قال اللواء محمد الغبارى مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، أحد أبطال حرب العزة والكرامة، إن القوات المسلحة المصرية أثبتت أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، لافتًا إلى أن حرب أكتوبر تعد أول حرب تقليدية، منذ الحرب العالمية الثانية، تستخدم فيها أسلحة ومعدات القتال الحديثة بشكل كبير، حيث شاركت ٥ آلاف دبابة و١٥٠٠ طائرة مختلفة الأنواع وآلاف العربات المدرعة وقطع المدفعية. وأضاف اللواء الغباري، أن خطة مصر اعتمدت على الخداع الاستراتيجى الذى استمر لعدة أشهر، واعتمد على إخفاء نية الهجوم والقيام بتنفيذ تحركات عسكرية تحت ستار التدريب مع التغيير الدائم فى عدد وحجم القوات، وإنهاء خدمة ٢٠ ألف فرد قبل العمليات بـ ٤٨ ساعة، وهذا يؤكد بطولة الجندى المصرى وعشقه لوطنه وترابه، وظهر هذا جليا عندما رفض الجنود الخروج من الخدمة قبل المشاركة فى حرب النصر والعزة، لكن فى النهاية نفذوا القرار لاستكمال خطة الخداع الاستراتيجى وتحريك معدات العبور من الخلف إلى اتجاه الجبهة. وتابع «الغباري»: «عندما جاءت ساعة الصفر وبدأ الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية فى آن واحد، قامت الحرب وقبل أن تنتهى بالهزيمة المخزية لجيش إسرائيل أرسلت أمريكا المساعدات والإمدادات غير المسبوقة للعدو، فكانت الثغرة على الجبهة المصرية واستعادتها للجولان من سوريا»، مضيفًا أن إسرائيل حاولت حفظ ماء الوجه أمام شعبها والرأى العام الدولى من خلال شن هجوم مضاد، واشتبكت فى معارك ضارية دون أى نجاحات تذكر، رغم استخدامها لأول مرة طائرات هليكوبتر مزودة بالصواريخ الموجهة، وكان لصد الهجوم الإسرائيلى من الجانب المصرى عظيم الأثر على جبهة سيناء، فقامت أمريكا بوضع وسائل الاستطلاع والتجسس فى خدمة إسرائيل إلى أن تم اكتشاف ثغرة غير مؤمنة وكان مخططًا تدمير القوات الإسرائيلية بمنطقة الثغرة غرب القناة، وطلب «كسينجر» مقابلة السادات، وقال: إن أمريكا تعلم بمخطط الهجوم على القوات الإسرائيلية غرب القناة، وأننا لن نسمح بهزيمة السلاح الأمريكى ثانية، ووعد بانسحاب القوات الإسرائيلية من غرب القناة، وتم ذلك من خلال مفاوضات الكيلو ١٠١، وتم الانسحاب الإسرائيلى قبل الميعاد المحدد بيومين، الأمر الذى يؤكد معه أن ثغرة الدفرسوار كانت تمثل لهم ورطة يتمنون الخروج منها». وشدد «الغباري»، أنه يجب ألا ننسى ما قبل ملحمة العبور، وأن نلقى الضوء على الحياة السياسية فى تلك الفترة، عندما تأثر الجميع معنويا نتيجة لانتصار إسرائيل فى يونيو ٦٧ ونجاح أمريكا فى تحقيق أهدافها الاستراتيجية فى حصار مصر داخل حدودها لضمان التفوق العسكرى لإسرائيل والحفاظ على المصالح الغربية وإحكام السيطرة على الشرق الأوسط، فأصرت إسرائيل على رفض الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة مما ساعد على استمرار حالة الحرب وظل الاعتقاد أن القوة العسكرية هى الحاسمة لتحقيق الأهداف وبدأت إسرائيل فى توسيع استيطانها فى الأراضى المحتلة وسعت إلى تطوير قدراتها العسكرية وظلت تتشدق بنظرية الأمن الإسرائيلى لتحقيق أطماعها التوسعية من جهة وخداع الرأى العام الدولى من جهة أخرى. وأشار «الغباري»، إلى أنه فى هذا الوقت بدأت الخلافات العربية تذوب شيئا فشيئًا بداية من مؤتمر الخرطوم، والذى جاء داعمًا لمصر على المستويين الإقليمى والعالمى حتى صدر قرار ٢٤٢ عن مجلس الأمن، الذى كان له تأثير مباشر فى تطوير العمل الوطنى والقومى فى المراحل التالية من الصراع ولم ترفض مصر جهود الحل السلمى وسمحت للاتحاد السوفييتى للقيام بهذا الدور فى ضوء الاتصال بكل الأطراف مع عدم التفاوض مع إسرائيل إلا بعد الانسحاب من الأراضى المصرية المحتلة وعدم التنازل عن أي جزء منها، لافتًا إلى أن السياسة الخارجية المصرية كانت تسير على أساس رفض الهزيمة العسكرية واعتبار ما حدث سباقا لم ولن ينتهى بعد، وهذا بطبيعة الحال استوجب أسلوبًا من العمل وخطوات يجب تنفيذها والتي تمثلت فى كسب الوقت دون الوصول إلى حل كغطاء لإتمام استكمال القدرة العسكرية المصرية لتكون داعمة في الوصول إلى حل المشكلة وإقناع الرأى العام العالمى بأننا لا نرغب فى الحرب من أجل الحرب وإنما من أجل استعادة الحق المغتصب. وأردف «الغباري»، «نظرًا لتأثر المجتمع الدولي بغلق قناة السويس منذ يونيو ٦٧، وتأثر حركة التجارة العالمية نتيجة لذلك، كانت هناك محاولات كثيرة لتحقيق السلام بين الأطراف المتصارعة، فأرسلت الأمم المتحدة مبعوثها جوناريارنج الذى بذل جهودًا كبيرة لتقريب وجهات النظر، إلا أنها باءت بالفشل بسبب التعنت الإسرائيلي، وتلا ذلك إرسال أمريكا وزير خارجيتها روجرز، والذى سعى في هذا الإطار، حتى استطاع الوصول إلى وقف إطلاق النار في أغسطس عام ٧٠، وتم الوصول إلى حالة اللا سلم واللا حرب بسبب الوفاق بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الذى وصل ذروته في هذه الفترة، مشيرًا إلى أنه حين انشغل المجتمع الدولي عن قضية الشرق الأوسط وتراجع الاهتمام بها دفع إسرائيل إلى التعنت ورفض السلام «، مؤكدًا أن مصر اعتمدت على ذاتها والدعم العربي وسعت لتحقيق شعارها ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة فاتخذت من حرب الاستنزاف سبيلًا لتحقيق الهدف المنشود، كما كان للصراع السياسي دوره في إثبات أننا نسعى إلى الانسحاب الإسرائيلي وإقناع العالم بأننا لا نريد الحرب من أجل الحرب مع المحافظة على صلابة الجبهة الداخلية والتضامن العربي وهنا تهيأ المناخ السياسي الدولي والإقليمي لاسترداد الحقوق المسلوبة كما تبعه صراع قضائي حين ادعت إسرائيل أن طابا إسرائيلية، ومن ثم رجعت سيناء إلى مصر نتيجة لنجاحات التفوق المصري عسكريًا وسياسيًا وقضائيًا. وطالب اللواء محمد الغباري جموع الشعب المصري باستحضار روح نصر أكتوبر دائمًا، وتحمل الصعاب من أجل وطنهم، مؤكدًا أن مصر تسير في الطريق الصحيح، وأن المصريين سيجنون ثمار الإصلاح قريبا.
مشاركة :