المجتمع التركي يقاوم تغييرات أردوغان الجذرية

  • 10/8/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أنقرة - تميزت تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ تسلمه الحكم في البلاد، وخاصة خلال حملته الانتخابية الأخيرة التي تمكّن فيها من الفوز بولاية جديدة نصّب عبرها سلطانا عثمانيا جديدا على تركيا بعد بتجدّد محاولاته لإعادة تشكيل المجتمع التركي والزج بشبابه في التدين في خطوة لكسر المدرسة الأتاتوركية التي تربى عليها الأتراك طيلة عقود. آخر تحركات أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الذي يخطط الاستراتيجيات لآليات اختراق المجتمع تمثّلت حتما في محاولات استبدال مناهج التعليم المدنية وسن برامج تعليمية إسلامية، وهو ما أثر حفيظة كل المنتقدين له خاصة من أحزاب المعارضة. ورغم امتلاك أردوغان لكل السلطات الحكومية للسيطرة على المجتمع، إلا أن محاولاته وفق العديد من المتابعين اصطدمت بلا شك برفض مجتمعي لكل أفكار الرئيس العثمانية. منذ وصوله إلى سدة الحكم ما انفك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطوة حالمة بإعادة الإمبراطورية العثمانية يحاول تشكيل المجتمع التركي من جديد والدفع به بصفة تدريجية نحو الأسلمة، وذلك بعد أن استهدف وحزبه العدالة والتنمية عدة مجالات تبقى من أهمها مناهج التعليم وكل ما يتعلق بالعبادات والمعتقدات لدى الأتراك المسلمين. في هذا السياق نشر موقع “وورلد بوليتيك ريفيو” في مقال لصاحبه ويليام ارمسترونغ، أنه يجري بناء مسجد جديد على الطراز العثماني التقليدي في ساحة تقسيم المركزية في إسطنبول، وأنه من المقرر الانتهاء منه في وقت لاحق من هذا العام، وهو يعتبر واحدا من الآلاف من المساجد الجديدة التي تنتشر الآن في أنحاء تركيا. و بناء المساجد في ساحة تقسيم أمر رمزي، يدل بوضوح على استيلاء أردوغان على المشهد السياسي . ورغم حملة المعارضة النشطة، ظل أردوغان هو المرشح المفضل في الانتخابات الرئاسية، لكن قد لا تكون الأمور بهذه البساطة. فالمجتمع التركي اليوم أصبح أكثر تطورا من أن يعاد تشكيله بالكامل على يد رجل واحد. ومنذ أن أصبح ميدان التقسيم مسرحا لتحديث الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، سعت أجيال ذات قناعات وأيديولوجيات مختلفة إلى تغيير الساحة بما يتوافق مع نظرتها للعالم. ففي عام 1928، أي بعد مرور خمس سنوات على تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، تم بناء النصب التذكاري للجمهورية في تقسيم، وكان يمثل رمزا للنظام القومي الجديد للمؤسس مصطفى كمال أتاتورك. ثم خضعت الساحة في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، إلى إعادة تصميم شاملة من قبل المخطط الفرنسي هنري بروست، والذي أنشأ في الساحة طرقا كبيرة وحدائق ومنتزهات ومباني عصرية تغلف الروح العلمانية للقضية الكمالية. وقال موسيلا يابيشي، وهو مهندس معماري في منصة تكافل تقسيم، وهو تحالف من جماعات المصالح، مؤخراً للإعلام التركي “تعتبر ساحة تقسيم مثالا للعلمانية والليبرالية”. ويحظى ميدان تقسيم أيضا بأهمية كبرى بين المحافظين المتدينين. حيث اشتعلت مظاهرات “منتزه غيزي” في صيف عام 2013 في معارضة خطة مدعومة من أردوغان لتدمير المنتزه وإعادة بناء الثكنات العثمانية التي كانت في مكانها. وكانت هذه الثكنات تحمل معنى رمزيا، وذلك لأنها كانت موقع تمرد عثماني اشتعل في عام 1909 ضد الحقبة الدستورية الثانية. وفي كتابه “العمارة