المثقفون العراقيون يفتحون ملف التظاهرات بوصفها خطابا ثقافيا

  • 10/8/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شارك عدد من الباحثين والأكاديميين العراقيين في الندوة الثقافية التي أقامها منبر العقل في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين بعنوان “التظاهرات بوصفها خطابا ثقافيا”، حيث أثار المشاركون عديد الأسئلة التي تخصّ توصيف هذه التظاهرات التي عمّت أكثر المدن العراقية، وطبيعة مرجعياتها الشعبية والثقافية، وما تركته من علامات فارقة حول إشكاليات مفاهيمية لها علاقة بموضوعات “التحول الديمقراطي” والدولة والهوية، والجماعة، وعلاقة هذه التظاهرات الاحتجاجية برثاثة المشروع الوطني وضعف بنايته، وهشاشة القوى السياسية الجديدة في تمثيل معطيات هذا التحول، في سياق الدعوة إلى الدولة المدنية، أو في سياق مواجهة مظاهر الفساد والمحاصصة الطائفية، وفشل التعاطي مع موضوع تأهيل “الاجتماع العراقي” للمغايرة وللقبول بالآخر، ولتنشيط البنى المؤسسية للدولة في سياق بناء وحداتها التعليمية والصحية والخدماتية والحقوقية. تغيير معادلات السلطة والثروة هو المحور الذي تحدّث عنه الدكتور رائد فهمي في سياق ما يمكن أنْ تفرزه التظاهرات الشعبية، والتي يمكنها أن تؤثر على حياة الناس، والذي يجب أن يكون عنوانا ثقافيا لإشاعة قيم المواطنة، والمشاركة، ولتبني خطاب الإصلاح الإداري والسياسي، ولكي تكون فكرة الدولة هي المجال الحقوقي والثقافي الذي يؤطر عمل الاجتماع العراقي، ويُعطي للتظاهرات هويتها بعيدا عن توجهات المصالح والاحتواء، فضلا عن أهمية التحليل الثقافي للشعارات واليافطات التي حملها الجمهور التظاهري، والتي تعكس في جوهرها وعيا نقديا عميقا. وأثار الباحث الدكتور رسول محمد رسول المقيم في دولة الإمارات العربية جدلا حول صدمة التظاهرات، وأهميتها في تحريك الساكن السياسي والاجتماعي، إذ تحولت هذه التظاهرات إلى مصدر إلهام لكثيرٍ من الجماعات العراقية للتصريح بـ”المسكوت عنه” والذي حاولت قوى الإسلام السياسي عزله وتهميشه، وفرض سياسة الأمر الواقع، فما جرى في التظاهرات هو تحوّل مهم في مسارات الوعي الاجتماعي، وفي التصريح العلني بنقد الظاهرة السياسية، وفي فشل السياسيين وعجزهم عن الالتزام ببرامجهم وبطروحاتهم السياسية. وفي هذا السياق تحدث الدكتور علي المرهج أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية عن علاقة التظاهرات بالوعي الاجتماعي، ومدى فاعلية هذا الوعي في إثارة الجدل حول المشكلات العميقة التي يعاني منها العراقيون منذ الاحتلال إلى يومنا هذا، وما التظاهرات التي تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية إلّا تعبير عن هذه المتغيرات، وعن استشراف أفق جديد للتحول، ولمواجهة أزمات التنمية، ومظاهر الفشل السياسي والإداري، والذي أعطى للحراك الاجتماعي بُعده النقدي والشعبي في تعرية ثقافات الهيمنة والتمركز حول الإسلام السياسي، وحول أوهام الطائفية والجماعوية. التظاهرات الواسعة تعكس رفضا شعبيا للخطاب السياسي السائد، وتدعو إلى ضرورة التغيير، وحتى المواجهة مع القوى التي تحمي الفساد والفاسدين الاشتباك ما بين السياسي والطائفي هو المدخل الذي حاول الباحث محمد عطوان أستاذ العلوم السياسية في جامعة البصرة إثارته، من منطلق أنّ الخلط ما بين الطائفي والسياسي قد يكون من أكثر المعوقات التي تواجه الحراك الاجتماعي، فهذا الخلط يعكس أزمة التوصيف الثقافي للتظاهرات، وعن الكيفية التي يكون فيها دور حقيقي لـ”الأنتلجنسيا” العراقية. فما حدث يبدو أكثر استغراقا بالحساسية الشعبية، وإن المثقف العراقي كان بعيدا عنه، حيث يعيش محنة عزله وهامشيته، لا سيما وأنّ ما جرى في البصرة من تظاهرات في الشهر الماضي عبّرت في جوهرها عن جوهر هذه الحسياسية، وعن رفضها لتعويم كثيرٍ من المشكلات التي تخصّ البنى الخدماتية والصحية في المدينة. وعن فاعلية التظاهرات ودورها في التحشيد والاحتجاج تحدّث الدكتور حازم هاشم أستاذ النقد في جامعة ذي قار، إذ أكد على ضرورة عدم فصل هذا التحشيد عن الحاجة إلى الوعي، والى مسؤولية ربط الحاجات الوطنية بمشروع واستراتيجيات التنمية، لأن تكامل هذه الحلقات هو المجال الذي يعزز مسار التحول البنائي، والذي يمكن أنّ يلبّي بعض حاجات الجمهور الرافض للفشل البنائي والسياسي والخدماتي، فضلا عن ضرورة نقد كثير من مظاهر الأسلمة السياسية وشعاراتها في الاحتواء أو تهميش الجانب الإصلاحي الحقيقي في هذه التظاهرات. وأشار الدكتور قيس ناصر أستاذ العلوم السياسية في جامعة البصرة إلى هوية هذه التظاهرات في مدينة البصرة، والتي وضعها في سياق تحولات عفوية وأخرى غير عفوية، لا سيما وأنّ بعضها قد تحوّل إلى احتجاجات عنفية طالت مقرّات الأحزاب السياسية، وهو ما يعكس نزوعا لتجاوز المظاهر السلمية، والتعاطي العنفي في النظر إلى طبيعة الخطاب السياسي، والذي يعني توصيل رسائل مهمة على مستوى صياغة الرأي العام، أو على مستوى الضغط على السياسيين لإعادة النظر بممارساتهم غير المسؤولة وفي أطر عملهم. واختتم فعاليات هذه الندوة الدكتور أحمد مهدي الزبيدي أستاذ النقد في الجامعة المستنصرية بالحديث عن تعالق الفعل الثقافي كخطاب مع التظاهرات كفعالية اجتماعية، وهو ما يعني الحاجة إلى أهمية التأطير الثقافي للحراك الاجتماعي على مستوى العناوين والخيارات، ولتوضيح كثير من الصور التي تخصّ ما هو مطلبي وما هو ثقافي وسياسي، لأن هذه التظاهرات الواسعة تعكس رفضا شعبيا للخطاب السياسي السائد، وتدعو إلى ضرورة التغيير، وحتى المواجهة مع القوى التي تحمي الفساد والفاسدين، وهو ما يعني أهمية الحضور الثقافي والإعلامي لإثارة أسئلة التنوير والإصلاح والتغيير.

مشاركة :