لبنان قاب قوسين أو أدنى من هبوط الليرة

  • 10/5/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إيمان عطية | لطالما كانت المالية العامة في لبنان تشبه شيئا ما من «أليس في بلاد العجائب». يتساءل بعض المستثمرين الآن ما إذا كان «بيت الورق» على وشك الانهيار تحت وطأة عجز فوضوي عن سداد الديون السيادية. قال تقرير لصحيفة فايننشال تايمز ان الخلفية قاسية، إذ تعادل ديون الحكومة %153 من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ثالث أسوأ رقم في العالم بعد اليابان واليونان. تكاليف خدمة الدين وحدها تستنزف %44 من الايرادات الحكومية هذا العام، كما تتوقع وكالة «موديز»، وهو ما يعني ان فائض الميزانية الذي توقعه صندوق النقد الدولي عند %0.2 من الناتج المحلي الإجمالي يترجم إلى عجز حقيقي في الميزانية يبلغ %10.6 من الناتج الوطني. أشار تقرير فايننشال تايمز إلى أنه سيصل عجز الحساب الجاري في لبنان إلى حوالي %25.8 من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، وهذا على الرغم من النمو الاقتصادي البطيء بنحو %1.5، ولذلك ربما من غير المستغرب ان يقول الصندوق الدولي في يونيو ان «إجراء تعديل مالي فوري وكبير (خفض عجز الميزانية عن طريق خفض النفقات الحكومية أو زيادة الايرادات الضريبية، أو كليهما معاً)، أمر ضروري لتحسين القدرة على تحمل الديون». حقيقة ان لبنان بلا حكومة عاملة منذ الانتخابات العامة التي جرت في مايو أعاق حدوث أي تقدم نحو تحقيق هذا الهدف، مما دفع نبيه بري، رئيس مجلس النواب، إلى التحذير في الشهر الماضي من ان الوضع الاقتصادي «خطير للغاية»، وان لبنان في «العناية المركزة». كما ان الحرب الوحشية القائمة منذ سبع سنوات لا تزال مستعرة في سوريا المجاورة، وهو الصراع الذي تسبب بفرار ما يقدر بنحو مليون إلى 1.5 مليون لاجئ عبر الحدود، وهو عدد كبير في بلد يبلغ عدد سكانه 4.6 ملايين نسمة. لكن لكي نكون منصفين بحق لبنان، فإن القليل جداً من كل هذا جديد، فمنذ زمن طويل تحدت المالية العامة لهذا البلد المنطق ولم يتخلف أبداً عن سداد ديونه، حتى أثناء حرب أهلية دامت 15 عاماً والغزو الإسرائيلي، أو عندما تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي %180 في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية. تقول إليسا باريزي كابوني، وهي محللة بارزة في وكالة موديز: «لدى لبنان تاريخ في سداد الديون بشكل كامل وفي الوقت المناسب على الرغم من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية الشديدة محلياً أو في المنطقة». ومع ذلك، هناك مؤشرات على أن بعض المستثمرين، على الأقل، يعتقدون أن هذه المرة قد تكون مختلفة وأن مالية لبنان تغرق أكثر فأكثر في المجهول. وعلى الرغم من ارتفاع عائدات السندات في العديد من الأسواق الناشئة في الأشهر الاخيرة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، وقوة الدولار، فإن لبنان تعرض على نحو خاص لضربة شديدة. وقفز العائد على السندات اللبنانية المقومة بالدولار في مؤشر جيه بي مورغان EMBI بمعدل 3.3 نقاط مئوية إلى %10.3 منذ شهر ابريل، مما يجعل الفارق مع سندات الخزانة الاميركية لنفس الأجل أعلى 3 نقاط عند 7.3 نقاط. ونتيجة لذلك فإن الفارق على السندات الدولارية للبنان أعلى بكثير من نظيره في الأسواق الناشئة التي كانت محور اهتمام وسائل الإعلام مثل الأرجنتين وتركيا وأوكرانيا. يقول جايسون توفاي، كبير الاقتصاديين المتخصصين في الأسواق الناشئة في كابيتال ايكونومكس «رأينا عمليات بيع للسندات الدولارية بشكل حاد جداً، اتساع الفارق كان شديداً أكبر بكثير من