المراوغة ولا شيء غير المراوغة.. هذا ما امتهنته الدوحة، ولا زالت مصرة على نهجه، حيث حاولت قطر كعادتها في اقتناص الفرص استغلال اللقاء الذي جمع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر مع مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لطرح أزمتها مع دول المقاطعة لكنها وكالعادة أيضًا فشلت في ضوء موقف المملكة الحاسم والذي لا تراجع فيه. ورغبت الدوحة في توظيف الاجتماع الدولي والزج بأطراف لا علاقة لها بالملف القطري من قريب أو من بعيد لكسر المقاطعة والخلاص من الخندق الذي وضعت فيه نفسها، بيد أن الرد جاء سريعًا وقاطعًا فلم يكن من عادل الجبير وزير الخارجية السعودي سوى أنه أكد أنه لا مفر من المقاطعة حتى لو استمرت 15 عامًا ما دامت الدوحة على نهجها في دعم الإرهاب وخروجها من عباءة الخليج. وفي كلمته أمام الجمعية العامة أكد الجبير “أنه في ظل الجهود الحازمة في مكافحة الإرهاب قامت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بمقاطعة قطر، فلا يمكن لدولة تدعم الإرهاب وتحتضن المتطرفين وتنشر خطاب الكراهية عبر منابرها الإعلامية ولم تلتزم بتعهداتها التي وقعت عليها في اتفاق الرياض 2013 واتفاق الرياضي التكميلي عام 2014 أن تستمر في نهجها، حيث تمادت في ممارساتها وهو ما جعل المقاطعة خيار لا مفر منه”، فالدوحة لا زالت تستمرئ طرقًا غير شرعية في مواربة وتعقد صفقات من تحت الطاولة في محاولة لإيجاد وساطة ما للخروج من الأزمة. وأصبح الهاجس الوحيد لقطر الآن البحث عن مخرج أو خط عودة، أو باب رجوع لإنقاذها من المقاطعة الخانقة التي استمرت طويلًا بيد أن قطر لم تتعلم درسها ولم تولِ- قرار الدول الأربع المعنية بالمقاطعة بغلق ملفها نهائيًّا إلى أن تراجع نفسها وتنفذ الشروط- أي اهتمام، لم تفهم الدوحة بعد أنه لا جدوى من الوساطات ولن يتجرأ وسيط أن يتدخل بعد أن قالت المملكة كلمتها الأخيرة ولا سبيل ولا مفر سوى تحمل المسؤولية والتعهد بالقطع بوقف دعم الإرهاب وإيواء الكيانات المتطرفة. وفشلت قطر هذه المرة أيضًا في استثمار لقاء نيويورك لحلحلة الأزمة فلا خيار إلا التوجه للرياض. ومواقف مستفزة دأبت قطر على إظهارها ولا زالت تبكي على اللبن المراق وعلى طريقة “ضربني وبكى وسبقني واشتكى” تسعى لكسب عطف الأمريكان وهي أكيدة من أن ترامب وإدارته قد أكدوا مرارًا على أن الملف الخليجي من شأن الخليج وحده وأن الحل لابد أن يتم عبر الحوار وهو الأمر الذي ترفضه الدوحة. وكما اعتاد نظام الحمدين في الالتفاف على المواقف تلتف قطر وتحاول الهروب وتنويع دوائر الوساطة دون جدوى بدلًا من البحث عن الطريق الأسهل والأقرب والاستجابة لمطالب الجيران. وفي تصريح حديث لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أكد أنور قرقاش أن أزمة قطر اختفت كليًّا من اهتمامات المجتمع الدولي في أسبوع الجمعية العامة في نيويورك. وكتب قرقاش عبر حسابه على موقع التدوينات المصغر “تويتر”: “مبالغ باهظة أهدرت لشركات العلاقات العامة والمحامين دون نتيجة تذكر، سؤال يتيم هنا وفقرة حائرة هناك هو كل ما تبقى، النصيحة لن تنفع الدوحة؛ لأنها مصممة على إستراتيجية يائسة”. يذكر أن مسؤولين بدول الخليج ومصر والأردن قد اجتمعوا الجمعة مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لمناقشة ضرورة وجود مجلس “موحد” للتعاون الخليجي حيث أعلنت الخارجية الأمريكية أن جميع المشاركين اتفقوا على ضرورة مواجهة تهديدات إيران للمنطقة والولايات المتحدة. وتثير مواقف قطر وأنشطتها حفيظة الخليج بأكمله لاسيما فيما يتعلق بالتزامها بالعقوبات الأمريكية تجاه إيران في وقت يحضر فيه وزير خارجية قطر اجتماعًا عربيًّا مشتركًا لتكوين تحالف موحد لمحاصرة أنشطة طهران يطرح تساؤلات عديدة وعلامات استفهام حول جدوى وما وراء التواجد القطري في اتفاق للتعاون الخليجي بحصر نشاط طهران!! والى أي مدى تستطيع الدوحة لعب الأدوار المتناقضة والتلون وفقًا لمصالحها وكيف تحضر اجتماعًا ضد صديقتها الصدوقة “طهران” وتكون- في نفس الوقت- عضوًا في تحالف إستراتيجي يهدف إلى تطويق أذرع إيران في المنطقة بينما تسخر كل منصاتها الإعلامية لتكون بوقًا للترويج للتصريحات الإيرانية وبيانات الميليشيات الموالية لطهران في كل من اليمن والعراق ولبنان وسوريا. وفي آخر المواقف المعيبة وقفت الدوحة ضد رغبة الرياض وأبو ظبي وصوتت لصالح تمديد مهمة فريق الخبراء الأممي في اليمن وحمل تقريرها الأخير انحيازًا واضحًا ضد التحالف العربي لتصبح بذلك حليفًا للمتمردين الحوثيين بشكل صريح وداعمًا رئيسيًّا لأجندة طهران في اليمن. ومن جانب آخر، تسعى الدوحة لعرقلة جهود الرياض في عقد اجتماعات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في مساعيها لتأسيس مسار سلام جدي من شأنه أن ينهي الحرب التي استمرت لسنوات. ويتناقض السلوك القطري على الأرض مع تصريحات المسؤولين بشكل لافت للنظر، فالمسؤولون يظهرون رغبة في الحوار، وهذا إنما يدل على أنها محاولة للفت الأنظار والتوسل وترسيخ المظلومية القطرية التي لم يعد يصدقها أحد. ويعتقد متابعون للشأن الخليجي أن السلوك القطري يتناقض تمامًا مع ما يحاول المسؤولون القطريون أن يظهروه من رغبة في الحوار، وأن كل المؤشرات تؤكد أن تصريحاتهم، سواء في الأمم المتحدة أو خلال زياراتهم المتعددة بحثًا عن دعم لم يتحقق منه شيء، ليست أكثر من محاولات للفت الأنظار والتوسل على إيقاع مظلومية لم يعد يصدقها أحد. وتذكرنا مواقف الدوحة الأخيرة بقصة الطفل الكذاب الذي اعتاد أن ينادي أصدقاءه لينقذوه من الذئب المزعوم حتى فقدوا الثقة فيه فلما جاء الذئب في الحقيقة لم ينجدوه فأكله شر إكلة.
مشاركة :