طوى اليمن عاما رابعا من الانقلاب الحوثي على الشرعية السياسية (سبتمبر 2014)، ولا يزال اليمن على حاله منذ أن حاول حزب التجمع اليمني للإصلاح السيطرة على السلطة السياسية بعد ركوب موجة الربيع العربي وخاض من خلال ما يسمى ثورة التغيير، فبراير 2011، معركة ضارية شهدت أركانها العاصمة صنعاء لم تتوقف إلا بتدخل خارجي عبر المبادرة الخليجية التي يمكن تصنيفها أنها كانت فض اشتباك بين صراع الثعابين اليمنية التي خرجت بكل سمومها وأحقادها على مدار عقود لتتصارع وتطلق جولة من الصراعات اللا منتهية. بعد ثورة ما يسمى ضباط اليمن الأحرار 26 سبتمبر 1962 خرجت ذات الثعابين من جحورها وخاض اليمن مخاضا عسيرا عرف موجات عالية من العنف والاضطرابات والاغتيالات، فلم يستقر اليمن سياسيا إلا بعد أن تمت تصفية الكثير من الشخصيات وإقصاء القوى الوطنية، فمن عام 1962 وحتى عام 1978 تمت تصفية ونفي الرؤساء عبدالله السلال، أول رئيس للنظام الجمهوري، عبدالرحمن الإرياني، إبراهيم الحمدي، أحمد الغشمي، عبدالكريم العرشي، ولم يستقر اليمن حتى وصل علي عبدالله صالح إلى السلطة السياسية عام 1978، حدث هذا رغم أن توافقات محورية قامت عبر مؤتمر خمر، مايو 1965، فالصراعات القبلية داخل البيت الزيدي كانت مفتوحة على كل الاحتمالات آنذاك. شهد اليمن ميلاد العديد من الوثائق التي تحاول التأسيس لمفاهيم مشوهة للحكم على أسس سلالية تارة وجهوية وطائفية تارة أخرى، كانت البداية مع ظهور وثيقة تحت لافتة علماء اليمن كان لها موقف عدائي من دستور دولة الوحدة تلتها عدة وثائق تحت لافتات قبلية وأخرى طائفية، تدعو إلى حصر الولاية في البطنين وتتحدث عن أكذوبة الاصطفاء، وانتهاء بوثيقة الرياض التي لم تخلُ من دعوات مذهبية تتعارض مع مبادئ الدولة المدنية، بالإضافة إلى توقيتها السيء الذي يأتي في ذروة معركة اليمنيين لاستعادة دولتهم المخطوفة. تبدو حالة التعقيد اليمنية عصية على الفهم لكل الذين يحاولون الاقتراب من المشهد اليمني المتداخل، خاصة كلما حاول البعض تفكيك رمزية الصراع القائم في الهضبة اليمنية التي تسكنها القبائل، فهناك تكمن قوة اليمنيين ومخزونهم من إرث صراعات مستدامة، ويمكن الاستدلال على ذلك المخزون بالشيفرة التي حولت المذهب الزيدي التقليدي إلى الاثني عشرية الشيعية المتطرفة عقديا وسياسيا، فهذا لم يأت من خلال شيء غير العصبية القبلية التي سوغت للحوثيين انتهاج منهج عقائدي يخالف مذهبهم تنفيذا لرغبات الإيرانيين الذين وجدوا عند الحوثيين بذور العصبية التي يمكن تغذيتها لإحداث تغيير مذهبي لتنفيذ أجندات خارجية. لتأكيد أن ما يحدث في اليمن هو نتيجة التجذر القبلي المتشدد، علينا أن نقرأ كيف انخرط اليساريون مع الحوثيين في انقلابهم. وهذا التحول في فلسفة التيار اليساري هو انتكاسة كبيرة، حيث تخلى عن قضيته الأساسية ومشروعه التحديثي وارتمى في أحضان مشاريع راديكالية. التيارات اليسارية في اليمن تعاملت بانتهازية مفرطة مع عدد من الوقائع والأحداث الحساسة في المرحلة الراهنة وفي مراحل سابقة، ولعل أبرزها التناقض الكبير بين فكرة تلك التيارات والواقع، حينما سقطت أمام “الرجعية الشيعية” من خلال التحالف والعمل معها في صف واحد كما هو الحال مع جماعة الحوثي، في اللحظة التي يدين فيها “رجعية التسنن” لقوى الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين)، وباقي الجماعات والحركات المنبثقة من هذا الفكر. اليساريون اليمنيون اتجهوا نحو قضايا جانبية أبرزها الانتقام والتشفي واللذان تجليا خلال مواقف سابقة في خط معاكس للاندماج في صفوف الناس الباحثة عن مشروع الدولة التي تروم إلى التمدين والدخول في فضاء الديمقراطية كجزء من حل مشكلات البلاد. قوى اليسار تواطأت مع جماعة الحوثي بل تحولت إلى مبرر للكثير من أفعالها العدائية تجاه الشعب اليمني ومشاريع الدولة والانقلاب على إرادة الناس. كان الرئيس علي عبدالله صالح يصف نفسه بأنه الراقص على رؤوس الثعابين، وكان يتفاخر بقدرته على تطويعها عبر تشبيه يردده دائما بأنه يسيطر على الثعابين عبر وضعها في صندوق يعمل على تحريكه بقوة وعندما يفتح الصندوق تخرج تلك الثعابين فاقدة للوعي فيستطيع بذلك أن يخضعها لسيطرته، حتى لُدغ الرئيس صالح وخرج من المشهد على اليمنيين أن يبحثوا عن راقص يستطيع أن يرقص مرة أخرى على رؤوس الثعابين أو أن يقرروا ملاحقتها في جحورها.
مشاركة :