تجنب الإرهاق المالي من كثرة الإصلاح

  • 10/7/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تمت تقوية القطاع المالي بدرجة كبيرة في السنوات العشر التي أعقبت انهيار بنك ليمان براذرز وما أسفر عنه من اشتعال أزمة اقتصادية هي الأكثر حدة منذ الكساد الكبير. وأدى ذلك إلى تخفيض مخاطر وقوع أزمات أخرى، مع كل ما صاحبها من مشكلات - البطالة واسعة النطاق، وغلق الرهونات، وحالات الإفلاس - لكن مخاطر جديدة ظهرت، وهي مخاطر الإرهاق من كثرة الإصلاح. وبينما تتوارى ذكريات الأزمة، يزداد شعور الأطراف المشاركة في الأسواق المالية وصناع السياسات والناخبين بالضجر من الدعوات المطالبة بقواعد تنظيمية جديدة، بل إن بعضهم يطالب بالتراجع عن الموجود منها. وهناك سبب وجيه يدعو لمقاومة هذه الضغوط. فجدول أعمال الإصلاح الذي يهدف إلى منع وقوع أزمة مالية أخرى لم ينفذ بالكامل بعد، وهناك مخاطر جديدة تواصل الظهور لتشكل خطرا على الاستقرار المالي العالمي. وسيكون التعاون الدولي ضروريا لاستكمال جدول الأعمال المقرر ومواجهة التحديات الجديدة، طبقا للفصل الثاني في آخر عدد من تقرير الاستقرار المالي العالمي. نظام مالي أكثر أمانا لا شك أن النظام المالي أكثر أمانا. فالبنوك تتمتع برؤوس أموال وقائية أكبر وأفضل لاستيعاب الخسائر، كما أصبحت أقدر على تحويل الأصول إلى سيولة في فترات الضغوط. وتستخدم البلدان اختبارات تحمل الضغوط للكشف على صحة البنوك الكبرى، كما أنشأت هيئات للإشراف مهمتها مراقبة المخاطر المحيطة بالنظام المالي. ولا يزال مزيد من العمل مطلوبا في هذا الصدد. وعلى وجه التحديد، ينبغي الانتهاء من تنفيذ ما يسمى "نسبة الرفع المالي" التي تقيد قدرة البنوك على التوسع المفرط في فترات الانتعاش، ويجب على الأجهزة الرقابية أن تتجنب إضعاف الإشراف على البنوك الكبرى التي يمكن أن يشكل فشلها خطرا على النظام المالي. ما المجالات الأخرى التي ينبغي أن تركز السلطات اهتمامها عليها في الفترة المقبلة؟ • السيولة: قام كثير من الشركات المالية قبل الأزمة باقتراض أموال لآجال قصيرة من أسواق الجملة لتمويل أصول أطول أجلا. وحين وقعت الأزمة، عجزت عن تمديد القروض قصيرة الأجل، ما اضطرها إلى بيع الأصول بأسعار بخسة. وعلى أثر ذلك، قامت لجنة بازل للرقابة المصرفية، وهي جهة عالمية مختصة بوضع المعايير، باستحداث ما يطلق عليه اسم "نسبة تغطية السيولة " LCR و"نسبة صافي التمويل المستقر " NSFR والغرض من ذلك هو تشجيع البنوك على حيازة مزيد من الأصول السائلة على سبيل الوقاية من أي هبوط مفاجئ في التمويل، وتحقيق درجة أفضل من الاتساق بين آجال استحقاق أصولها وخصومها. وقد اعتمد معظم البلدان نسبة تغطية السيولة، لكن نسبة صافي التمويل المستقر لا تزال عملا قيد الإنجاز. • التنظيم الاحترازي الكلي: أنشأت بلدان كالهند والولايات المتحدة هيئات مكلفة بمراقبة المخاطر النظامية واحتوائها لكن هذه الهيئات تفتقر في معظم البلدان إلى الصلاحيات والأدوات الكافية لكبح التراكم المفرط للرفع المالي وأوجه عدم الاتساق في الشركات غير المالية والأسر، وينبغي أيضا تحسين التعاون عبر الحدود في تبادل البيانات والمخاطر النظامية. • صيرفة الظل: حققت البلدان تقدما في الإشراف على ما يطلق عليه اسم "بنوك الظل"، مثل شركات إدارة الأصول، وتقدما أقل في إخضاعها للتنظيم الاحترازي. لكن الأمر يتطلب مزيدا من الجهود، كما أن النمو السريع لصيرفة الظل في كثير من البلدان، ومنها الصين والأسواق الصاعدة، يمكن أن يفرض مخاطر على أجزاء أخرى من النظام المصرفي. • تسوية أوضاع البنوك المتعثرة: تسببت العمليات المكلفة لإنقاذ البنوك الكبيرة بأموال دافعي الضرائب أثناء الأزمة في إحداث ردة فعل مناهضة على المستوى الشعبي، رغم أنها ساعدت على تحجيم الأضرار على النظام المالي. وبعد الأزمة، اعتمدت البلدان إجراءات تسهل إغلاق البنوك الكبيرة أو تسوية أوضاعها المتعثرة بصورة تفرض تكاليف أكبر على المساهمين وتحد من استخدام الأموال العامة. لكن تقدما أقل قد تحقق في وضع أنظمة لتسوية أوضاع شركات التأمين المتعثرة، وهناك صعوبة خاصة ينطوي عليها التعاون عبر الحدود لمعالجة فشل أكبر البنوك في العالم. تلك هي بعض الثغرات المتبقية في جدول الأعمال التنظيمي في فترة ما بعد الأزمة. لكن مخاطر جديدة بدأت تظهر أيضا، ومنها خطر الهجمات الإلكترونية المزعزعة للاستقرار على الشركات والبورصات المالية. وهناك تحديات تفرضها أيضا التكنولوجيات المالية الجديدة، رغم أنها تتيح منافع مثل المدفوعات الإلكترونية الأسرع والأقل تكلفة. ويجب على الأجهزة التنظيمية أن تسعى لتشجيع الابتكارات المفيدة مع الوقاية من المخاطر التي يمكن أن تضخم الصدمات على النظام المالي. وهنا أيضا، سيكون التعاون الدولي ضروريا، نظرا لسرعة انتشار التكنولوجيات المبتكرة عبر الحدود. وفوق ذلك كله، يجب على الأجهزة التنظيمية أن تتجنب التراخي. وليس في الإمكان تقليص احتمالات الأزمة إلى الصفر، ولا ينبغي لنا السعي لذلك. ولكن بعد خبرة عشر سنوات في تنفيذ الإصلاحات الجديدة، حان الوقت لتقييم آثارها في الاقتصاد الأوسع، حتى تستطيع الأجهزة التنظيمية تقدير ما إذا كانت هناك موازنات بين التكاليف والأعباء التي تفرضها القواعد الجديدة من ناحية والمنافع المترتبة على زيادة الأمان من ناحية أخرى. ويجب عليها الانتباه إلى أن المخاطر غالبا ما تنشأ أثناء فترات الازدهار، وأنها تنتقل إلى أركان جديدة غير متوقعة في النظام المالي. ومن ثم يجب ألا تنزلق إلى خوض حرب لا تختلف عن حربها السابقة.

مشاركة :