طهران – تفجّر القلق بين الإيرانيين من انهيار الزراعة بعد إقرار الحكومة بالمشاكل التي تعاني منها القطاع، والتي تمثّل آخر ملاذات الحياة في ظل العقوبات الأميركية. ودفعت الأزمات نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، إلى التحذير من أن بلاده يمكن أن تخسر 70 بالمئة من الأراضي المزروعة في العقود المقبلة في ظل تراكم المشاكل التي تعاني منها. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى جهانغيري، الذي يشغل أيضا منصب وزير البيئة، قوله “نحن نستخدم اليوم نسبة تفوق مئة بالمئة من الموارد المائية المتجددة، في حين تؤكد التوصيات الدولية ضرورة عدم استهلاك أكثر من 40 بالمئة منها”. وتتعرّض إيران للعديد من الكوارث البيئية التي تمتد من فترات جفاف طويلة إلى تلوث الهواء الذي يزحف من المدن الكبرى، إضافة إلى انجراف التربة والتصحر والعواصف الرملية. وتراكمت آثار تلك المشاكل على مدى سنوات طويلة دون جهود لمعالجتها، الأمر الذي ينذر بانهيار القطاع الزراعي وتضييق الخناق على إيران المعزولة بسبب العقوبات الأميركية. ويتزامن ذلك مع موجات غلاء جنونية في أسواق ومتاجر مختلف السلع في العاصمة طهران وأقاليم أخرى، حيث أحجم منتجون محليون عن الاستمرار في التصنيع أو الاستيراد بسبب كساد السوق. واعتبر علي رضا تارمي نجاد، أستاذ التكنولوجيا الحيوية الزراعية بجامعة شهيد مدني أن 50 بالمئة من الأراضي الزراعية بالبلاد تواجه معضلة الملوحة. وقال إن “أزمة الملوحة هي المسبب الرئيس لفقدان 20 بالمئة من إنتاجية الزراعة والمحاصيل، لا سيما في المناطق الجافة في البلاد”. ويتفق جهانغيري مع الخبير الزراعي في هذه النقطة. وقد حذّر بدوره، من أن الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية والموارد الباطنية يمكن أن تكون له عواقب اجتماعية رهيبة على البلاد. ورأى أن الوضع البيئي الحالي ناجم عن الضغط الديموغرافي والتغير المناخي، لكن أيضا بسبب “خيارات سيئة” سياسية وتقنية مثل تفضيل الزراعة المكثفة التي تستهلك الكثير من الماء. إسحاق جهانغيري: إيران لا يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لثمانين مليون مواطن إسحاق جهانغيري: إيران لا يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لثمانين مليون مواطن وأشار إلى أنه إذا لم تتحرك الحكومة سريعا خاصة في جنوب البرز، بجبال شمال إيران وشرق زاغروس بجبال غرب إيران، فستصبح الأراضي غير صالحة للزراعة. لكن في معظم الأماكن إذا ما تم تقليص استهلاك الماء سواء المياه السطحية أو الجوفية، يمكن ربما إصلاح الأضرار في غضون 30 أو 40 عاما. وتبدو المهمة الأولى، وفق جهانغيري، هي الحفاظ على الموارد الأساسية وهي الماء والأراضي، أما باقي المشاكل فهي نتيجة أخطاء بشرية يمكن إصلاحها. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، فإن إيران، التي تضم أكثر من 80 مليون ساكن “بلد زراعي أساسا”. وترى طهران أن بعض الخيارات السيئة السابقة تفسر جزئيا بـ”ضغوط خارجية”. ويشير بذلك إلى العقوبات الاقتصادية الأميركية أو الدولية التي تعرضت لها طهران بعد الثورة في عام 1979، إضافة إلى الحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي. ووفق جهانغيري، فإن إيران، التي عُزلت خلال ذلك النزاع من العالم، لم تتمكّن من الاهتمام بـ”التنمية المستدامة” فقد كان عليها توفير الغذاء بأي ثمن للمواطنين وإقامة قطاعات صناعية كبيرة لم تكن متوفرة. وضمن القرارات السيئة الأخرى، تمت إقامة منشآت تستهلك الكثير من الماء في الأراضي الساحلية وتوسع الزراعة في المناطق القاحلة وإقامة سد حيث لا يجب أن يشيّد. وتعلّق طهران آملا كبيرة على التكنولوجيا التي تتيح استخداما أفضل للموارد المائية وإنتاج ما هو أكثر بما هو أقل مع الإشارة إلى أن تعزيز العقوبات الأميركية على إيران يمكن أن يعاكس هذه الخطط. ولا تخفي السلطات انشغالها بالمسالة الديموغرافية. وشهدت سياسة إيران في هذا المجال عدة مراحل منذ 1979. فقد تبنّت سياسة تشجيع الولادات في عقد الثمانينات، ثم شجعت مراقبة الولادات في التسعينات قبل أن تنصح بزيادة الولادات مع نهاية عقد الألفين. واعتبر جهانغيري أن إيران لا يمكنها بالتأكيد “تحقيق الاكتفاء الذاتي على المستوى الغذائي لثمانين مليون” ساكن “إذا أردنا اتباع سياسة تنمية مستدامة”. وقال إن إيران يمكنها “أن تستجيب بشكل كامل ودائم لحاجات 50 إلى 55 مليون ساكن مع تكنولوجيا متطورة وزيادة الإنتاجية”.
مشاركة :