القرآن وحي باللفظ والمعنى ولم يدخله تغيير

  • 10/5/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من أبرز ما تحدث عنه المستشرقون كثيراً بهدف إثارة الشبهات والتشكيك في الإسلام موضوع «القراءات بالأحرف السبعة» محاولين إثبات أن القراءة عند نزول القرآن كانت حرة طليقة، وهم يستهدفون من وراء ذلك اتهام النص القرآني والعياذ بالله بعدم الصحة، وتعرضه للتغيير، نتيجة تسجيله بقراءات مختلفة لم تكن هي الصورة التي ورد بها الوحي أساساً، حسب زعمهم.وقد روج بعض المستشرقين لفكرة «القراء بالمعنى» في محاولة لإعطاء الشبهات حول «صحة القرآن» سنداً تعتمد عليه.الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري الأسبق يتصدى لهذه الشبهة المفتراة بالعديد من الحقائق، قائلاً: «إن اختلاف القراءات أمر ثابت لا ننكره، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أيضاً أن القرآن الكريم كان وحياً باللفظ والمعنى معاً، ومن أجل ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً كل الحرص على تسجيل الوحي فور نزوله، والعناية بحفظه في السجلات التي سطر فيها».كتَّاب الوحيويوضح في كتابه «الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري» أنه ليس صحيحاً ما يردده المستشرق «بلاشير» من أن فكرة تدوين الوحي لم تنشأ إلا بعد إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأن التدوين كان جزئياً وناتجاً عن جهود فردية، ومثاراً للاختلاف.فالثابت أن فكرة تدوين الوحي كانت قائمة منذ نزوله. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه.وقد بلغ عدد كتاب الوحي كما يذكر العلماء تسعة وعشرين كاتباً أشهرهم الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية، والزبير بن العوام، وسعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت.ويمضي الدكتور زقزوق في حديثه عن مسألة «الأوجه السبعة للقراءة»، مؤكداً أن الأمر فيها لم يكن متروكاً لأهواء النفس، وإنما كان محكوماً بما يُقرِئه الرسول صلى الله عليه وسلم للناس من أوجه للقراءة كان القصد منها التخفيف عن الناس في أول الأمر، فأذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه، أي على طريقته في اللغة إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد وتدربت الألسن، وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة، فعارض جبريل النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مرتين في السنة الأخيرة، واستقر على ما هو عليه الآن، وهذا ما عليه أكثر علماء المسلمين.والواقع الذي عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرناً هو تمسكهم الشديد بالمحافظة على الوحي القرآني لفظاً ومعنى. ولا يوجد مسلم يستبيح لنفسه أن يقرأ القرآن بأي لفظ شاء بزعم أنه يحافظ على المعنى. وليبحث المستشرقون اليوم في أي مكان في العالم عن مسلم يستبيح لنفسه مثل ذلك، وسيعييهم البحث.تفرد القرآنويتساءل الدكتور زقزوق: «لماذا هذا التشكيك في صحة النص القرآني وهم يعلمون مدى حرص المسلمين في السابق واللاحق على تقديس نص القرآن الكريم لفظاً ومعنى؟».ويقول: «إنهم يبحثون دائماً عن الآراء المرجوحة والأسانيد الضعيفة؛ ليبنوا عليها نظريات لا أساس لها من التاريخ الصحيح، ولا من الواقع».فنحن المسلمين قد تلقينا القرآن الكريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بدوره تلقاه وحياً من الله عز وجل. ولم يحدث أن أصاب هذا القرآن أي تغيير أو تبديل على مدى تاريخه الطويل، وهذه ميزة مهمة انفرد بها القرآن الكريم وحده من بين الكتب السماوية كافة، الأمر الذي يحمل في طياته صحة هذا الدين الذي ختم الله به سائر الديانات السماوية.وينقل الدكتور زقزوق ما أورده المستشرق الشهير «رودي بارت» في مقدمة ترجمته الألمانية لمعاني القرآن الكريم، وكأنه يرد على زملائه الذين راحوا يشككون في صحة النص القرآني... يقول «بارت»: «ليس لدينا أي سبب يحملنا على الاعتقاد بأن هناك آية في القرآن كله لم ترد عن محمد». ويشدد الدكتور زقزوق على أن لغة القرآن الكريم لها خصوصية التفرد، وقد عجزت فصاحة العرب وبلاغتهم وهم أصحاب الفصاحة والبلاغة عن محاكاة لغة القرآن.وقد تحداهم الوحي بأن يأتوا ولو بسورة من مثله، ولكنهم عجزوا عن قبول التحدي الذي لا يزال وسيظل قائماً إلى أن تقوم الساعة.فلو كان القرآن غير خارج عن العادة لأتوا بمثله أو عرضوا من كلام فصحائهم وبلغائهم ما يعارضه، فلما لم يشتغلوا بذلك عُلم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن أوزان كلامهم وأساليب نظمهم، وزالت أطماعهم عنه.آراء باطلةويضيف الدكتور زقزوق: «إذا جاء مستشرق وأطلق عبارات مريضة، وردد شبهات حاقدة واتهامات ساقطة عن القرآن فإننا نتساءل: من أين له هذه الأهلية لإصدار مثل تلك الأحكام على القرآن الكريم؟، إن العلم الذي يتحدث به هذا المستشرق أو ذاك لا يمكن أن يعطيه هذا الحق على الإطلاق، وكيف يستطيع غريب عن لغة القرآن أن يصل إلى إدراك ما ينطوي عليه القرآن الكريم من إعجاز وفصاحة وبلاغة أجبرت المشركين على الاعتراف بها، فراح مندوبهم «الوليد بن المغيرة» يردد بعد سماعه القرآن: «والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه...».وشتان بين موقف «الوليد بن المغيرة» وموقف هذا المستشرق أو ذاك، فالوليد قال ما قال عن تذوق سليم لبلاغة القرآن الكريم، أما «المستشرق» فمن أين له مثل هذا التذوق وهو مهما كانت براعته في العربية غريب عن هذه اللغة، وأجنبي عن روحها، وإن برع في معرفة ألفاظها.وهكذا يتضح لنا أن مثل تلك الشبهات والآراء المعادية للقرآن الكريم لا تستحق الوقوف عندها، أو الاهتمام بها، فلم يحدث في تاريخ المسلمين أن كان لأمثال تلك الآراء الباطلة أي تأثير على الإطلاق في توجيه معتقداتهم.

مشاركة :