والمدينة التركية: التاريخ الحضري في إسطنبول منذ العهد العثماني”، يصف مراد غول الأستاذ في جامعة إسطنبول التقنية، أيضا كيف أن الدوائر الدينية “عملت بلا كلل منذ خمسينات القرن الماضي على إنشاء مسجد في ساحة تقسيم، اعتقادا منها أنه سيكون رمزا للهوية الإسلامية ونصرا رمزيا للحركة الإسلامية السياسية”. وبالتالي فإن إنشاء هذا المسجد الجديد في الميدان يمثل وفاء أردوغان لرغبة الإسلاميين الأتراك القديمة. وهذا لم يشمل إسطنبول فقط؛ حيث فرض أردوغان سيطرته على جميع مجالات الحياة في تركيا. المجتمع التركي اليوم أصبح أكثر تطورا من أن يعاد تشكيله بالكامل على يد رجل واحد مثل الرئيس رجب طيب أردوغان وخضعت مؤسسات الدولة، التي لطالما تخللتها مختلف الفصائل الأيديولوجية في جميع أنحاء التاريخ التركي الحديث، تدريجيا لإرادة أردوغان منذ أن تولى المنصب لأول مرة في عام 2003 كرئيس للوزراء، وخاصة منذ أن أصبح رئيسا في عام 2014. وفي ظل حالة الطوارئ المستمرة، التي أُعلنها أردوغان بعد محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016، استطاع أن يحكم من خلال القرارات التي تمنح القوة الكاملة للقانون. وأطلق عليه مؤيدوه اسم “الريّس” أو “الرئيس”. وتحولت محاولات الحكومة الرامية إلى تشكيل المجتمع التركي وفقا لمبادئ حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة إلى التعليم والأسرة والسياسة الثقافية. وتم إغداق مديرية الشؤون الدينية بالأموال، والتي عملت على الترويج للفكر السني في جميع أنحاء تركيا، وحظيت الآن بميزانية سنوية تزيد على 4 مليارات ليرة تركية (أي حوالي 890 مليون دولار)، مما جعلها أغنى من معظم الوزارات الأخرى. وأعلن أردوغان عن هدفه الذي يرمي إلى تنشئة أجيال تقية ورعة. وبطريقة تقليدية شعبوية يمينية، وضع هذا الأمر في شكل عودة إلى نظام تركي أكثر أصالة وانسجاما، مستنكرا التيارات الليبرالية والعلمانية واعتبرها تيارات غريبة وغير مرغوب فيها. إلا أن الاتجاهات طويلة الأجل تشير إلى أن المجتمع التركي قد لا يسلك طريقا إسلاميا متجانسا، حيث انشغل الكثيرون في وسائل الإعلام التركية المحافظة بالنقاش المكثف حول تزايد عدد الشباب المحافظين الأتراك الذين ابتعدوا عن المعتقدات الإسلامية التقليدية. واستندت هذه المخاوف على تقرير صدر في أوائل أبريل أعده الفرع المحلي لوزارة التعليم في مدينة قونية بوسط الأناضول، حيث حذر الاستطلاع الذي تم عمله على طلاب المدارس الدينية التابعة للدولة، والمعروفة باسم مدارس “إمام خطيب” من أن “الشباب ينزلقون إلى الربوبية”، في إشارة إلى الإيمان بإله لا يتدخل في الأمور الدنيوية. ومن خلال التشكيك في عقيدتهم ومعايشتهم للتناقضات في المعتقدات الإسلامية التقليدية، فإن العديد من الشباب الأتراك يميلون نحو فهم أكثر شخصية وأقل مؤسسية للدين. وقد تكون ظاهرة “الربوبية” أمرا مبالغا فيه، لكن حقيقة أنها أثارت مثل هذا القلق تشير إلى انعدام الأمن بين الإسلاميين في تركيا. وتأثرا بقوة التحضر المتزايدة، تراجع معدل المواليد في تركيا بثبات على الرغم من تحفيز أردوغان للنساء بإنجاب “ثلاثة أطفال على الأقل”. كما ارتفعت معدلات الطلاق بشكل متزايد كل عام. وتدعمت الدلائل على رفض خطط اردوغان حين وجد استطلاع أخير أجراه مركز “التقدم الأميركي ومقدم استطلاع الآراء التركي” أن الشباب الأتراك، بما في ذلك أنصار حزب العدالة والتنمية، لا يعتبرون الدين الإسلامي الآن محور حياتهم ودليل قوميتهم.

مشاركة :