قلق الموت نوعٌ من أنواع القلق تتسبّب فيه الأفكار التي تدور حول فكرة الموت، أوالشعور بالفزع والهلع والرعب بمجرد التفكير في عملية الموت، كما يُعرف هذا النوع أيضا، في معجم علم النفس برهاب الموت.وهكذا فالموت هو الحقيقة المطلقة التي لا مفرَّ للانسان منها، وهي التي تخيف وتهدد نفسية الكثيرين، وبالطبع لكل شخص رؤيته النفسية والفكرية التي يتعامل بها مع فكرة الموت، وحين يتطور الأمر إلى الوسواس، فإن هذا الوسواس يتحول لنوع من أنواع القلق المربك والمخيف الذي يفتك بنفسية الانسان، والذي قد يأخذ أشكالاً عدَّة قد تصل في بعض الحالات لأن تمنع الانسان من ممارسة حياته بشكل طبيعي، وهنا يصبح الخوف من الموت مرضاً نفسياً يحتاج لمتابعة دقيقة وعلاج فوري.ويكثر قلق الموت لدى كبار السن الذين تتضاعف لديهم المشاكل الجسدية والنفسية فيشعرون بقربهم من الموت، أو قد يكون عند المرضى بمرض عضال، وقد تكون هناك فئة من الناس يتضاعف لديهم الخوف من فكرة الموت نفسها وما يتعلق بها، فيفكرون بالموت بشكل كبير، خاصة في فترة الليل، وتحديدا فترة ما قبل النوم، ويسبب لهم هذا التفكير توترا شديدا، وحالة من الأرق، فنجد هذه الفئة تخشى من مجالس العزاء، وتتجنب زيارة المرضى من كبار السن أو المصابين بأمراض يصعب علاجها. كما أنهم يصابون بالرعب من الاستماع للخطب الدينية التي تتحدث عن الموت ونزعاته وسكراته، وقد أثبتت الاحصائية التي قمنا بها أخيرا أن 70 في المئة من الناس الذين شملتهم الاستبانة لديهم قلق من الموت، وأنهم يهيئون أنفسهم له، ويتوجسون مما سيحدث لهم بعد الموت، كما أن 76 في المئة منهم يرون الموتى في أحلامهم، وهذا يؤكد الحالة التي تحيط بمشاعر الكثيرين ممن يلفهم شبح الموت. وأثبتت الدراسات أن القلق من الموت عند البعض مرتبط بالخوف من لحظات الاحتضار وسكرات الموت، ذلك الخوف من عقاب الله عز وجل، والمجهول الذي ينتظرهم. وقد تبيّن لنا أن حب البقاء يتسبب في أزمة نفسية كبيرة لدى البعض حيث إن الشخص يكون غير مستعد لمغادرة الحياة، وإن كانت شقية، لكنها في نظره أفضل من الدخول في عالم الموت المجهول بالنسبة له ولو تأملنا الحديث النبوي الذي يكلم فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أمواتا من الكفار، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدْنا ما وعدنا ربُّنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربُّكم حقا، فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم. وسؤال الفاروق عمر رضي الله عنه جاء بسبب استغرابه من محادثة الموتى، وقد تلاشوا من الدنيا وتحولوا إلى عظام! ولكن الحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد كشف للفاروق أمراً من الغيبيات وهو أن للميت حياة أخرى، فالموت هو انتقال من حياة إلى حياة أخرى، ولكننا لا نعرف طبيعتها، هي في دائرة المجهول والغيبيات. هذا وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الأكثر تدينا هم الأقل خوفاً من الموت، ربما لأنهم يؤمنون بأنه أمر مسلم به ونتيجة حتمية لا يمكن الفرار منها، وهو حقيقة لا يمكن إنكارها، أو منعها من الوقوع. يقول الله عزّ وجل وقوله الحق: «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام»، ويقول تبارك وتعالى:«كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»، ويقول جل وعلا:«أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا». وتعتمد الفئة الأخيرة من الناس التي ذكرناها في عدم خوفها من الموت على قاعدة إيمانية عميقة يترأسها حب الله عز وجل والشوق لرؤيته جل وعلا، والعمل للفوز بالفردوس الأعلى في الجنة، لذا تنتهج هذه الفئة مبدأ التحضير للموت بالتقرب إلى الله عز وجل، وبعمل الخير، وبالإخلاص في العبادة، وخلق حالة القلب السليم، وهكذا كلما زاد اتزان الفرد إيمانياً ونفسياً تلاشى الوسواس والقلق من فكرة الموت.
مشاركة :