جاء حدث إسقاط طائرة روسية، بصاروخ سوري (روسي)، بالتزامن مع قيام طائرات إسرائيلية بالإغارة على مواقع سورية، في منطقة الساحل (17/9)، ليؤكد مجدداً على مسألتين، أولاهما، أن سوريا باتت بمثابة ساحة للتصارع أو التجاذب الدولي والإقليمي، أي أن الصراع الدائر في هذا البلد لم يعد يقتصر على النظام من جهة، والشعب أو أغلبية الشعب من جهة أخرى، ما يفيد بأن الأمر خرج من أيدي النظام والمعارضة، وبات بأيدي الأطراف الخارجية، كل بحسب حجمه وقوته. وثانيتهما، أن إسرائيل باتت عاملاً فاعلاً في هذا الصراع، بحيث أنها أضحت أحد الأطراف المقررة في شأن استمراره، أو وقفه، أو تحديد مآلاته. على أية حال فإن ما يهمنا هنا هو دور إسرائيل في الصراع السوري، وملاحظة تزايد هذا الدور لاسيما في الأشهر القليلة الماضية، على الصعيدين السياسي والعسكري، بعد أن كانت تتذرع بالنأي بنفسها عنه، في سنواته الأولى. وفي الواقع، وبالنسبة للأطراف الأخرى المنخرطة عسكريا بشكل مباشر في الصراع السوري، كروسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا، يمكن اعتبار إسرائيل بمثابة القطبة المخفيّة في هذا الصراع، سواء اشتغلت بطريقة سياسية صامتة، أو عملت بطريقة عسكرية صاخبة. إذ طوال السنوات الثماني الماضية، ورغم ادعائها النأي بالنفس، فإن إسرائيل اشتغلت بعدة طرق، مباشرة وغير مباشرة، فهي، أولاً، حرصت على عدم تدّخل الولايات المتحدة لوقف الصراع الضاري في هذا البلد، رغم الأهوال التي شهدها أو اختبرها السوريون، بتشريد الملايين وتحولهم إلى لاجئين، ومقتل مئات الألوف منهم، ودمار عمرانهم، وذلك وفقا لمقولة: ” دعوا العرب ينتحرون…عرب يقتلون عربا…دعوا العرب يقتلون بعضهم”. (أليكس فيشمان، “يديعوت أحرونوت”، 12 يونيو 2013). هذا مع علمنا أنه لا يمكن عزل الموقف الأميركي عن الموقف الإسرائيلي، إذ أن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تأخذ في اعتباراتها أمن إسرائيل أولا، في إطار فهمها لمصالحها وأولوياتها. ثانيا، التنسيق السياسي والعسكري مع روسيا، وهو الأمر الذي أثمر اتفاقية لوقف التصعيد في الجنوب السوري، بين روسيا والولايات المتحدة والأردن؛ من خارج معسكر “أستانة الثلاثي” الذي يضم روسيا مع إيران وتركيا، مع معرفتنا أن إسرائيل شريك غير معلن في هذا الاتفاق وعبر كل طرف فيه، وذلك بدعوى صدّ التهديدات من هذه المنطقة والحفاظ على أمنها القومي، وهو الأمر الذي أثمر ابعاد القوات الإيرانية لمسافة 80 كلم عن الحدود الإسرائيلية ـ السورية. وقد يجدر بنا التذكير هنا بأن العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية تطورت بشكل كبير في تلك الفترة إلى درجة أن نتيناهو التقى بوتين أكثر من عشرة مرات، وأن التنسيق العسكري بينهما فيما يخص سوريا كان في أعلى الدرجات، إلى درجة أن روسيا كانت تسمح أو تغض النظر عن الغارات الإسرائيلية، ضد أهداف عسكرية في سوريا. ثالثا، التدخل العسكري المباشر وفق سياسة الردع، أو “العصا الطويلة”، للحؤول دون اقتراب قوات إيرانية أو حليفة لها من حدودها، إضافة إلى الحؤول دون وصول إمدادات عسكرية ذات وزن، أو من نوعية معينة، من إيران إلى حزب الله، بحيث نفذت إسرائيل، خصوصا طوال السنوات الخمس الماضية، العشرات من الغارات ضد مواقع عسكرية للنظام، وضد قواعد إيرانية في سوريا أو ضد قوافل تسلح إيرانية، كما ضد بعض قياديي حزب الله. وبحسب تصريحات إسرائيلية فإن الطيران الإسرائيلي قصف أكثر من 200 موقع على أراضي سوريا خلال الـ 18 شهرا الماضية، وأطلق 800 صاروخ عليها، إلا أن إيران ليس فقط لم ترد على تلك الاعتداءات على مواقعها في سوريا، بل إنها انصاعت للطلب منها الابتعاد عن تلك المنطقة، كما قدمنا. في هذا السياق، لعل أقسى الضربات التي وجهتها إسرائيل ضد أهداف في الأراضي السورية هي تلك التي حصلت، منذ مطلع هذا العام، في شهر فبراير مثلا، حيث أعلنت إسرائيل، وقتها، شنها هجمات استهدفت مواقع “إيرانية وأخرى تابعة للنظام”، وفي شهر أبريل، استهدفت قاعدة عسكرية تابعة للنظام في محافظة حمص، وفي شهر مايو، قامت بعدة هجمات مدمرة، أقواها في العاشر من مايو، استهدفت فيها معظم القواعد التابعة لإيران في مجمل الأراضي السورية، مع التذكير أن ما حصل، يوم 17 سبتمبر، من هذا الشهر، إنما هو الهجوم الإسرائيلي الرابع من نوعه، الذي كانت استهدفت فيه إسرائيل مواقع عسكرية في كل من ريفي حماه وحمص وكذلك طرطوس ومطار دمشق، في الشهر الحالي. من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن إسرائيل باتت لاعبا أساسيا في الصراع السوري، وأن هذا الوضع يتعلق بأجندتها الخاصة فقط، إذ أن كل الضربات الإسرائيلية (والأميركية) تقصدت عدم توجيه ضربات يمكن أن تكسر النظام، أو يمكن أن تشكل فرقا لصالح المعارضة، وأن هذا التدخل يهدف فقط إلى لجم إيران، وتحجيم نفوذها، ودرء أية مخاطر مستقبلية منها، وليس إنهاء وجودها في سوريا أو لبنان، إذ مازال الاستثمار الإسرائيلي والأميركي في الدور الإيراني في المنطقة على حاله، طالما أن إيران تخدم تقويض البنى المجتمعية والدولتية في المشرق العربي، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا. على ذلك فإن حدث اسقاط الطائرة الروسية، والذي حملت روسيا مسؤوليته لإسرائيل، بالتداعيات الناجمة عنه، وضمنه اعتزام روسيا تسليح النظام السوري بأنظمة دفاع جوي حديثة، يطرح تساؤلات عديدة، فهل هذا يعني وقف التنسيق الروسي ـ الإسرائيلي؟ وهل أن هذا الحدث يمكن أن ينهي التزام روسيا بإلزام القوات الإيرانية والميلشيات التابعة لها بالابتعاد عن حدود إسرائيل؟ ثم هل هذا يعني أن إسرائيل ستتوقف عن القيام بمهاجمة أهداف عسكرية في سوريا؟ على أية حال فإن وقائع الأسابيع القليلة القادمة ستقدم إجابات على كل تلك الأسئلة.
مشاركة :