الخيال مفتاحك - المُنقِذ لإعادة كتابة الذكريات المؤلمة

  • 9/30/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في عوالم السياسة، هناك قول شائع عن كون الماضي قابل للتكرار، ولكن ليس تماماً، بل إنه يتغيّر كلما تكرّر، وربما انقلبت أحواله رأساً على عقب، وما يحدث مرّة كمأساة «يعود» متنكراً في ثياب ملهاة! ويؤثر عن الفيلسوف الألماني في القرن التاسع عشر فريدريك هيغل، وهو مؤسّس فلسفة التاريخ، ميله إلى القول بصعوبة استخلاص عبر فعليّة من الماضي، لكن ذلك لا يمنع أبداً [بل ربما يحفّز] ضرورة التأمل فيه ومحاولة قراءة ما خفي في سطوره. ماذا لو جُمِع الأمران سويّة: حضور الماضي [بالأحرى استحضاره] في الوعي الإنساني، والتغيّر الذي يحصل كلما «عاد» ذلك الماضي في صورة مغايرة عن تلك التي حدث بها قبلاً؟ بقول آخر، يصح القول دوماً أن لا أحد يستطيع تغيير الماضي، لكن ربما كانت ممكنة أيضاً إعادة كتابته. لا يتعلق الأمر بالمجتمعات، على غرار مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعادة كتابة تاريخ فرنسا في حقبة الثورة الجزائرية في خمسينات القرن العشرين، بل بالإنسان الفرد. إذاً، لنُعِد صوغ العبارة السابقة، فتصبح: لا أحد يستطيع تغيير الماضي، لكن يمكن الفرد أن يستعمل الخيال لإعادة كتابة الماضي في ذاكرته ودماغه. الهدف؟ علاج الكآبة والتوتر والقلق! ما هي العلاقة بين الخيال والاضطرابات النفسيّة - العصبيّة؟ هل فعليّاً من المستطاع استعمال الخيال لتصير ذكرياتنا الشخصية الماضية مختلفة، وتساعد على الخروج من الاضطراب النفسي - العصبي؟ كيف؟ المسألة بسيطة مبدئياً. يعرف معظمنا أن ذكريات الماضي تؤثّر فينا كثيراً وطويلاً. وهناك محطات بارزة في تلك الذكريات تكون مؤلمة أكثر من غيرها، بل مصدراً للإحباط والقلق. وعندما نضطرب نفسيّاً، نستعيد الأسوأ من الذكريات، وتعود إلينا الصور المؤلمة والمتوترة كالإساءة إلينا جسدياً ولفظياً أثناء الطفولة، والأحوال المحبطة التي كنا فيها غير قادرين على رد الأذى أو ذكريات الانفصال قسرياً عمن نحب وما يشبهها. وفي الغالب، تعود تلك الصور مع مجموعة من الأفكار السلبيّة ومشاعر الإحباط والإحساس باللاجدوى وغيرها. هل تزول الآلام أيضاً! في بحث حديث نُشِر أخيراً، درس فريق من المختصين الألمان في الطب النفسي، إمكان توظيف الخيال في تغيير نظرة الفرد إلى ذكرياته السلبيّة، ليكون ذلك مدخلاً إلى تغيير الأفكار والمشاعر السلبيّة المرتبطة بها، والتي تتضخّم أثناء حالات الكآبة والقلق والتوتر وغيرها. وقاد الفريق البروفيسور ستيفان موريتز، وهو أستاذ في الطب النفسي في «جامعة هامبورغ» مختص بالعلاجات غير التقليدية للاضطرابات النفسيّة. وشمل البحث 920 مصاباً بالكآبة المرضيّة، وطبق عليهم آليّة ابتكرها بنفسه وسمّاها «إعادة الكتابة بالخيال» (Imagery Rescripting)، واختصاراً «آي آر» (IR). وهناك تفاصيل كثيرة تتصل بذلك البحث وآليّة «إعادة الكتابة بالخيال»، من المستطاع الاطلاع عليها في الموقع الشبكي لمجلة «سايكولوجي توداي». وبالاختصار، يلفت في آلية «آي آر» أمران، هما: أولهما أنها معدّة كي يستعملها الأفراد بأنفسهم، سواء أكانوا مصابين باضطراب نفسي أم لم يكونوا كذلك؛ وثانيهما أنها أثبتت فاعليتها في تخفيف المشكلات النفسيّة وكذلك الاضطرابات في السلوكات والصفات الشخصيّة. ويمكن إعطاء مثل مبسّط عن آلية «آي آر». لنقل أن لديك ذكرى انفصال عمن تُحِب، وهي تترافق مع إحباط ومشاعر وأفكار سلبيّة كأن تكون «لو لم أكن شخصيّة غير مقنعة وضعيفة، لما تركتني». في إمكانك، أن تتخيّل تلك الذكرى، ثم تتذكّر أنك قابلتْ غيرها، ونجحت معها، وأُعجِبَتْ بك، بل ربما عبّرت لك عن حب أرضاك تماماً. طريقة أخرى: تذكر أنها تركتك، لكن فكّر أنها ربما فعلتْ ذلك مُكرَهَة، وتحت ضغوط لم تستطع الإفصاح عنها، والمسألة لم تكن تتعلق بأنك شخصية ضعيفة أو غير مقنعة للحبيبة السابقة. هل تجرّب ذلك؟ لمَ لا؟ ربما تكون «إعادة كتابة الماضي وذكرياته بالخيال» آلية فعّالة تماماً!

مشاركة :