بلغت الملاسنات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي والحلفاء الغربيين مرحلة متقدمة من السوء، أمس، بعد الكشف عن هجمات معلوماتية استهدفت منظمات ودولاً غربية، وجهت على إثرها الاتهامات إلى روسيا بالمسؤولية عن الهجمات، لتتوالى بعدها البيانات والتصريحات ضمن حرب كلامية شديدة اللهجة.الزوبعة التي أثيرت الخميس لم تخرج عن سياق التوتر الذي يحكم العلاقة بين روسيا والغرب، وتحديداً حلف شمال الأطلسي، وأكدت أربع دول على الأقل، هي هولندا وبريطانيا وكندا وأستراليا، أن روسيا تقف وراء هذه القرصنة الإلكترونية، وذلك بعد أن ذهبت الاتهامات أول الأمر إلى كوريا الشمالية. وكشف المركز الوطني البريطاني للأمن المعلوماتي والحكومة الأسترالية أن مجموعات قرصنة معروفة ومقربة من السلطات الروسية مثل «فانسي بير» و«آي بي تي 28»، مسؤولة عن الهجمات الجديدة، بحسب ترجيحها. وبالمقابل تنفي روسيا هذه الاتهامات، وقال مندوب وزارة الخارجية الروسية إن «هوس التجسس لدى الغربيين يزداد قوةً»، بدليل أن الاتحاد الأوروبي صرخ بصوت واحد واصفاً ما جرى بأنه «عمل عدائي»، ومما زاد في تصعيد الموقف أن جانباً من الهجوم استهدف «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» في لاهاي، كشفت هولندا على إثره أنها طردت في إبريل/نيسان الماضي أربعة «جواسيس» روس، ليستمر التصعيد لاحقاً بدخول الولايات المتحدة على الخط، ولمحت بأنها قد تنسحب من معاهدة حول الأسلحة النووية أبرمت قبل ثلاثين عاماً خلال الحرب الباردة، إذا استمرت روسيا في «انتهاك» هذا الاتفاق، في حين أعلن وزير الدفاع جيم ماتيس أن بلاده ستضع إمكانياتها التكنولوجية في تصرف حلف شمال الأطلسي في التصدي للقرصنة المعلوماتية، بينما دخلت الآلة الإعلامية في العواصم الغربية بكل قوة شرحاً وتحليلاً، وصوت العالم كأنه يقف على حافة حرب عظمى، حتى نائب المدير العام في المعهد الملكي للخدمات المتحدة مالكولم تشالمرز، التابع لوزارة الدفاع البريطانية، لم يتوان عن اعتبار أنشطة أجهزة الاستخبارات العسكرية الروسية «تتجاوز بكثير التجسس التقليدي في وقت السلم»، ليضيف «من خلال إطلاق عمليات تخريبية تهدد الحياة في المجتمعات المستهدفة، فهي تمحو الخط الفاصل بين الحرب والسلام».من المهم التأكيد أن هذا التصعيد، لم يكن مفاجئاً، بل جاء نتيجة لأشهر من السجالات بين موسكو وعواصم غربية أهمها لندن، فقد وصف وزير الدفاع البريطاني روسيا بأنها «دولة منبوذة»، على خلفية قضية الجاسوس سيرجي سكريبال الذي وصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه «خائن وحقير»، ومن المهم الإشارة إلى أن هذا السجال لم يقتصر على الجاسوسية والقرصنة، بل تعداه إلى الاستراتيجيات العسكرية والانتشار المسلح. فقبل سنوات سخر الإعلام البريطاني من حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنيتسوف»، وفي مجلس الأمن توجه نائب المندوب الروسي سافرونكوف إلى المندوب البريطاني بقول شديد «أنظر في وجهي.. إياك أن تهين روسيا»، والخوف كل الخوف أن يستمر هذا التجاذب والاستقطاب وتحل الكارثة بالجميع.
مشاركة :