يعاني كثيرون من مرضى الرجفان الأذيني اضطرابات في المزاج مثل القلق والكآبة. فهل تسهم علاجات هذه الحالة تحديداً في التخلص من أعراض مماثلة؟ تشير دراسة جديدة إلى أن هذا أمر ممكن. يرتبط الرجفان الأذيني بضائقة نفسية، لكن علاج حالة القلب هذه قد يحسّن أيضاً الأعراض النفسية. الرجفان الأذيني حالة شائعة تتصف بنبض قلب غير منتظم. تُظهر الدراسات أن نحو ثلث مَن يعانون هذه الحالة يصابون أيضاً بأعراض الكآبة والقلق. انطلاقاً من هذا الدليل، قرر باحثون من أستراليا التحقق من كيفية تأثير علاجات الرجفان الأذيني المختلفة في مستوى الضائقة النفسية لدى المرضى. نُشرت نتائج الدراسة، التي أشرف عليها جوناثان كالمان من مستشفى ميلبورن الملكي، أخيراً في مجلة جمعية القلب الأميركية. أي علاج يحسّن صحة العقل؟ عمل الباحثون مع مجموعة من 78 مشاركاً تلقوا نوعاً من العلاج للرجفان الأذيني. راقب الفريق مستويات المشاركين من الكآبة والقلق وقيموا خصال شخصياتهم وأخذوها في الاعتبار. من بينهم، خضع 20 لجذ القلب، وهي جراحة يُتلف خلالها نسيج القلب الذي يسبب نبض القلب غير المنتظم أو يُستأصل. أما الثمانية والخمسون المتبقون، فقرروا أخذ أدوية تنظّم نبض القلب وتحول دون تشكّل الجلطات الدموية. في مستهل الدراسة، ذكر 35% من المشاركين أنهم يعانون أعراض قلق حاد وضائقة نفسية. كذلك أشار 20% آخرون إلى أن أفكاراً انتحارية تراودهم. بعد سنة من بدء الدراسة، أفاد مَن اختاروا جراحة الجذ أنهم اختبروا معدلات أدنى من الكآبة والقلق، مقارنةً بمن اختاروا الأدوية كعلاج. كذلك أشار عدد أكبر ممن خضعوا لهذه الجراحة إلى أنهم ما عادوا يعانون أفكاراً انتحارية، إذ تراجع عدد مَن راودتهم هذه الأفكار خصوصاً من ستة إلى واحد بين هذه الفئة من المشاركين. يعتقد كالمان أن هذه الاكتشافات الجديدة «[تبرهن] أن علاج الرجفان الأذيني بفاعلية يحد على نحو ملحوظ من الضائقة النفسية». يضيف: «لا يعي كثير من خبراء القلب هذا التأثير النفسي. ولكن من المهم أخذه في الاعتبار»، خصوصاً عند تحديد العلاج الأفضل للرجفان الأذيني. الحالات المزمنة تبين أن أنواع شخصيات المشاركين أدّت دوراً في تحديد ما إذا كانوا سيعانون ضائقة نفسية وأفكاراً انتحارية أو لا. كان مَن أعربوا عن شخصية من النمط D أكثر عرضة للقلق والكآبة. يتصف نوع الشخصية هذا باستعداد مسبق للشعور بالإجهاد، والغضب، والتشاؤم، ما ارتبط بدوره بتحقيق نتائج أسوأ عند الإصابة بحالة قلبية. امتلك 35 شخصاً من المشاركين عموماً شخصيات من النمط D. توضح الدكتورة ديمبي باتيل، باحثة متخصصة في الرابط بين القلب والعقل تعمل في مركز نيو هانوفر الطبي الإقليمي في ويلمينغتون بنيويورك، أن العلاقة بين حالات القلب والضائقة النفسية مهمة، مع أنها لم تخضع لدراسة كافية. تتابع: «يجب أن يدرك المرضى أن العلل الجسدية تؤدي إلى أعراض نفسية. ومن الضروري الإقرار بالاضطرابات الجسدية والنفسية على حد سواء والتحكم فيهما بغية تمتع المريض بنوعية حياة جيدة وربما تفادي حتى أسوأ النتائج». صحيح أن البحث الجديد يقدّم أدلة إضافية على أن صحتَي القلب والعقل مترابطتان بشكل وثيق، إلا أن الدكتورة باتيل تؤكد أن هذه العلاقة تظهر أيضاً مع كثير من الحالات الأخرى غير الرجفان الأذيني. وتشدد الدكتور باتيل: «من المهم أن نشير إلى أن الضائقة النفسية، والكآبة، والقلق، وأحياناً الأفكار الانتحارية لا تقتصر على الرجفان الأذيني، بل ترتبط أيضاً بأمراض مزمنة كثيرة مثل الداء السكري، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وقصور القلب الاحتقاني». تختم: «على الأطباء توسيع مقاربتهم في علاج أي مرض مزمن لتشمل التشديد على خير المريض النفسي. فهذه تشكّل، في رأيي، ممارسة لطب جيد ومتعاطف».
مشاركة :