعلن الأوروبيون بطريقة استعراضية يوم الثلاثاء عن إنشاء نظام مقايضة لمواصلة تجارتهم مع إيران والإفلات من العقوبات الأميركية على لسان وزيرة خارجية الاتحاد فيديركا موغيريني، بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في نيويورك. ورغم أن موغيريني قالت إن الاتحاد الأوروبي سينشئ كيانا قانونيا لتسهيل المعاملات مع إيران، إلا أن الملامح المعلنة لتلك الآلية تستند إلى أسس هشة وهي مقايضة السلع بصادرات النفط الإيراني. فصادرات النفط الإيراني تقترب من التلاشي وربما التوقف التام، في حين أن الشركات الكبرى المنتجة للسلع التي تحتاجها إيران اختارت الحفاظ على مصالحها الكبيرة مع الولايات المتحدة وتخلت عن المصالح الضئيلة المحفوفة بالمخاطر مع إيران. الآلية لن تتيح لطهران سوى عوائد ضئيلة من صادرات نفط ضئيلة لمقايضتها بسلع شركات هامشية صغيرة عوائد إيران من صادرات النفط ستكون ضئيلة جدا بعد نوفمبر، ولن تستطيع مقايضتها سوى بسلع شركات صغيرة جدا، لا تخشى العقوبات الأميركية، لأنها لا تملك أي تعاملات مع الولايات المتحدة. ويمكننا أن نتخيل حجم الشركات الأوروبية التي لا تملك أي مصالح مع الاقتصاد الأميركي العملاق الذي يشكل ربع الاقتصاد العالمي. وتكمن فضيحة موقف الاتحاد الأوروبي في تمرد حتى المؤسسات التابعة له أو للحكومات التي قادت وضع تلك الآلية وهي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، على جهود الالتفاف على العقوبات الأميركية. فقد أعلن بنك الاستثمار الأوروبي التابع للمفوضية الأوروبية أنه لا يستطيع التعامل مع إيران. كما تخلى بنك ببيفرانس المملوك للدولة الفرنسية عن خطط لتأسيس آلية لمساعدة الشركات الفرنسية على مواصلة التجارة مع إيران. ويتساءل المحللون: إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي لا تستطيع إجبار المؤسسات التابعة لها على التعامل مع إيران فكيف ستتمكن من إقناع الشركات بالمغامرة بمواصلة التعامل مع طهران؟ ويبدو الجواب واضحا في إعلان جميع الشركات الكبرى إيقاف تعاملاتها مع طهران من صناعة السيارات والطائرات إلى شركات النفط والمصافي وشركات الشحن البحري، وصولا إلى جميع المصارف وشركات التأمين الكبرى، التي لا بد من دور لها لإتمام أي صفقة تجارية. وتتضح الصورة أكثر في تصريحات كبار مسؤولي الدول الأوروبية، التي عبّرت مرارا عن يأسها من إمكانية إقناع شركاتها بمواصلة التعامل مع إيران. وتظهر البيانات وآراء الخبراء والمؤسسات العالمية أن العمود الفقري للآلية وهو صادرات النفط الإيرانية بدأ بالانحدار السريع حتى قبل تقييدها بالعقوبات، ما يقوّض فرص نجاحها. وتؤكد مؤسسات تجارة النفط مثل ترافيغورا أنها الإمدادات ستتلاشى بحلول نوفمبر وقد تتوقف بشكل نهائي، بعد أن أوقفت معظم شركات التكرير التعامل مع إيران خشية العقوبات الأميركية. إيران يمكنها أن تبيع عن طريق التهريب بضع مئات من البراميل يوميا، لكنها ستجد صعوبة في غسيل تلك الأموال لإدخالها في الآلية الأوروبية المقترحة وتشير أكثر التقديرات تفاؤلا إلى أن صادرات إيران ستنحدر إلى أقل من 700 ألف برميل يوميا بعد دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية، يذهب معظمها إلى الصين، وهي الوحيدة بين كبار مشتري النفط الإيراني، التي لم تعلن عن موقف من شراء النفط الإيراني. ويمكن أن تتلاشى تلك الصادرات نهائيا إذا وضعت واشنطن ورقة الالتزام بالعقوبات الإيرانية على طاولة مفاوضات التجارية الشاقة مع الصين. ويجمع الخبراء على أن بكين يمكن أن تتخلى عن التعامل مع إيران مقابل تخفيف المواجهة التجارية مع واشنطن. يمكن لإيران أن تبيع عن طريق التهريب بضع مئات من البراميل يوميا، لكنها ستجد صعوبة في غسيل تلك الأموال لإدخالها في الآلية الأوروبية المقترحة. جميع المصارف والشركات الكبرى لن تجرؤ على التعامل مع إيران حفاظا على مصالحها في الولايات المتحدة، ولتفادي دفع غرامات باهظة مثلما حدث في العقوبات السابقة. العقوبات الحالية ستكون أقسى بعشرات المرات من أي عقوبات مشابهة في الماضي، لأن الالتزام بها سيكون أكثر دقة بعد أن أصبحت الشركات تستخدام برامج الذكاء الاصطناعي لتفادي أي صلة غير مباشرة بإيران في جميع التعاملات التي تجريها. وتؤكد ذلك تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون هذا الأسبوع والتي أكدت على قرب خنق الاقتصاد الإيراني لتغيير سلوكه المزعزع لاستقرار دول المنطقة. وأكد ترامب أن العقوبات على طهران ستطبق “في شكل كامل” بداية نوفمبر، بل وستعقبها تدابير عقابية جديدة “أكثر شدة من أي وقت مضى”. الأمر الذي يجعل المحاولات الأوروبية مجرد ورقة صغيرة لحفظ ماء الوجه.
مشاركة :