دعا محامون واستشاريون قانونيون إلى تطوير نظام الحماية من الإيذاء الصادر منذ فترة وجيزة، بعد ظهور عيوب في النظام الذي احتاج إلى سنوات طويلة جداً حتى يرى النور، إلا أن المهتمين بالشأن الحقوقي في السعودية أعربوا عن خيبتهم إزاء ما احتواه النظام من مواد لا تخدم المرأة والطفل بالشكل الذي انتظره المجتمع السعودي بعد نحو سبع سنوات من المطالبة بقانون للحماية. الصقيه وقال لـ "الاقتصادية" د. أحمد الصقيه المحامي والمستشار القانوني: إن تعزيز السلم الاجتماعي داخل المجتمع شأنٌ بالغ الخطورة والأهمية، ولذا كان صدور نظام الحماية من الإيذاء لتحقيق هذا الهدف النبيل، وأضاف: "الجميل هنا أن النظام لم يغفل الجانب الوقائي قبل وقوع المشكلة، إذ إن درهم وقاية خير من قنطار علاج، ولأن من قواعد الشريعة أن الدفع أولى من الرفع، بمعنى أن دفع الشيء قبل وقوعه أولى من رفعه بعد وقوعه، وبهذا كان النظام فعالاً من حيث معالجة الجانب الوقائي، وقد ظهر هذا جلياً في صدر النظام وأيضاً ما جاء في آخره بالمادة (15) على وجه التفصيل، وفي أهدافه الواردة في المادة (2) من ناحية نشر الثقافة الحقوقية". وتابع: "ومع ما سبق، فإن هناك عدداً من مواطن التطوير التي ينبغي أن تطول النظام، لا سيما وأن نشأة فكرة "نظام الحماية من الإيذاء" هي شمول ثلاثة أنظمة، وهي: نظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية الطفل، ونظام الحماية من التحرش، وذلك لتحقيق المصلحة والغاية المنشودة منها، وهذا ما أوجد قدراً من الجوانب التي يمكن أن تكون محلاً للمعالجة، ويجب أن تكون محلاً للملاحظة". وأوضح الصقيه أن النظام جاء مجملاً في مواطن كان الأحرى فيها التفصيل، كما فصل في مواطن ربما كان الأولى فيها الإيجاز، كالإجمال في المخالفات ودرجاتها، وجهات التنفيذ والتنسيق بينها، حتى لا يكون ضعف تعاون الجهات ذات الاختصاص سبباً في إعاقة تطبيقه بشكل فعال. وأضاف: "ولعل من صور الشمول التي قد تضعف فعالية النظام ما جاء من حديث المنظم عن تعريف الإيذاء في المادة الأولي والتي شملت على (ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته)، وهذا الإجمال يجعل هذا النص شاملاً لأشياء عديدة، ربما تخرج عن فعل الإيذاء، والتي قد يستغلها بعض الأطراف لإيراد بلاغ غير صحيح، إلا أن المنظم عالجها وتحدث عن المُبلغ حسن النية الذي يُعفى حال أخطأ في البلاغ، بمعنى أن المُبلغ سيء النية يتم معاقبته، وبالإجمال، فإن حصر ما يسهم في فعالية النظام وبيانه على وجه دقيق في اللائحة التنفيذية سيخدم النظام ولن يسمح بفقدان النظام لقيمته بسبب الإجمال أو الشمول في غير مكانهما". المشوح من جانبه، قال لـ "الاقتصادية" فيصل بن عبد الله المشوح المحامي والمستشار القانوني: إن نظام الحماية من الإيذاء هو خطوة في الاتجاه الصحيح للحد من ظاهرة العنف الأسري الذي يواجهه الأطفال والسيدات على وجه الخصوص، وهذه أول مرة في السعودية يصدر نظام يُجرّم فيه العنف الأسري، وأول مرة يحاسب فيها المواطن على الإيذاء النفسي، وهذه مرحلة متقدمة ومهمة لحفظ مقامات الناس وكرامة الإنسان التي حفظها له المشرع. وأضاف: "كما أن الأرقام التي تنشرها وزارة العدل وهيئات حقوق الإنسان، والحوادث التي تنقلها الصحافة ويغطيها الإعلام تشير إلى أن هناك انتهاكاً حقوقياً وإنسانياً بحق فئة ضعيفة، لا يمكن أن يحميها سوى القانون، حيث كشفت وزارة العدل عن تلقي المحاكم العامة في المملكة العام الماضي 162 قضية عنف ضد الأطفال، وأكثر من 454 قضية عنف ضد المرأة، وقد يهون البعض من هذه الأرقام كونها قليلة، ولكن هذه الأرقام لم تشمل العنف النفسي ولم تشمل جميع المعنفات، حيث إن أغلب الفتيات يفضلن الصمت على الإعلان، خوفاً من عنف أكبر، وهذه كانت علامة مزعجة على غياب السلطات عن هذه الظاهرة وضعف التشريعات قبل أن يصدر هذا النظام الجديد الذي من المفترض أن يشجع الجميع على عدم السكوت تجاه أي تجاوز". وتابع: "وقد كان نظام الحماية من الإيذاء مجرد مشروع وحلم والآن أصبح حقيقة، وبقي أن يكون واقعاً ملموساً ومحسوساً، فقانون ضعيف يطبق خير من قانون قوي لا يطبق، فبالتطبيق العملي والفعلي نجاح القوانين والأنظمة، وبقي أن نشاهد تفعيله في أسرع وقت وتسهيل وتيسير تنفيذه، وهذا ما ننتظره من اللائحة التنفيذية للنظام الذي من المتوقع أن تصدر في الأيام المقبلة، والتي من المفترض أن تحدد الجهات ذات الاختصاص وتفصل في مواضيع النظام العامة وتبين عدداً من المواد المبهمة بالتفقيط والتوضيح اللذين سيسهلان على رجال الضبط والقضاء الاستدلال والتطبيق بهما، كما سيسهلان على المجتمع التفاعل وأخذ الأمر بشكل جدي وحازم، فوجود أرقام فورية للرد والتفاعل السريع من قبل السلطات التنفيذية ووجود تحرك عاجل من جهات الضبط أمر مهم، كما أن النظام سيحد من اجتهادات القضاة التي كانت تتفاوت في تجريم العنف وتعزير فاعله، وسيساعدهم على اختصار الوقت والجهد، ولا شك أن نظام الحماية من الإيذاء توزعت أدواره بين عدة وزارات اجتماعية وأمنية وعدلية، وهذا مكمن قوته بشرط ألا يكون الاتكال سيد الموقف، فيظل الحال على ما هو عليه في رمي المعنف بين الجهات الحكومية فيدور في دوامة الإهمال البيروقراطي ليزيد النظام الطين بلة، ومن أفضل ما في النظام تشجيعه المواطنين على الإبلاغ مع حفظ مقام تبليغهم وعدم إعلان أسمائهم، ما يشجع الناس على التكاتف والتعاضد، كما ألزم النظام الذي تكوّن من 17 مادة أي موظف عسكري ومدني بالتبليغ عن حالات الإيذاء ومعاقبة المتستر على ذلك، وهذا الشيء يعني أخذ الأمور بجدية أكثر بعيداً عن الارتجال والتعاطف الشخصي ومبادرات العمل التطوعي، إلى كونه قانوناً ملزماً لا مساومة فيه ولا فضل لأحد على أحد". وتساءل المشوح: "هل سيحمي التشريع الجديد المرأة المعنفة والطفل المعنف في السعودية؟ وهل سينجح في الحد والقضاء على ظاهرة التعنيف المتنوعة؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة".
مشاركة :