توقفت كغيري عند الخبر الذي تناقل بكثرة الأيام الماضية، والمتعلق بشركة عربية عمدت إلى تغليف فاكهة بصفحات ممزقة من القرآن الكريم، ومن ثم تصديرها إلى المملكة العربية السعودية، وبفضل الله ثم بجهود مفتشي وزارة الصناعة والزراعة تم ضبط وإحراز 360 كرتونا على هذه الشاكلة. ولو حاول المتابع النظر في الصور المنشورة للكراتين المعنية سيجد أن الصفحات القرآنية مزقت بشكل عشوائي، هذا الفعل استفزني كما استفز كل من علم بالأمر ممن شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله. المتحدث الرسمي عن الشركة المعنية وهي شركة مصرية تابعة لمشروع التسويق الزراعي لصغار الفلاحين "أمل" التابع لقطاع التنمية في "الهيئة القبطية الإنجيلية" في مجال الزراعة، اعتذر ووعد بالتحقيق، ذاكرا أنهم يتعاملون مع المملكة منذ ما يزيد عن أربعين عاما، وهي الحالة الأولى من نوعها، كما وعد بإبلاغ الجهات الرسمية بما ينتهى إليه التحقيق. الذي أفهمه أن الشركة السعودية التي استوردت ووزعت تتحمل جزءا من المسؤولية، والجمارك المصرية والسعودية كذلك.. كلٌ من هذه الجهات لا بد أن يخضع للمساءلة والاستجواب، وبالتالي هناك أكثر من طرف عليه تحمل المسؤولية، وهو ما يستلزم التحقيق مع كل منها، إذ كيف تجاوزت الشحنة كل المعابر الرسمية؟! وكيف وصلت أسواقنا بسلام؟! وهل هي الحادثة الأولى من نوعها أم أنها متكررة؟!. الأمر ليس بالهين، ولا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام، فالمسلم وبحكم عقيدته يحرم عليه إهانة الكتب السماوية كافة، فكيف بتقديسه للقرآن الكريم كلام الله المنزل، فمع علمنا كمسلمين أن الإنجيل محرف يحرم علينا إهانته وبأي حال، هذا ما نفهمه من تعاليم ديننا الحنيف، ومن سنة نبينا عليه الصلاة والسلام والخلفاء من بعده رضي الله عنهم، ومن العهد الذي انعقد في عام 10 هـ عندما أقبل وفد من نصارى نجران إلى المدينة المنورة وجلس إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقد أعطاهم رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام الأمن والأمان على أرواحهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، واعتقد أنه من المناسب في هذا الشأن سرد جزء من الوثيقة التي أقرها نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن، فقد جاء فيها: (ولنجران وحاشيتها، ولأهل ملّتها، ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية في شرق الأرض وغربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وأعجمها، جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله، على أموالهم، وأنفسهم، وملتهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، ومن تبعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير.. وأن أحرس دينهم وملتهم أينما كانوا.. بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملّتي.. لأني أعطيتهم عهد الله أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم.. حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم). وإذا اطلعت على كامل الوثيقة ستجد أنهم تحت الحكم الإسلامي حصلوا على حق المواطنة، فلا تمس ممتلكاتهم، ولا مقدساتهم شرط أن يكون ولاؤهم وانتماؤهم الكامل لدولة الإسلام، كل ذلك في مقابل جزية يدفعونها. وبعد خمسة أعوام من وفاة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام يأتي الخليفة عمر رضي الله عنه ليجدد العهد مع نصارى القدس.. من خلال ما يسمى "الوثيقة العمرية"، فبعد أشهر من حصار جيش المسلمين للقدس طلب "بطريرك المدينة صفرونيوس" وكبار الأساقفة تسليم مفتاح القدس للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا ما تم بحمد الله، ولأن هذه الوثيقة تعد تأكيدا لما سنه نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام من علاقات إنسانية تربطنا بالآخر، كان لا بد من الوقوف عند بعض ما جاء فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء- أهل القدس - من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضام أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن.. ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم (ويخلي بيعهم وصلبهم)، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم.. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية). وإن كنا كمسلمين ملزمين باحترام أهل الكتاب وعقيدتهم إلا أننا ملزمون أولا وأخيرا بتقديس مقدساتنا وإلزامهم بذلك، وما تم من هذه الشركة لا يمكن لنا السكوت عنه، ومن هنا نتطلع للجهات الرسمية في مصر ونطالبها بإجراء تحقيق عاجل في القضية، فهذا الأمر لا يخص المملكة العربية السعودية فقط، بل يخص أيضا أهل مصر من المسلمين بل أكثر من مليار مسلم، وعلى فرض أن مكيدة دبرت للشركة في غفلة من أهلها فهذا لا يسقط مسؤوليتها بحال، فقد خرجت البضاعة باسمها وهي القابضة لثمنها، وبالتالي عليها أن تتحمل ما تم تحت إدارتها، فهذا التجاوز مس كتاب الله الكريم، وهو ما لا يمكن التهاون فيه.. ولا السكوت عنه.. ومن هنا أوجه الشكر لمفتشي وزارة الصناعة والتجارة على همتهم العالية وحرصهم جزاهم الله عنا خيرا وسدد خطاهم لخير البلاد والعباد.
مشاركة :