معظم الأسواق الناشئة مما يشير إلى أن المستثمرين يزدادون خوفاً من أن البلاد تتجه نحو ازمة اقتصادية». واضاف «الفوارق في العائدات ليست بعيدة جداً عما رأينا في روسيا عام 1998 أو الاكوادور في عام 2008 عندما تعثر البلدان ومع ارتفاع تكلفة إصدار الديون فإن هذا يهدد المالية العامة ويجعلها غير مستدامة». كما ينعكس التوتر بشأن تعثر محتمل على مبادلة مخاطر الائتمان السيادية اللبنانية، مع ارتفاع تكلفة تأمين ديون البلد لاستحقاق خمس سنوات من 432 نقطة أساس في السنة إلى 693 نقطة أساس منذ أبريل. وارتفعت أسعار مبادلة مخاطر الائتمان السيادية لسنة واحدة، من 297 نقطة أساس في بداية أبريل إلى 854 نقطة أساس في الوقت الراهن، مما يشير إلى أن المستثمرين يخافون بشكل خاص من تعثر على المدى القريب. تصنيف سيادي سيئ بنك براون براذرز هاريمان، البنك الاستثماري الذي يتخذ من نيويورك مقراً له ويدير نموذج تصنيف سيادي لـ 99 دولة، وضع لبنان عند معدل 68.6 من 100 نقطة بفارق ضئيل عن مستوى 70 الذي يشير إلى تخلف مرجح عن السداد، بعد أن ارتفع بمقدار 4.8 نقاط خلال الأشهر الستة الماضية. فنزويلا فقط، المتعثرة بالفعل، لديها تصنيف أسوأ. يقول وين ثين، رئيس استراتيجية العملات في براون براذرز هاريمان إن لبنان في أسوأ فئة في كل شيء، وبعيداً عن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والموقف الاستثماري الدولي الإيجابي. «لا أستطيع رؤية انتعاش سريع». يشير نموذج البنك إلى تصنيف ائتماني عند – CCC حتى لو تمكن لبنان من البقاء خارج دائرة إمكانية التعثر، فإن وكالة ستاندرد آند بورز أكدت من جديد تصنيف لبنان عد – B مع نظرة مستقرة في أواخر أغسطس، تماشياً مع نظرائها في الصناعة. وأضاف ثين «وكالات التصنيف أكثر ثقة مما أنا عليه». ويبدو أن هناك عاملين رئيسيين وراء هذه المخاوف. أولاً، وافق ائتلاف من المانحين والمقرضين الدوليين، بقيادة المصرف الدولي للإنشاء والتعمير، في أبريل على تقديم 11مليار دولار من المنح والقروض الميسرة لتمويل الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الذي تشتد الحاجة إليها في لبنان لمعالجة نموه الاقتصادي الباهت. بيد أن تلك الأموال كانت مشروطة بخفض لبنان عجزه المالي بمقدار نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة، الأمر الذي كان يعتمد على قيام حكومة في بيروت. ومع هذا المأزق الذي لم يتم كسره بعد وسط مساومات حادة بين الأحزاب السياسية في البلد، لم يتم بعد صرف أي من هذه الأموال.أزمة سياسية «منذ الانتخابات ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري يعاني من أجل تشكيل حكومة جديدة. وهذا يعني أنه لم تبذل جهود، ان وجدت أصلا، لمحاولة تشديد السياسة المالية وتحقيق الاستقرار في المالية العامة. لم يكن هناك أي قيادة أو رقابة على الميزانية»، بحسب توفاي. وتقول كارلا سليم الخبيرة الاقتصادية المتخصصة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في بنك ستاندرد تشارترد، ان التأخير في تشكيل الحكومة «يثقل كاهل التوقعات الاقتصادية، حيث تباطأ زخم الاصلاح الذي بدأه مجلس الوزراء السابق». لكنها تضيف ان التأخير ليس بالشيء غير العادي في لبنان. وتشكل الخلفية الاقليمية الصعبة ايضا مصدر قلق للكثيرين، حيث يكون لبنان في أغلب الأحيان نقطة التوتر بين الكتلة السنية التي تقودها السعودية وبين حركة شيعية منافسة يقودها الايرانيون. تدفق الودائع لكن التدفق المستمر للودائع من الشتات اللبناني، الذي يتراوح بين 8 و20 مليون شخص، الى القطاع المصرفي في البلاد يسمح للبنان بتجميع دائرة تبدو مستحيلة وتمويل