يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام «ألا لله في أيامكم نفحات فتعرضوا لها» ولا شك في أنه كما فضل الله بعض البشر على بعض وفضل بعض الأنبياء على بعض وكذلك اختص الأيام والشهور بنفحات خاصة دون أن يعنى ذلك أي إقلال للأيام الأخرى وإنما هي ميزات إضافية للبعض مع احترام القاعدة الأساسية القائمة على المساواة لأن الجميع من خلق الله تعالى.من هذا المنطلق برز شهر أكتوبر من الشهور المباركة والذي شهد حدوث تغيرات هامة في العالم ومنها نجاح الثورة الصينية والثورة السوفيتية وغيرها ولكن ما يعنينا في هذا المقام هو أن هذا الشهر شهد واقعة تاريخية هامة ارتبطت بتطور المنطقة العربية وتتمثل في حرب أكتوبر 1973 والتي وقعت مواكبة للعاشر من رمضان المبارك والذي شهد غزوة بدر فاتحة انتصارات الإسلام.ولقد ظهرت دراسات عدة تتناول هذه الحرب من زوايا عسكرية وسياسية واقتصادية ونفسية ولا تزال ذكرى هذا الحدث تستدعي المزيد من التفكير والتأمل بين الحين والآخر، لأن بعض الأحداث ليس من السهل سبر غورها أو استكشاف كافة أبعادها وآثارها في وقت قصير لأن ضخامة الحدث تؤدي إلى تداعيات متتالية تظهر نفسها وتكشف ردود الأفعال المرتبطة بها كلما تقادم الزمن.ولقد حاولت في دراسة سابقة استكشاف بعض الأبعاد والآثار بعنوان «آثر حرب أكتوبر على الحياة العامة وعلاقات مصر الدولية» نشر من الهيئة المصرية العامة للكتاب وهو من تأليف مشترك مع الدكتور المستشار بمجلس الدولة مجدى المتولى. كما ظهرت عدة دراسات عسكرية واقتصادية في الندوات العديدة التي عقدتها أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية ونشرت في عدة مجلدات بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتلك الحرب.ولكن في تقديري أن الأيام تتوالى وتكشف عن أبعاد جديدة أو عن أبعاد كانت معروفة ولم يسلط عليها الضوء الكافي. ولعل في مقدمة تلك الأبعاد الجانب العربي في هذه الحرب.فمن المعروف أن الجانب العسكري لحرب أكتوبر يتمثل في أسمى مظهر له في طابع المفاجأة الاستراتيجية التي أنهكت العدو الإسرائيلي وأخذته على حين غرة ومن ثم أوقعت به الهزيمة في الأيام الأولى للمعركة واضطر إلى الاستغاثة العاجلة بالولايات المتحدة وواجهت كل من جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل وموشى دايان وزير دفاعها آنذاك حالة شبه انهيار نفسي وكارثة بعد المفاجأة العسكرية بعبور القوات المصرية حاجز مائي ضخم وهو قناة السويس، وحاجز ترابي منيع هو خط بارليف وهو ما لم يتصوره القادة العسكريون في إسرائيل بل وبعض المفكرين والكتاب المصريين والعرب والذين كتب أحدهم قبل ذلك ببضعة شهور مقالات تظهر حاجز القناة وخط بارليف بأن اقتحامهما من شبه المستحيلات وقد أدت تلك المقالات آنذاك لموجة من الاحتجاج في الدوائر العسكرية المصرية لأنها كانت تحمل نوعاً من الإحباط وبعث اليأس، ومن هنا عندما تعالت صيحة الجنود والضباط المصريين وهم يقتحمون خط بارليف ويهتفون «الله أكبر» كان ذلك إيذاناً وتأكيداً بأن النصر من عند الله لمن يعملون من أجله ويتمسكون بحقوقهم ويسعون من أجلها، وإن النصر مع الصبر وهو أيضاً مع الإعداد الجيد للقوة والاستراتيجية والتكتيك السليمين كما حدث في غزوة بدر حدث في أكتوبر 1973. وللحديث بقية.* خبير الدراسات الاستراتيجية الدولية
مشاركة :