من الملاحظ جدا، أن الحياة البرلمانية البحرينية الجديدة، وأعني بها منذ عام 2002 حتى يومنا هذا، قد بدأت بصلاحيات هائلة، بدأت تتقلّص وتُقلّص بصورة تدريجية من البرلمان التكميلي في 2011، واستُكملت فصولها مع الدورة البرلمانية الأخيرة من 2014 حتى العام الجاري. وحتى لا يكون الكلام على عواهنه، أستذكر معكم ما تمخّض بعد حوار التوافق الوطني في 2011، حيث أعطي المجلس صلاحيات أكبر في استجواب الوزراء، وكان هذا مكسبا وتقدّما جيدا للحياة البرلمانية. لم يمّر على ذلك التعديل فترة بسيطة، حتى جاءت الانتخابات التكميلية، ليقوم المجلس التكميلي حينها بتقليص تلك الصلاحيات، عبر استحداث لجنة الجدية لفحص الاستجواب، وكأنّك يا بوزيد ما غزيت! ذهب البرلمان التكميلي، وجاء برلمان 2014، والذي كانت له مواقف حكومية أكثر من الحكومة نفسها، ختمها بما قام به الفريق النيابي في اللجنة المشتركة لقانوني التقاعد، حيث ارتضى تحطيم أسنان الرقابة النيابية كلها، ورمى رقابة المجلس على الصندوق، وأودعها لمجلس إدارة صندوق التقاعد الذي لم يكن هو الحل يوما ما فيما حدث، ولكنه كان جزءا من المشكلة! يحق لنا أن نطالب الكفاءات بأن تتقدم الصفوف، ولكن قبل ذلك نطالب الجميع باحترام سلطة الشعب، وتمكين المجلس النيابي من أدواره التي خطّها له المشروع الإصلاحي. عزوف الكفاءات عن الترشح، ليس بسبب المال السياسي والرشوة الانتخابية فحسب، وإن كانا مصيبة كبيرة تصعب مواجهتهما من قبل الكفاءات الأكاديمية والمهنية، ولكن العزوف بسبب أن التغيير والإصلاح من داخل المجلس بات محاربا من داخل المجلس وخارجه، وهذا أمر غير مقبول يُضعف كل أمل في المجلس. هذا لوحده ظاهرة خطيرة يجب أن تعالج من الدولة أولا، كما يجب أن تواجه من النواب أنفسهم. إن أسوأ ما يواجهه الناس من مصير انتخابي، يتمثل في مُمثَّلين تحت قبة البرلمان، عددهم لا يعدو كونه زيادة في أعداد ممثلي الحكومة. قراراتهم ضد الناس، ومداخلاتهم ضد الناس الذين انتخبوهم. بعضهم ما إن يصل بالصدفة إلى المجلس حتى يعدّ العدة لبيع كل ما يستطيع من مواقف وتصويتات بغية تفويجه لمجلس الشورى أو أي منصب ثابت آخر، ليبقى تحت السمع والبصر. النائب والمرشّح المهتمان بالإصلاح السياسي والاقتصادي داخل المجلس، لن تجد لهما خطابات وتصريحات تدغدغ الناس بإصلاح الشوارع والحدائق وغيرهما من الخدمات الموكلة إلى المجالس البلدية، وهذا ما نسمعه اليوم بالنسبة للغالبية العظمى ممن ينتوي الترشح. من لديه الرغبة في التغيير ستجد خطاباته مركزة على تقوية المجلس وصلاحياته التشريعية والرقابية، وهو ما تخلّت عنه المجالس السابقة بتفاوت بين مجلس وآخر، وقلّ ما نسمع مرشحا يتحدث بقوة في هذا الشأن! برودكاست: صلاحيات عضو البرلمان، إذا وُضعت في يد المُنتخب القوي الأمين، حينها سيجني الوطن والمواطن ثمار التغيير شيئا فشيئا. إذا وصلت الكفاءات، ستنجح في تشكيل كتل متناغمة، باستطاعتها استعادة زمام الأمور التي أفلتها من سبق، وخربها، ثم يحاول اليوم العودة من جديد.
مشاركة :