قام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية يوم الأحد الماضي (30 سبتمبر 2018م) بزيارة رسمية إلى دولة الكويت لم تعجب بعض القوى الإقليمية في المنطقة كإيران وتركيا وقطر، ورأى فيها البعض انفراجاً في (العلاقات السعودية الكويتية) التي يشوبها العتب المتبادل. فدولة الكويت ترى أنه تمّ تجاهلها بعدم قيام (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين) بمشاورتها في إجراءات المقاطعة التي اتخذتها تجاه دولة قطر في (يونيو 2017م) خصوصاً وأن الكويت كانت ترأس القمة الخليجية آنذاك. بينما ترى (المملكة العربية السعودية) أن الموقف الكويتي من الأزمة القطرية شجَّع قطر على المكابرة وتصلَّب موقفها وتعنّت قيادتها وتفعيلها لاتفاقها الدفاعي مع تركيا وتعزيزها لعلاقاتها الأمنية مع إيران، وهو أمر غير مقبول إطلاقاً، نظراً للعلاقات المتينة والمواقف التاريخية المتبادلة بين السعودية والكويت، والتي كان لها أكبر الأثر في خدمة مصالح واستقرار منطقة الخليج والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. وبتسليط الضوء على زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى الكويت، يمكن تحليل أهدافها وأبعادها في النقاط الآتية: أولاً: تعتبر السعودية والكويت عضوان مؤسسان لمجلس التعاون، ويشكلان سوياً عاملاً مهماً وجوهرياً للاستقرار الإقليمي في إطار المنظومة الخليجية التي تأسَّست عام (1981م) كرَدّ فعل مباشر للتهديدات المحدقة من قبل البلدين الجارين في شمال شبه الجزيرة العربية، خصوصاً بعد نجاح الثورة الخمينية ذات الأهداف التوسعية في (فبراير 1979م)، وتداعيات الحرب العراقية الإيرانية التي اشتعلت في (سبتمبر 1980م)، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي دخلها العراق بسبب تلك الحرب والتي قام على إثرها بغزو الكويت عام (1990م)، ولولا عضوية دولة الكويت في المنظومة الخليجية ولولا الدين والتاريخ المشترك وروابط الدم والنسب والقربى المتأصِّلة بين الأسر الخليجية الحاكمة لما انتهت فاجعة الغزو العراقي الغاشم ومغامرة العار التي دنَّست تاريخ الأمة العربية وبدأ بعدها تاريخ الانحسار العربي ومسلسل الانزلاق نحو المجهول بتنفيذ خطة الفوضى الخلاَّقة بانطلاق أحداث ما يسمى بـ(الربيع العربي) في نهايات عام (2010م) وتبعاته التي لم تخمد نيرانها حتى الآن. ثانياً: يعتبر (المملكة العربية السعودية ودولة الكويت) حليفان تاريخيان للولايات المتحدة الأمريكية بعد بريطانيا التي انسحبت في (يناير 1968م) من شرق السويس وقامت بتصفية جميع قواعدها العسكرية في منطقة الخليج والشرق الأوسط بسبب عجزها عن الانفاق على شبكة مصالحها الاستراتيجية والتجارية والعسكرية، فظلَّت كلا البلدين حليفين استراتيجيين موثوق بهما في المواجهات والمعارك التي خاضتها واشنطن في المنطقة على مدى عدة عقود، أكثرها شراسة حرب تحرير الكويت عام (1991م) وحرب إنهاء نظام صدام حسين عام (2003م)، وتعتبران اليوم أهم ركائز التحالف الأمريكي العربي الجديد ضد إيران، خاصة بعد اجتماع رؤساء أركان دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والقيادة المركزية للجيش الأمريكي الذي عُقد في الكويت بتاريخ (12 سبتمبر 2018م)، وناقش سبل مواجهة التحديات لضمان أمن واستقرار المنطقة في إطار التحالف العربي الأمريكي ضد الأطماع والتهديدات الإيرانية. ثالثاً: إن ضمان استمرار تدفق النفط من منطقة الخليج العربي إلى العالم، والمحافظة على استقرار أسعاره في ظل الصراعات والحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط من القضايا العالمية الحيوية، لذلك يبقى (التنسيق السعودي الكويتي) عاملاً مهماً لاستقرار أسعار النفط وحرية تدفقه إلى الأسواق العالمية، وهو ما يؤكِّد الأهمية الدولية للمملكة العربية السعودية ولدولة الكويت على حدٍ سواء، وتأثيرهما البالغ على