أصبت بشلل كامل وعالجني حاج حضرمي

  • 10/5/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مشوار حافل بالعطاء لهذا الوطن المعطاء تجسد في شخصية مرموقة تقلدت مناصب عديدة في أجهزة الدولة ومؤسساتها لينقش سيرة ذاتية على صفحات التاريخ، ويترك سمعة نقية من الشوائب، إنه الأمير تركي بن خالد بن أحمد السديري الذي فتح لنا قلبه بكل ترحاب لإجراء هذا اللقاء بعد إلحاح رغم زهده في التعاطي مع وسائل الإعلام خصوصاً بعد تقاعده عن العمل الحكومي لنخرج بهذا اللقاء الرائع.. النشاة والطفولة * اسمح لي - حفظك الله- أن ننطلق في هذا الحوار من مكان وتاريخ مولدكم؟ - ولدت في أبها البهية سنة 1355 ه. * وما أسباب انتقال والدكم – رحمه الله – إلى عسير بالذات؟ - كانت البداية التحاقه بحملة الأمير فيصل بن سعد بن عبد الرحمن - رحم الله الجميع-، أثناء فترة قضايا الحدود مع دولة اليمن وقد تلاها تعيين العم تركي بن أحمد السديري – رحمه الله أميراً على منطقة عسير ثم تعيين والدي وكيلًا للأمارة مع أخيه العم تركي. * وهل كان لنشأتك في هذه البيئة الساحرة أجواء وطبيعة تأثيراً على حياتك منذ الصغر؟ - إدراكي محدود لصغر سني وكل ما أذكره أنني أصبت بالشلل وذلك بعد أن تمكنت من المشي، حسب ما علمت من الأهل فيما بعد، وذلك لمدة خمس سنوات من عمري. * وما أبرز الذكريات التي ما زالت عالقة في ذهنك من تلك الحقبة إبان الطفولة؟ - حالة الشلل التي قدر الله أصبت بها إذ تعود بي الذاكرة عندما كنت أحبو أو حينما يحملوني على الاكتاف أو حين يتم دفعي وأنا جالس في عربة الأطفال. وقد قدر الله أن يأتي إلى أبها رجل لا تزال صورته في ذهني من حضرموت بقصد الحج ولسبب لا أعرفه التقاه خالي حسن بن محمد بن عايض - رحمه الله وأخذه معه لمنزلنا، وأنا لا أذكر المرة الأولى التي رأيته فيها إلا أنني أذكر المرة الثانية التي شاهدته فيها - رحمه الله-، إذ أخذت أصرخ خوفاً منه والسبب الذي دفعني لذلك عندما رأيته أنه قد شرع في إيقاع عدد من المكاوي في أجزاء مختلفة أسفل ظهري وعلى قدمي اليمنى له المرة الأولى التي تم عرضي عليه، وهو ما أخافني منه وكرر ذلك المرة الثانية. وأعتقد أن المدة التي استغرقتني فترة قصيرة، إذ رأيت نفسي وأنا جالسا على الأرض أرفع ذراعيّ للأعلى ثم أنهض بعدها واقفاً ثم أسير على قدمي إلى حيث كانت جدتي وأهل الخال في المطبخ الذي كان قريباً من المكان الذي انطلقت منه نحوهم. ولن أنسى أصوات النّسوة عندما رأينني أدخل عليهن ماشياً على قدمي. وللأسف أن والدتي لم تكن مع جدتي حينذاك إذ سبق أن توفاها الله قبل ذلك رحمها الله. وعندما سأل خالي الحاج الحضرمي والعم تركي والوالد رحم الله الجميع الذي كان قد عين حينها أميراً على منطقة جازان ماذا كان يريد منهم لمساعدته فكان مطلبه الوحيد جمل ليتمكن من الحج عليه. رحلة على الحمير إلى جيزان * وكيف كان تعامل الأمير خالد مع أبنائه خصوصاً أن جل وقته كان يقضيه في شؤون الإمارة؟ - انتقلت بعدها مع خالي إلى جيزان حسب طلب الوالد وكانت رحلتنا على حمير وقد استغرقت عدة أيام. وقد كان انتقالي بعد حرب الريث نحو عام 1370 ه وكان تعامله معي ومع إخوتي كتعامل أي أب مزيج من الشدة عند الضرورة والعطف الأبوي معظم الأحيان، وحدث أن أصابني جرح بقدمي ويظهر أن المطهر الذي وضعه، - رحمه الله-، على قدمي آلمني كثيراً، وفيما كنت أسير في أحد أحواش المنزل إذ رأيت الوالد فانطلقت أجري خوفاً من العلاج الذي سبق أن آلمني فإذا به ينطلق خلفي ويلحق بي ويمسكني لأنال على وجهي عدة صفعات لن أنساها أبداً؛ إذ إنها تحدث لي لأول ولآخر مرة منه رحمة اللّه عليه. * وما الجانب الذي كان يحرص عليه الأمير خالد في نهجه لتربية أبنائه؟ - كان جاداً معنا معظم الأحيان ولكنه كان يحرص على التحدث مع أخينا الأكبر فهد أمد الله في عمره عن أمور الأدب والشعر العربي على الرغم من صغر سنه. * وما الصفات التي كان يتميز بها والدكم الأمير خالد في جانب الإمارة؟ - يصعب علي إعطاء الإجابة المقنعة عن ذلك لصغر سني. * وهل شهدت بعض الأحداث أو القضايا في مجلس والدكم والتي لا تزال عالقة في ذهنك؟ - لقد سمعت عن حالات قصاص إلا أنني لحسن الحظ لم أشاهدها. وأذكر أن الوالد بصفته أمير المنطقة كان يعقد مجلساً كل يوم جمعة ويلتقي وجهاء البلد وتلقى القصائد أثناء اللقاء بعد صلاة الجمعة. * وما تفاصيل انتقال والدكم إلى إمارة جازان؟ - لقد كان الوالد وكيلاً لإمارة عسير كما أشرت أعلاه وأهم من كل ذلك ثقة قائد المسيرة تغمده الله بواسع رحمته جلالة الملك عبدالعزيز. * وهل كان التأقلم مع جازان بسهولة خصوصاً أنكم انتقلتم من منطقة باردة إلى منطقة ساحلية تغلب على أجوائها البرودة؟ - بحكم السن فالتأقلم لم يكن صعباً كما أن جيزان يحدها البحر ويمنحها ميزة ومنظراً لا ينسى لمن هو في مثل سني. تمرد الريث * وهل واكبت قضاء الأمير خالد بن أحمد السديري على تمرد الريث، وما تفاصيل ذلك التمرد؟ - ما علمته عما دار حول جبل الريث فيما بعد أن العم تركي قاد حملة كبيرة من رجال الإمارة في عسير ومن أبناء المنطقة وحاصر الجبل لأن قبائل الريث كانت شديدة البأس بينما قاد الوالد الفرسان الذين تسلقوا الجبل ودارت المعارك لأيام عدة وقتل منهم من قتل واستسلم الباقون، رحم الله الجميع. * وهل لنا بمعرفة بعض الإنجازات التي تمت في زمن تولي الأمير خالد على إمارة جازان؟ - معلوماتي محدودة بحكم السن ولكن عرف عن الوالد تشجيعه للتعليم وقد وقف مع الشيخ القرعاوي، - رحمه الله-، الذي كان يدور بين قرى جازان وينشئ الكتاتيب لأبنائها. وأذكر أنني رأيته قادماً من إحدى جولاته على حماره متجهاً إلى مسكنه الذي كان مجرد عشة صغيرة مع حوش كما كان الحال لمعظم أبناء المنطقة. * وفي أي سن التحقت بسلك التعليم؟ - لا بد أن سني يقارب السادسة أو تعداها بأشهر أي بعد رحلتي لجيزان من أبها. * وهل تتذكر بعض الزملاء الذين درست معهم في جازان؟ - أذكر أطفالًا من أسرة الزيلعي والعلاقي وآخرين لا أذكر أسماءهم. * وما أبرز المواقف التي تتذكرها إبان دراستك في جازان؟ - كان والدي - رحمه الله- يأتي للمدرسة التي تقع قريباً من البحر ويزور بعض الفصول ويتحدث مع المدرسين والطلبة. * انتقلت بعد ذلك إلى الدمام، ما ظروف هذا الانتقال؟ - عين والدي أميراً على منطقة الظهران وأذكر أنني شاهدت الرقم (64) على التقويم المعلق في الفصل الذي التحقت به. * وما أبرز الذكريات في تلك الحقبة؟ - مرضت جدتي منيرة الزيد الرشود - رحمها الله- التي أتت للظهران للعلاج. وقد أتى للظهران آنذاك أبناؤها العم محمد - رحمه الله- الذي عيّن أميراً على جيزان خلفاً للوالد والعم عبدالرحمن - رحمه الله- أمير الجوف آنذاك. وقد توفت - رحمها الله- بينما كان الوالد والأعمام بعيدون عن الدمام أثناء استقبالهم العم عبدالعزيز - رحمه الله- أخاهم الأكبر القادم من منطقة القريات. وقد شاركت وإخواني في تشييع الجنازة، وقد قام أخي فهد كمحرم لها بإيوائها - رحمها الله- لمثواها الأخير خلف مدينة الدمام. من جازان إلى لبنان * ومن ثم انتقلت إلى لبنان لتكمل تعليمك هناك، ما تفاصيل هذا الانتقال؟ - لا لم أنتقل للبنان آنذاك، بل أخذني العم محمد معه لجيزان لأكون برفقة ابنه وأخي زيد الذي تربيت معه تحت رعاية العم محمد فيها قبل الانتقال للبنان للدراسة في عام 1367 ه أو أواخر عام 1947م وقبل حرب فلسطين بأشهر قليلة. وأذكر أن الطائرة التي انتقلت عليها مع الأخ زيد للبنان نزلت بنا في مطار ذكروا لنا آنذاك أن اسمه مطار اللد للتزود بالوقود وهو المطار الذي سمي فيما بعد للأسف الشديد بمطار بن غوريون. * وهل ما زلت تتذكر بعض الزملاء الذين درسوا معك في لبنان؟ - البداية التحقنا بكلية مدينه عالية بالجبل وبعد سنتين انتقلنا للكلية الدولية التابعة للجامعة الأمريكية ببيروت ولم يكن هناك سوى القليل من السعوديين. ثم بدأ يأتي بعض الطلبة بعد وصولنا منهم عدد من أبناء آل دغيثر وآل السلمان وآل عدوان وآل السعد وعبد الله، - رحمه الله-، ابن السفير ابن عبد العزيز الزيد ومحمود ابن قائد الحرس الملكي الفريق سعيد جودة وعبدالعزيز الروق وأبناء الدكتور الشواف ومنهم زميلي في الفصل المستشار القانوني سعود الشواف وآخرون سواهم. * وما أبرز ذكرياتك في لبنان؟ - الكثير الكثير فمناظر لبنان بجباله وبحره ومدنه وقراه التي ستبقى في الذاكرة دائماً. وكذلك المستوى العالي لمن كانوا يتولون تعليمنا. واللافت للاهتمام في ضوء معطيات الحاضر أنه لم يكن هناك أي تمييز ديني أو طائفي بين الطلبة أنفسهم أو بين الأساتذة ممن يتولون رعايتنا وتعليمنا. كان لبنان في عزه آنذاك أعاد اللّه عليه أيام الأمن والسلام والازدهار. غرباء في بريطانيا * بعدها انتقلت إلى بريطانيا، هل كان هذا الانتقال بدافع الدراسة هناك؟ - نعم والتحقنا بمدرسة أهليه واستمررنا فيها ما يقارب السنة إلا أن الاعتداء الثلاثي على مصر أواخر عام 1956 من قبل كل من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا الناجم عن قيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، - رحمه الله-، بتأميم قناة السويس، ما دفع الحكومة لسحبنا ومعظم الطلبة السعوديين الذين يدرسون آنذاك في إنجلترا تضامناً مع الحكومة المصرية. * وكيف وجدت المجتمع هناك مقارنة بعسير وجازان والدمام ولبنان؟ - لا يوجد مقارنة والإنجليز عموماً كانوا متحفظين تجاهنا وربما أن لسياسة عبد الناصر آنذاك دوراً في الأمر، وطوال مكوثنا هناك لم ندع لمنزل عائلة إنجليزية واحدة. * ومن أبرز الزملاء الذين زاملتهم في بريطانيا؟ - أبناء العم تركي محمد وفهد - رحمه الله- وزيد المحمد وسلطان ونايف العبد العزيز - رحمه الله- وقد تعرفت على الشيخ حسن المشاري رحمة الله عليه، آنذاك الذي كان يدرس الماجستير فيها. * وهل عين أحد منهم على مناصب مهمة في الدولة بعد رجوعه المملكة؟ - الشيخ حسن المشاري انتقل مثلنا للولايات المتحدة، فقد تولى فيما بعد منصب وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني إبان تولي سمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن - رحمه الله- أعمالها كوزير لها. وأعتقد أن سموه والشيخ حسن المشاري كان لهما الدور الأهم في تبني الدولة إبان عهد الملك فيصل تغمده الله بوافر رحمته، برنامج الإصلاح الإداري الذي قفز بشؤون الإدارة العامة والدولة قفزات لا يستهان بها في تلك المرحلة من تاريخ بلادنا الغالية. * وكيف تم تأقلمك مع هذه الانتقالات النوعية؟ - أمور كثيرة يطول الحديث عنها، ولكن مرحلة الشباب عموماً توفر المرونة اللازمة للتأقلم مع مختلف التحولات التي تمر بالإنسان. * وما المفارقات التي رأيتها ما بين المجتمعات والأماكن والثقافات التي انتقلت إليها؟ - معظم الأمريكان يمتازون ببساطتهم وكونهم اجتماعيين وكرماء وكطلبة دعينا لبيوت عشرات الأسر أسوة بكل الطلبة الأجانب ممن تتم دعوتهم أثناء العطل. بكالوريوس علوم سياسية * في عام 1382 ه حصلت على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من الولايات المتحدة الأمريكية، ما الدافع وراء توجهك أولًا إلى أمريكا؟ - نعم، اخترت تخصص العلوم السياسية لمحبتي بقراءة المراجع التاريخية على اختلافها وقد أشرت سابقاً لظروف ابتعاثنا لأمريكا بعد الدراسة وإنجلترا. * وهل وجدت صعوبة في الدراسة هناك؟ - نعم والسنة الأولى فقط. * وما أبرز الذكريات التي مرت بك هناك؟ - الذكريات كثيرة جداً هناك وربما تأخذ مقابلة كاملة بذاتها. * وما رسالتك لأم أبنائك الأميرة شيخة بنت عبد الرحمن بن أحمد السديري من خلال اليمامة؟ - رسالة ودعوات وتوجيهات كل أب محب لأبنائه وبناته المحافظة على ما يأمر به ديننا الحنيف من خلق عال وصدق وأمانة وكل ما يتصل بواجبات التعامل الحق مع الآخرين من أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه. قسم المؤتمرات والعلاقات الدولية * بعد عودتك إلى أرض الوطن عام 1382ه أنشأت قسم المؤتمرات والعلاقات الدولية بوزارة التجارة، كيف تم ذلك؟ - نعم. فقد كنت تقريباً الوحيد في عام 1382 ه الذي يجيد اللغة الإنجليزية وكان وكيل الوزارة آنذاك الصديق والزميل المثالي لي فيما بعد في المجلس الموقر معالي الشيخ عمر عبدالقادر فقيه وقد انتقل لنا خلال تلك الفترة الأستاذ القدير محمود طيبة - رحمه الله- من أرامكو على ما أعتقد. * وهل كانت هناك صعوبات لتنفيذ هذا القسم إبان إنشائه؟ - لا لم يكن هناك أي إشكالات فقد كان الوزير رحمة الله عليه معالي الشيخ عابد شيخ في منتهى الخلق والتعامل الحسن وكذلك معالي الشيخ عمر فقيه وكيل الوزارة. * وما أهم ما قدمه في هذا القسم في إطار مجاله؟ - قليل فقط بعض التقارير والدراسات إلا أنه كان له دور بصفتي مديره عندما عقد في جنيف أكبر مؤتمر في تاريخ الأمم المتحدة آنذاك في أوائل عام 1964م بهدف إنشاء المجلس الدولي للتجارة والتنمية. فقد ترأس معالي الشيخ عابد الوفد المؤلف من جهات عدة، فإضافة إلى مشاركتي والأستاذ كامل توفيق من قبل الوزارة فقد اشترك معنا الأستاذ القدير محمد عمر زبير عن وزارة المالية والأستاذ زين العابدين الدباغ - رحمه الله- عن وزارة الخارجية والأستاذ سليمان مؤمنة عن مؤسسة النقد. وقد وقعت نيابة عن معالي الشيخ عابد وثيقة انضمام حكومة المملكة للمجلس لأن ظروف عمل معالي الوزير - رحمه الله- آنذاك أوجبت سفره قبل مرحلة التوقيع. * وهل هذا القسم ما زال قائماً حتى هذا الوقت؟ - لا أعلم. في وزارة المالية * وما سبب انتقالك عن رئاسة هذا القسم فيما بعد؟ - تم انتقالي في عام 1384 ه لوزارة المالية بطلب من وكيل الوزارة معالي الشيخ حسن المشاري - رحمه الله- إلا أن الانتقال تم بعدما تم انتقال معاليه لوزارة الزراعة والمياه كوزير لها آنذاك. * في عام 1384ه عينت وكيلًا لمصلحة الإحصاءات العامة بوزارة المالية، ما أهم المحطات العملية التي توقفت عندها في هذه المصلحة؟ - كان انتقالي كوكيل لمصلحة الإحصاءات العامة وكان المدير آنذاك الأستاذ القدير في عالم الإحصاءات العامة علي الراشد. * في عام 1386ه كلفت بإنشاء الادارة المركزية للتنظيم والإدارة بوزارة المالية والاقتصاد الوطني تماشياً مع برنامج الإصلاح الإداري الذي تبنته الدولة عام 1383ه، كيف تم هذا الانتقال والتكليف؟ - هذا الموضوع تتطلب تفاصيله مقابلة أخرى كاملة. ولا شك أن لمعالي الشيخ محمد أبا الخيل وكيل وزارة المالية آنذاك بعد انتقال معالي الشيخ المشاري ومعالي الفقيد الغالي الأستاذ فهد بن سعود الدغيثر الزميل من أيام الدراسة في لبنان دور في تكليفي بإنشاء هذه الإدارة لتتولى تنفيذ قرارات اللجنة العليا للإصلاح الإداري الخاصة بإعادة تنظيم أجهزة الدولة بالإضافة إلى مسؤوليات تنظيمية أخرى منها العمل على إنشاء وحدات التنظيم والإدارة في الأجهزة الحكومية وتطويرها لتقوم بخدمة هذه الأجهزة وتطوير عملياتها الإدارية المختلفة وكل ذلك تم بناء على توصيات مؤسسة فورد الاستشارية التي كانت تقدم تقاريرها للجنة التحضيرية التي كانت تقوم بكل ما تتطلبه اللجنة العليا للإصلاح الإداري وذلك كحصيلة لمختلف الدراسات الميدانية التي أجرتها لعديد من أجهزة الدولة. * وفي عام 1391 ه انتقلت من وزارة المالية والاقتصاد الوطني إلى ديوان الموظفين العام نائباً لرئيس الديوان، ما أبرز المواقف التي مرت عليك إبان توليك هذا المنصب؟ - صادف انتقالي في عام 1391ه صدور نظام جديد للموظفين ولوائحه بالطبع تحت إشراف ومتابعة ديوان الموظفين العام كما كان يدعى آنذاك، ولا يمكنني الآن تحديد المشاكل القائمة آنذاك التي كانت لا حصر لها. والنظام الذي ساعد في تحريكه سمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن وزير المالية ومعالي وزير الدولة الشيخ عبدالعزيز القريشي رئيس ديوان الموظفين العام بعد أن مكث سنوات لدى أمانة مجلس الوزراء الموقر تحت الدراسة، والنظام يعتبر نقلة كبيرة بلوائحه مقارنة بالنظام السابق وكان معالي الشيخ عبدالعزيز القريشي نعم الموجه والإداري القدير إلا أن انتقاله المفاجئ للعمل كمحافظ لمؤسسة النقد جعلني أواجه إشكالات لا حصر لها كنائب لمعاليه مع الزملاء من العاملين في الديوان آنذاك، بينما تولى معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر - رحمه الله- وزير المعارف آنذاك الإشراف على أعمال الديوان بالنيابة عن رئيسه معالي الشيخ القريشي. رئيس ديوان الخدمة المدنية * وفي عام 1407 ه عينت وزيراً للدولة عضو مجلس الوزراء ورئيساً لديوان الخدمة المدنية، كيف وجدت هذا المنصب والمسؤولية الكبيرة؟ - كان تشريفي بالتعيين في هذا المنصب في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تغمده الله بوافر رحمته، من ضمن مجموعة من الإخوة الزملاء منهم فضيلة الشيخ محمد الجبير رئيس ديوان المظالم آنذاك تغمده الله بوافر رحمته ومعالي الشيخ عمر فقيه رئيس ديوان المراقبة العامة ومعالي الشيخ محمد بن زرعه رئيس هيئة الرقابة والتحقيق التي أنشئت بموجب قرار من قبل اللجنة العليا للإصلاح الإداري بموجب توصيات المستشارين ومعالي الدكتور فايز بدر - رحمه الله- رئيس هيئة الموانئ فكوني ضمن هذه المجموعة المباركة سهل عليّ كثيراً مسألة التأقلم مع واجبات ومتطلبات المسؤولية الجديدة بصورة أيسر. والحديث عن المواضيع التي طرحت آنذاك يتطلب الكثير من الشرح والتفاصيل التي لا مجال لها هنا. * وما المنصب الذي أحببت أن تبقى فيه من هذه المناصب؟ – المنصب الحكومي عموماً منصب مسئوليات ومتطلبات لتأدية ما يمليه من واجبات وأعمال وحتى تضحيات لا حصر لها وبالتالي لا يمكن أن يكون مقر راحة وانشراح وخاصة لمن كان يتولى مثل عملي وما تمليه أحكام النظام ولوائحه من دقة وصرامة وعدم قبول أمواج رسائل التوسط من مختلف الدوائر الرسمية وغير الرسمية من مبدأ أن قبولك لاستثناء إنسان من القيود النظامية يعني له الوقت ذاته حرمان آخر من حق كفله النظام له بحكم مؤهلاته أو أقدميته وخلاف ذلك. * في عام 1415 ه تقاعدت عن العمل، كيف تلقيت قرار التقاعد بعد هذا المشوار الطويل المفعم بالإنجازات والتميز والسمعة الحسنة؟ - بمنتهى الشكر والثناء للقادة المسؤولين آنذاك - رحمهم الله- خاصة أنني كنت أعاني من بعض الأعراض الصحية. مشاركات فعالة * اشتركت أثناء خدمتك في مؤتمرات محلية ودولية داخل وخارج المملكة وكذلك عضو مجلس الخدمة المدنية، وعضوية مجالس وهيئات حكومية كاللجنة العليا للإصلاح الإداري، والمجلس الأعلى للتعليم العالي، وعدد من مجالس الجامعات، ماذا تقول عن هذه المشاركات؟ - بدون مبالغة اجتهدت بقدر ما مكنني الله من المشاركة بفعالية في كل مجلس أو لجنة أو غيرهما، وكنت أقول ما أراه محققاً للهدف فيما تتم مناقشته من الأمور المعروضة دون مجاملة إنما بالأسلوب الذي لا يسبب حرجاً لأحد وإلا ما الهدف من المشاركة في مثل هذه اللقاءات أو الاجتماعات. رئيس هيئة حقوق الإنسان * وما تفاصيل عودتك للعمل من خلال تعيينك عام 1426ه رئيساً لهيئة حقوق الإنسان لمدة أربع سنوات؟ - فوجئت بمسألة تعييني في أواخر رمضان عن طريق مكالمة هاتفية. وقد كذبت المكالمة الأولى إلا أن مكالمة وردت من بعدها أكد لي صاحبها أن وكالة الأنباء قد أوردتها وكان ذلك في عهد الملك عبدالله تغمده الله بوافر رحمته. وكانت مفاجأة لا أقول مفرحة أو مؤلمة لأن موضوع حقوق الإنسان أمر جديد عليّ، ما جعلني في حيرة من أمري خاصة أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبداللّه- تغمده الله بوافر رحمته - سبق أن طلب مني ومن معالي الصديق الذي لن أنساه معالي الدكتور سليمان السليم عندما كنا في مكتبه وكان حينها ولياً للعهد، لغرض السلام فقط، إذ أشار لنا عند انصرافنا بالقدوم له وعند وقوفنا بالقرب منه قال موجهاً كلامه لنا أنه بحاجة لنا فعبرنا له أننا جميعاً في الخدمة فيما يطلبه منا، فقال لنا إنه يقصد أن نعود للخدمة بارتباط دائم لحاجته لنا، واحترنا بماذا نجيب وشكرناه - رحمه الله- وغادرنا المكتب وقد اتفقنا على إرسال خطابين منا لمقامه نعبر عن اعتزازنا بثقته إلا أن ظروفنا الصحية تحول دون العمل الثابت إلا أننا على أتم الاستعداد للمشاركة في أعمال المجالس أو اللجان عند الحاجة لنا، أي عند الضرورة، وقد شرعت من حينها بالاستعانة ببعض زملاء العمل السابقين في الديوان العام للخدمة المدنية الذي سعيت أثناء عملي فيه إلى تعديل اسمه السابق من ديوان الموظفين العام إلى الديوان العام للخدمة المدنية وذلك ضمن مراسيم إصدار نظام الخدمة المدنية وإنشاء مجلس الخدمة المدنية الذي أنيطت به مهمة إصدار اللوائح وتعديلها عند الضرورة، ما خفف كثيراً من أعبائها، وقد كان يعرض على المجلس الموقر في شأن موظفي الدولة ونظامه ولوائحه. وكان لمعالي الدكتور مطلب النفيسة وفضيلة الشيخ صالح الحصين - رحمه الله- اليد الطولى في المجهودات التي بذلت في هذا المضمار لأشهر عده. وبعد انتهاء إجازة عيد رمضان أي في شهر شوال كانت الهيئة الجديدة قد استقرت في مقرها وبها قليل من الموظفين الأكفاء ممن كانوا على أتم الاستعداد لأداء واجباتهم حسب ما نص عليه نظام الهيئة الجديدة ومجلسها الذي اشتمل على نخبة من ذوي الخبرة المتميزة من لأكاديميين وسواهم من المسؤولين السابقين في الدولة. * وما المواقف التي تعتز بها إبان عملك في حقوق الإنسان؟ - لا أتذكر. * وما الدافع وراء تقدمك بطلب الاستقالة في عام 2009م عن منصبك في حقوق الإنسان؟ - ظروفي الصحية التي عانيت منها من قبل كانت السبب الأهم في ذلك. * وبعد أن تقاعدت عن العمل الحكومي، كيف تقيم من منظورك الشخصي هذه الخدمة الوطنية العامرة بالإنجازات؟ - أعتقد أن هناك نوعاً من المبالغة فيما احتواه السؤال. وأرى أن كل ما أنجز لا يتعدى متطلبات الواجب الرسمي والوظيفي. * وهل هناك من أبنائك من سار على منوالك نحو العمل الحكومي؟ - أحدهم عمل في أحد الأجهزة الحكومية المهمة إلا أنه فضل فتح مكتب محاماة، أما الآخر فيعمل في مجال الأعمال الحرة. وصية للشباب * وما وصيتك لأبنائك من الشباب في ظل الرؤية المباركة التي نعيش بداياتها؟ - المحافظة على قيمهم الدينية واعتزازهم بوطنهم وقيادته وفقها الله والمحافظة على أمنه ووحدته وتطور وطنهم في مسيرته نحو مستقبل واعد في كل المجالات إن شاء اللّه. * لكم مجلس عامر يجتمع فيه نخبة من الوزراء والأدباء والشعراء في كل أسبوع، متى بدأ هذا المجلس؟ - منذ نحو (40) عاماً. * لاحظت أن اللوحات المعلقة في مجلسكم مثلث من المفاهيم، فهناك لوحات تمثل التوجه الديني المعتدل، وأخرى تمثل الولاء الوطني، وأخرى تمثل الأصالة من خلال صور الإبل، هل هذا التنوع مقصوداً؟ - مصادفة فقط وصور الإبل أهداها لي أخي اللواء الطيار عبدالعزيز شفاه الله فهو من صورها لأنه محب لهواية التصوير. * كما أنني لاحظت لوحة في مدخل المجلس تحت عنوان (هكذا كنا فمتى نعود؟) ما قصة هذه اللوحة؟ - هذه اللوحة أهداها لي أخي ناصر وهي تمثل عصراً مجيداً من عصور الإسلام عندما كان ملك إنجلترا يوقع خطابه للخليفة في الأندلس: بخادمكم المطيع. * وماذا جنى الأمير تركي من هذا المجلس المبارك؟ - كسبت أصدقاء جدداً وحافظت على صداقاتي القديمة خاصة أنني افتقدت عدداً ليس بقليل منهم ممن توفاهم الله وفي مقدمتهم عمي بندر وأخي مساعد وابن العم عبدالعزيز العبدالله التركي وسواهم الكثير الكثير. * وهل تمارس الآن أي نوع من الرياضة؟ – نعم المشي ثلاث إلى أربع مرات في اليوم وفي حدود 10 دقائق كل مرة موزعة على طول اليوم، حيث قرأت أنها أكثر فائدة من المشي لمرة واحدة في ساعتين لمرة واحدة في اليوم، وأعتقد أن السبب في ذلك أنك تنشط جسمك ودورتك الدموية مرات عدة في اليوم عوضاً عن مرة واحدة فقط. هواية القراءة * وما الهواية التي ما زلت متمسكاً بها حتى هذه اللحظة؟ - القراءة – القراء خاصة كتب التاريخ. * وكم نصيب القراءة من وقتك؟ - كانت تأخذ معظم الوقت إلى أن دخل في منوال حياتنا اليوم الجوال ورسائله التي لا تنقطع ليلًا ولا نهاراً، وأنا ساعٍ حالياً إلى التقليل منها بقدر الإمكان. * وما نوع البرامج التلفزيونية التي تحرص على مشاهدتها عادة؟ - الأخيار. * ولو خيرت في مدينة غير الرياض لتعيش فيها بعد أن تم تقاعدك عن العمل الحكومي، ماذا ستختار؟ - لن أختار سوى الرياض لأن فيها معظم أقاربي وأصدقائي ومعارفي، فقد استقررت فيها منذ تخرجي في عام 1382ه. * عائلة السديري من العوائل التي اشتهرت بقول الشعر، من أول شعراء هذه العائلة المباركة من الأجداد؟ - الجد أحمد الكبير. * وهل ورث هذه الموهبة أحد أبنائه أو أقربائه؟ - عدد لا بأس به منهم. ذكريات مع الأمير الشاعر محمد بن أحمد السديري * السديري وهل لك ذكريات شخصية مع الأمير الشاعر محمد بن أحمد السديري؟ - نعم تربيت في منزله بجازان والشمال عندما كان قائداً لجيش المجاهدين الذي كان مطلوب منه المشاركة في حرب فلسطين الأولى إلا أن الفرصة لم تتح له والمتطوعين الذين يزيد عددهم عن العشرة آلاف، للأسف الشديد، وبعد ذلك في عرعر عندما كلف - رحمه الله- بإنشاء محافظة خط الأنابيب التي تولت لفترة من الزمن نقل البترول إلى لبنان وذلك بسبب طلبه من والدي عندما كانوا جميعاً - رحمهم الله- في الظهران الذي كان والدي أميراً له ووالدتهم كانت أثناءها مريضة وتوفت هناك كما أشرت من قبل. * وما القصائد التي تعجبك من قصائد الأمير محمد؟ - لا أستطيع أن أفرق بينها. * وهل ترى أن الإعلام أعطى الأمير محمد بن أحمد السديري حقه من الاحتفاء والدراسات الأدبية؟ - نعم. * كما أن الأمير سعد الناصر السديري - حفظه الله- كان يجمع شعراء المحاورة في ضيافته كل عام في محافظة الغاط، هل كنت تحضر هذه المحاورات؟ - للأسف لم أحضر أياً منها. * وما أصعب موقف مر عليك خلال مشوارك العملي؟ - الحياة جلها مواقف من بداية العمر إلى نهايته فيها الشجي والمفرح وفيها المعتدل ومنها القاسي حسب الظروف والمواقف، والمهم إيمان الإنسان بمشيئة المولى عز وجل فيما هو مكتوب عليه في حياته ومماته. * سيرة ذاتية ومشوار حافل بالإنجازات، هل تفكر في إصدار مؤلف مقروء عن مشوارك العملي؟ - لقد سجلت بعض الأمور وبقي الكثير. * هناك رسالتان لو طلب منك أن تقدمها، الأولى إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله-، والأخرى لولي العهد - وفقه الله لكل خير -، ماذا ستقول في هاتين الرسالتين؟ - أدعو المولى القدير أن يأخذ بيد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ويوفقهما ومسيرتهما الجادة نحو تحقيق مستقبل مشرف بهذه البلاد وأرضها المقدسة وأبنائها البررة وكافة ربوعها الغالية.

مشاركة :