العجز في حسابه الجاري والميزانية. «يسيطر النظام المصرفي على معظم الدين العام، الذي يتم تمويله بدوره من خلال تدفقات الودائع. وهذا ما يطلق عليه «الحلقة المفرغة»، بحسب سليم. ويعيش العديد من المغتربين ذوي الأهمية القصوى في الخليج، ويميلون الى تحويل مدخراتهم الى الوطن حيث يعود معظمهم في النهاية الى بلادهم، نظرا لأن التجنيس غير ممكن في الخليج. ومع ذلك، يقول توفاي «الجغرافيا السياسية في المنطقة تتغير بطرق يمكن أن تعني توقف هذه التدفقات. فالولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي مع ايران وستزداد العقوبات على طهران في الأشهر المقبلة. من الواضح أن هناك خطرا مع أنه مع زيادةالعقوبات قد تحاول ايران إثارة التوتر في المنطقة. وتشير التجارب السابقة الى أنها قد تكون في أماكن مثل لبنان التي تقع على مرمى البصر». ويضيف «إذا قامت دول الخليج بطرد المواطنين اللبنانيين، فمن شأن ذلك أن يؤثر على التحويلات المالية بشكل كبير. حدوث تصعيد جديد للتوترات قد يجعل التخلف عن سداد الديون السيادية احتمالا حقيقيا». حتى من دون هذا السيناريو الكارثي، تراجعت ودائع العملاء غير المقيمين %3.2 في نوفمبر الماضي، عندما كانالحريري في الرياض، وفقا لأرقام البنك المركزي. بعد ذلك، ارتفعت ودائع العملاء غير المقيمين بنسبة %6.9 لتصل الى 36.6 مليار دولار في يونيو، لكن فقط بعد أن ارتفعت أسعار الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية بواقع 2 ــ %3 وفقا لوكالة موديز. إلا أن هذه الودائع انخفضت مرة أخرى في يوليو، وهو الشهر الأحدث الذي تتوافر فيه الأرقام. وكما يقول تيموثي آش، الخبير الاستراتيجي في شركة «بلو باي أسيت ماندمنت»، فإن هناك علامات تدل على أن تدفقات الودائع أصبحت «تتراجع». حتى لو استمر تدفق الودائع من المغتربين، إلا أن البعض يشعر بالقلق من أن توازن لبنان لا يمكن أن يستمر الى الأبد. هندسات مالية من أجل زيادة احتياطيات لبنان من العملات الأجنبية (توقع صندوق النقد الدولي ان تنخفض الى %38.8 فقط من الدين الخارجي قصير الأجل هذا العام)، وخفض تكلفة خدمة الدين العام المتراكم وتعزيز رأس مال المصارف، عمل مصرف لبنان على ما وصف بأنه «هندسة مالية». ينطوي ذلك على عملية مبادلة معقدة للديون بين الحكومة والمصرف المركزي والمصارف التجارية. ويخشى كل من باريزي كابوني وتوفاي من أن هذه العملية تنطوي على خطر زيادة القاعدة النقدية للبنان، الأمر الذي قد يؤدي الى زيادة التضخم. وهذا بدوره يمكن أن يعرض للخطر ارتباط الليرة بالدولار، الذي كان يقترب من حوالي 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار منذ منتصف التسعينات. وإذا ما تم كسر هذا الارتباط، فقد يصبح المغتربون مترددين في تحويل مدخراتهم الى الليرة اللبنانية، مما يضعف العملة أكثر، ويزيد من تكلفة خدمة الديون الدولارية، التي تصل إلى %50 من الناتج المحلي الإجمالي. وتساءل آش عن المدة التي يمكن للبنك المركزي ان يحافظ فيها على إدارة هذا الوضع، وحذر قائلاً «لقد استطاع مصرف لبنان الابقاء على عجلات العربة فقط من خلال اللجوء الى الكيمياء المالية التي ترقى إلى الأسلوب اللبناني للتسهيل الكمي، لكن تظل هناك شكوك حول المدة التي يمكن ان يستمر هذا الوضع مع تراجع الثقة». وأضاف توفاي: «ميزانيات لبنان كانت سيئة للغاية لفترة طويلة، لا يمكن بالتأكيد استبعاد قدرة لبنان على إيجاد طريقة لتجاوز الأمر، لكن المخاطر المحيطة بلبنان في الوقت الحالي مرتفعة للغاية، ولن يحتاج الأمر إلا إلى محفز صغير لإثارة أحداث تؤدي إلى تخفيض قيمة العملة والتخلف عن السداد».

مشاركة :