سائق الأجرة الذي كان يسب ويلعن على طول الطريق بسبب النساء قائدات السيارات، والنساء السائرات في الطريق، والنساء المتحدثات في المذياع، والنساء الجالسات على المقعد الخلفي في السيارة، استحال فجأة حملاً وديعاً. أدار مؤشر الصوت ليجلجل رامي صبري في أرجاء السيارة. «لما الراجل يتكلم الست ماتعندش معاه. ماتقولوش حاضر في كلام يتقال، تاني يوم تنساه. وقت ما تغلط يتحاسب. إللي بتصبر على حالها، مشاكلها تتحل قوام (بسرعة)، واللي تقلب في مشاكل معروف إنها أي كلام». كلمات أغنية «الراجل» أثلجت صدر السائق وأطربته وأمتعته، هو المتحسس تجاه كلّ ما هو نسائي في الفضاء العام. منظومة «طالما نزلت الشارع تتحمل ما يحدث لها» التي يرفعها السائق الهمام، ومعها المنظومات المنبثقة من «طالما طالبن بالمساواة فليتجرعن المضايقات» و «المرأة مكانها البيت» وغيرها تتعرض هذه الأيام لهزة عنيفة. العنف النفسي الذي تتعرض له المرأة المصرية منذ سنوات أصبح محط أنظار جهات عدة. ومنذ تضامنت موروثات ثقافية ظن بعضهم أنها ولت ودبرت مع هجمة عقائدية متشددة، تحولت نساء مصر من مسار التنوير والترقي إلى طريق الانغلاق والتدهور. ولأن الرجل كان شريكاً رئيساً وسبباً محورياً في هذا التحول، فإنه يجد نفسه هذه الأيام شريكاً فاعلاً في جهود ضبط أحوال المرأة المصرية ومكانتها. وفي هذا الإطار، تأتي حملة «لأني رجل»، وهو عنوان حملة مجتمعية يقودها المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في القاهرة، تكثف عملها هذه الأيام في العمل مع الشباب والرجال. تسلط الحملة الضوء على عدد من النماذج الإيجابية للرجال ودورهم في دعم المرأة وقيم المساواة وتغيير الأفكار والموروثات التي تعمق دونية المرأة وتحول دون تمكينها. ثقافة تمكين المرأة التي يجري العمل على إعادة زرعها في المجتمع بدءاً من الرجال تقوم على تصحيح المفاهيم وإعادة توجيه دفة دعم الرجل للمرأة من الحجب والتعتيم بغية التكريم إلى الإدماج والتحفيز بغرض الانطلاق والإنجاز. ورش عمل يتم إنجازها على شكل حلقات يشارك فيها شباب ورجال من مختلف المحافظات المصرية يأتي كل منهم بمنظومة فكرية وثقافية في ما يختص بالمرأة ويعود بعد مناقشات ونشاطات وفعاليات من شأنها إصلاح جانب مما جرى في المجتمع. انضم عدد كبير من الشخصيات العامة في المجتمع إلى هذه الحملة، منهم لاعب الكرة الدولي محمد صلاح والإعلاميان أسامة كمال وخالد حبيب والكاتب محمد حفظي والفنان التونسي ظافر العابدين والفنان هاني مهنا. هؤلاء وما يزيد على ستة ملايين متابع على صفحات «لأني رجل» العنكبوتية ضالعون في محاولات تتعرض للكثير من الشد والجذب لإعادة ضبط زوايا الوطن في ما يختص بنسائه. وفي هذا السياق، تقول رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي أنّ الحملة تدعو إلى دعم المرأة والحفاظ على حقوقها وتشجيعها على النجاح. وهي تهدف إلى دحض الفكرة السائدة بأن على الرجل أن يمنع المرأة من خوض مجالات العمل والحياة خوفاً من نجاحها، وما قد ينتج من ذلك من ثقة في النفس أو تفوق أو تقدم. المجالات السبعة التي يجري التركيز عليها في جهود دفع الرجل لاعتناق مبدأ دعم المرأة هي: العمل، والتعليم، والرياضة، وكيفية التعامل باحترام مع المرأة في أماكن العمل والشارع، والمشاركة في أعمال البيت، وتربية الأولاد، ومناهضة العنف ضدها. ويعود المتدربون إلى محافظاتهم لنشر الوعي القديم - الجديد حول مكانة المرأة في المجتمع المصري. أما سائق الأجرة وأصحاب أغنيات «سي السيد»، فما عليهم سوى انتظار ما ستسفر عنه تغيير الموروثات وتعديل الثقافات.
مشاركة :