مسارات السياسة الإقليمية ودورهما الاستراتيجي في ضمان استمرار عجلة التطور الاقتصادي والتنموي وتعزيز القوة العسكرية الرادعة في بلديهما الشقيقين. رابعاً: تشعر دولة الكويت بعد تحريرها من الغزو العراقي الغاشم عام (1991م) بأنها أمام وضع سياسي بالغ التعقيد، بسبب حساسية علاقاتها مع إيران والعراق والسعودية؛ لذلك فهي تعمل على ترتيب أوراق العلاقات المتشابكة معها بصورة متوازنة، بحيث تكون لديها حرية الحركة في اتخاذ القرارات بعيداً عن ضغوط وتأثيرات هذه الدول، خاصة إيران التي شهدت العلاقات معها الكثير التوتر بسبب اكتشاف عمليات التجسس والمؤامرات التي كان آخرها ضبط ترسانة ضخمة من الأسلحة المهربة والمخزنة منذ أعوام وبشكل محكم في مزرعة ومنازل مملوكة لعناصر مرتبطة بخلية تابعة لحزب الله اللبناني في قضية ما يعرف بـ(خلية العبدلي) وما ترتَّب عليها من إجراءات دبلوماسية منها تقليص عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الكويت، أما العراق فهو حالة دائمة لعدم استقرار العلاقات بين البلدين رغم اعتراف العراق باستقلال الكويت عام (1963م) وترسيم الحدود بينهما عام (1994م) بعد الغزو كجزء من صفقة رفع الحصار الاقتصادي عن العراق. لذلك، أعتقد أن زيارة الأمير محمد بن سلمان تقع في إطار ترتيب العلاقات الثنائية بين البلدين بصورة تساعد الكويت على الابتعاد عن تأثير الضغوط الإيرانية والعراقية بالتركيز على إنهاء القضايا العالقة بين الجانبين، خصوصاً القضايا الحدودية التي هي أحد أهم أسباب التوتر، حيث تحدَّدت حدود الكويت ابتداءً عام (1913م) حسب (المعاهدة الأنجلو عثمانية) التي حدَّدت كذلك حدود قطر والبحرين والدولة العثمانية ونظَّمت الملاحة في الخليج العربي، ثم تحدَّدت حدود دولة الكويت مرةً أخرى حسب اتفاقية العقير عام (1922م) التي غيَّرت الحدود الجنوبية للكويت وقرَّرت السيادة الإقليمية لكلٍ من العراق والسعودية والكويت، وبعد تلك الاتفاقية بعشرين عاماً تمَّ عقد اتفاقية صداقة وحُسن جوار بمدينة جدة، وانتهت مشكلة الحدود السعودية الكويتية باتفاقية عام (1981م - 1402هـ). أما فيما يتعلَّق بالمنطقة المحايدة فقد تمَّ تقسيمها عام (1964م) عند منطقة النويصيب، فصار الجنوب تحت المسؤولية الإدارية للسعودية، والشمال تحت إدارة الكويت، فيما استمر باطن الأرض (من الخفجي في البحر إلى الوفرة على اليابسة) الذي يحتوي كميات هائلة من النفط مشاعاً، إلا أن خلافاً وقع بين البلدين عام (2007م) بشأن حقل المنطقة المشتركة ولكنه بقيّ طيّ الكتمان، وكان أساسه عدم رضى الكويت عن قيام السعودية بتمديد عقد امتياز شركة النفط الأمريكية شيفرون من عام (2009م) حتى عام (2039م) الذي تمَّ دون مشاورتها ورفض الشركة تلبية طلبات الجهات الكويتية ذات العلاقة المباشرة، وحاولت السعودية والكويت حل خلافهما أكثر من مرة بهدف إعادة الإنتاج في المنطقة المحايدة، غير أن الخلاف ظهر مجدداً على السطح في (مايو 2015م) ومازالت المباحثات جارية لحل الأزمة بالتوصل إلى اتفاق يعيد الإنتاج النفطي في المنطقة المحايدة. ولذلك، فإن زيارة الأمير محمد بن سلمان سيكون لها دور كبير في الآتي: دعم العلاقات الثنائية بما يساعد الكويت من إحداث نقلة نوعية في علاقاتها ومواقفها السياسية تجاه كل من إيران والعراق، خاصة في ظل ضعف الجبهة الداخلية الإيرانية وانهيار (التومان)، والأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية المتدهورة في العراق بسبب التدخلات الأجنبية في سيادتها وقرارها السياسي وفساد أجهزة الدولة والمرجعيات الدينية. تنسيق الجهود بالتعاون مع الولايات المتحدة لعودة الانتاج في حقل الخفجي ليساهم في زيادة انتاج البلدين من النفط لمواجهة النقص المتوقع في الأسواق العالمية بعد فرض العقوبات الأمريكية على إيران في نوفمبر القادم. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :