الفكر الحر وصناعة المعرفة - فهد محمد السلمان

  • 1/4/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

لا أعرف ما مدى دقة هذه المعلومة، وإن كنتُ أميل إلى تصديقها استنادا إلى معطيات الواقع وما نلمسه من آثارها في حياتنا اليومية.. تقول المعلومة : " إن حصة المعرفة في تكلفة الانتاج في العالم العربي لا تتجاوز 20% مقابل 80% للمواد الخام، في حين تصل إلى 70% في الغرب مقابل 30% للمواد الخام " يعني النقيض تقريبا، فالغرب يستثمر في المعرفة أضعاف أضعاف ما يستثمره في المواد الخام، في الوقت الذي نجلس فيه نحن كباعة (البسطة) أمام ثرواتنا النازفة من المواد الخام لنبيعها للآخرين بسعر السوق. فيما يلي سأنقل لكم بعض الفلاشات فقط من كتاب (الثروة واقتصاد المعرفة)، وهو كتاب شديد الأهمية ألفه الزوجان " الفين وهايدي تولفر " ونشرته جامعة الملك سعود دلني عليه يوسف الكويليت وهذا الكتاب لا يدعم تلك المعلومة التي أشرتُ إليها سلفا وحسب، وإنما يأخذنا أيضا عبر سلسلة طويلة من الحقائق التي صنعت ولا تزال تصنع الفارق بين الضفتين إلى الطريق الذي رفع حصة المعرفة في تكلفة الانتاج غربا، وحيّد الثروة الخام بنسبة لا تكاد تذكر، في الوقت الذي استحوذ فيه الهلع على مجتمعاتنا جراء تدني أسعار النفط، وجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من ذلك الغد الذي لا نريد أن نلتقيه أو حتى نفكر فيه. وللمتوهمين الذين يعتقدون أن المجتمعات الغربية لا تشبهنا، وأنها خُلقتْ من طينة أخرى، بحيث أصبحتْ مهيأة من الأساس لمثل هذا النبوغ في الاستثمار المعرفي، ينقل الزوجان (تولفر) أن الخبراء في الغرب كانوا قد أقسموا ذات يوم بأن الطائرات لن تطير أبدا، وأن صحيفة التايمز اللندنية قالت لقرائها ذات صباح : إن الجهاز العصري الذي يُسمى الهاتف ما هو إلا خدعة أمريكية، هذا عدا تلك الأساطير التي بُنيتْ عليها الثقافة الغربية قبل أن ينتشلها الفكر الحر من وحولها مثل أسطورة سُمية نبتة الطماطم التي اعتقدوا أنها نُقلت إليهم من أمريكا الجنوبية في القرن 16 لتقتلهم وتبيد نسلهم، إلى أن أعلن لينايوس أنها عكس ذلك، وغيرها من الأساطير التي لا فرق بينها وبين موروثات وتوجسات الشعوب الأخرى، الفارق الوحيد أنهم تخلصوا من عقدة التجديف وحرروا فكرهم من الوصاية ومن سيطرة ذهنية التأثيم وتبخيس الرأي الآخر، وفتحوا كل الأبواب للحوار باتجاه المستقبل، وليس الحوار فيما مضى، فيما بقينا أسارى للحوار في الماضي، وكأن الزمن مجرد ورقة تقويم، تدوّن تاريخا لكنها لا تذهب بنا إلى شمس اليوم التالي، حتى بدتْ حواراتنا وكأنها اجترار مكرر لما حدث قبل 700 و 800 سنة ولنأخذ هذه الجزئية في التعليم كمثال ففي الوقت الذي يتركز فيه حوارنا حول قضية حوادث موت المعلمات على الطرق .. يتساءل الغربيون : هل يستطيع نظام تعليمي يسير بسرعة 10 أميال في الساعة أن يُهيئ الطلاب للعمل في شركات تسير بسرعة 100 ميل في الساعة ؟ ثم ماذا لو أردنا أن نعيد صياغة هذا السؤال على مقاسنا، ومقاس مدارسنا؟ يا لطيف.. أريد أن أنتهي إلى أننا ما دمنا نهتز ونصاب بالذعر من الرأي الآخر، وما دمنا عاجزين عن فتح آفاق الحوار إلى أقصى مدى اتساقا كما يقول عبدالكريم بكار مع المنهج القرآني الذي أبقى كلام الأمم المنحرفة وحججها في ثناياه ليتبيّن المؤمن الرشد من الغي، ما دمنا كذلك فلن نتخطى تلك المساحة التي دفنا فيها أسلافنا، وسنظل نشخص بأبصارنا بدهشة إلى ما يصنعه الغرب، ونتثاءب بانتظار ساعة الغروب، دون أن نتنبه إلى أن الأحياء فقط هم من يديرون ظهورهم للمغيب بانتظار فجر يوم جديد تتفتح فيه العقول على فكرة جديدة، أو كشف جديد، ينقل مجتمعاتنا من قيود فكرة تجارة البسطة إلى صناعة المعرفة.

مشاركة :