بدأ رئيس الوزراء العراقي المكلف عادل عبد المهدي، أمس، مشاورات تشكيل الحكومة بلقاء رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، فيما اعتبر محللون أن أبرز تحدٍ سيواجه حكومته هو التعامل مع الصراع الأميركي - الإيراني المتزايد في المنطقة.وقالت الحكومة في بيان أمس، إن العبادي وعبد المهدي ناقشا «تشكيل الحكومة المقبلة وتحدياتها، وأهمية توحيد الجهود لإكمال ما تحقق من إنجازات في جميع المجالات والتأكيد على البرنامج الحكومي المقبل، ودعم الحكومة المقبلة لتقديم كل ما يخدم تطلعات المواطنين». وأضافت أن الاجتماع «شهد تطابق الآراء فيما يخص أولويات المرحلة المقبلة في البناء والإعمار وتوفير فرص العمل، وتعزيز الاستقرار الأمني الذي تشهده مناطق العراق والاستمرار بملاحقة الخلايا الإرهابية، وتعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي بما يساهم في مصلحة بلدنا وشعبنا».وتبدو التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي ستواجه عبد المهدي، مختلفة نوعاً ما عن تلك التي واجهت العبادي، فالأخير ورث عام 2014 عن سلفه نوري المالكي تركة أمنية ثقيلة فرضتها خسارة البلاد ثلث أراضيها على يد تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عن الانفجارات شبه اليومية التي كانت تطال المدنيين والأسواق والأماكن العامة، إلى جانب أزمة اقتصادية خانقة فرضها سوء الإدارة المالية والفساد والتراجع الحاد في أسعار النفط الذي يشكل الدخل الرئيسي للعراق.ومع بقاء البلاد واقعة في منطقة الانقسامات السياسية والاجتماعية والإقليمية الحادة، يتوقع عدد غير قليل من المراقبين أن التحديات التي ستواجه عبد المهدي لن تكون أقل من التحديات التي واجهها العبادي، بينما يرجح آخرون أن يستفيد عبد المهدي من التحسن الأمني النسبي في البلاد وتعافي أسعار النفط وحالة الإجماع والدعم السياسي التي حصل عليها من غالبية الكتل.ولعل أفضل من يعرف التحديات التي ستواجه الحكومة المقبلة هو المكلف بتشكيلها، إذ أشار في مقال طويل موجه إلى الكتل السياسية في مايو (أيار) الماضي إلى أهم التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة واعتذر في حينها عن القبول بالمنصب.واستعرض عبد المهدي في تلك الرسالة 8 نقاط يعتقد أنها لن تؤهله للنجاح في حال قبوله بموقع رئاسة الوزراء، منها «القوى التي تحمل عقلية الدولة الريعية» التي ستعارض «عند تطبيق إجراءات جدية للخروج من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الحقيقي، خصوصاً الزراعي والصناعي والخدمي، فهناك شرائح قد تتضرر أو لن تنتفع، بينما مصلحة الشعب والبلاد تتطلب الإصلاح لمحاربة الفساد والبطالة وتقليل الاعتماد على النفط». ومنها أن «قوى الدولة المركزية المتفردة» ستعارض هي الأخرى «العمل على تعزيز النظام البرلماني اللامركزي الفيدرالي... وستعارضه القوى التي ترى أن الفساد هو الأشخاص، وليس المنظومة أساساً، التي تهدر الأموال العامة، وتعرقل تقدم البلاد».وعند النقطة الثانية كتب عبد المهدي أن كثيراً من القوى ستعارض «عند السعي لأن تكون المؤسساتية وقوانين الوزارات والأنظمة الداخلية وقانون الخدمة العامة وسياقات عمل القيادة العليا للقوات المسلحة حاكمة، بعيداً عن أي حزبية أو شخصنة». كما ستعارض «السعي لإنهاء نظام المناصب بالوكالة المتحايل على القانون والمتهرب من التزامات وأصول التعيينات الدائمة... وهناك كلام طويل حول القضاء والهيئات».وذكر في رسالته أن الكتل البرلمانية أو أعضاءها ستعارض «التطبيق العملي لمبدأ الفصل بين السلطات ومنع التدخل في شؤون السلطة التشريعية، أو منع تدخل البرلمانيين غير المشروع مستغلين عناوينهم في أعمال السلطة التنفيذية والقضائية... فهناك أعداد كبيرة اعتادت اعتبار التدخل حقاً وقوة وليس تجاوزاً». كما أعرب عن خشيته من أنه في حال تسلمه للمسؤولية سيواجه «بمعارضة البعض دعم الحشد والبيشمركة وقوى الشرعية وسيعارض آخرون عند منع الحشد والبيشمركة وغيرهما من ممارسات خارج القانون والصلاحيات».ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة إياد العنبر أن أهم التحديات التي ستواجه عبد المهدي تتمثل بـ«التحدي الداخلي وسعيه لإعادة ثقة المواطن بالنظام السياسي وقدرته على معالجة الأزمات، وأن أزمة البصرة الأخيرة من أهم تجليات انعدام الثقة بين المواطن والحكومة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن التحدي الآخر يتمثل في «قدرة الحكومة على الحد من تغول الجماعات الموازية للدولة».أما التحديات الخارجية، فأهمها «تقاطع الإرادات الأميركية والإيرانية، من خلال تعويل الإدارة الأميركية على الحكومة المقبلة للحد من النفوذ الإيراني في العراق، والوقوف بوجه الجماعات المسلحة التي تعد الأذرع الإيرانية في العراق. ومن ثم فالتحدي الخارجي هو قدرة عبد المهدي على إبعاد العراق عن دائرة التقاطعات الأميركية - الإيرانية».ويتفق مدير «مركز الدراسات الاستراتيجية» واثق الهاشمي مع العنبر على أن التحدي الخارجي الأكبر الذي سيواجه عبد المهدي مصدره «الصراع الإيراني - الأميركي، وإن لم يتخذ تدابير حاسمة لمواجهة هذا الصراع فسيكون العراق ساحته الرئيسية».ورأى الهاشمي أن التحدي الداخلي الأبرز «يتمثل في محاربة الفساد ومنع عودة الإرهاب وإصلاح البنى التحتية وإدارة الصراع مع أربيل بعد تصريحات مسعود البارزاني الرافضة لعملية اختيار رئيسي الجمهورية والوزراء». ويعتقد أن تجربة عبد المهدي «لن تختلف كثيراً عن تجربة العبادي لأن كليهما دخل من نافذة التسوية السياسية، وذلك يضعف من موقفه، وسيكون مضطراً إلى مجاملة الكتل السياسية من خلال إعطائها مزيداً من المناصب والمغريات والتجاوز عن أخطائها».
مشاركة :