هل تقبل خوض اختبار كشف الكذب في مقر عملك؟

  • 10/9/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مصدر الصورةGetty Images خلال جلسات الاستماع السابقة لتعيين بريت كافانو بالمحكمة العليا الأمريكية، وهي الجلسات التي تابعتها وسائل الإعلام بكثافة خلال الأيام الأخيرة، وردت عبارة "كشف الكذب" مرات عدة. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد رشح كافانو لعضوية المحكمة العليا، وهو المنصب الذي يشغله القاضي مدى الحياة. وتحظى المحكمة العليا بأهمية كبيرة، إذ يعود لها القرار الأخير فيما يتعلق بقضايا مثيرة للجدل كالإجهاض وزواج المثليين، وقد مضت فترة طويلة قبل التصديق على تعيين كافانو بسبب مزاعم حول تعديه جنسيا على فتيات قبل عشرات السنين. قصة مليارديرة عصامية كان معظم أصحاب العمل يرفضون توظيفهاخمس حقائق مدهشة عن الشعور بالوحدة وخلال جلسات الاستماع أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي، ورد ذكر اختبار كشف الكذب أكثر من مرة. وكما يدل الاسم فاختبار كشف الكذب من المفترض أنه يكشف عما إذا كان شخص ما يقول الحقيقة أم لا، ويحدث ذلك عبر رصد استجابات فسيولوجية قد تطرأ مع توجيه أسئلة للخاضع للاختبار، كأن يشهد ضغط دمه ارتفاعا. وفي إطار المزاعم ضد كافانو، ورد أن كريستين بلازي فورد خضعت لاختبار لكشف الكذب وأرفقت نتيجته بالدعوى التي تتهم فيها هذا القاضي بأنه تعدى عليها جنسيا، عندما كانت في المرحلة الثانوية. ولم يخضع كافانو لاختبار لكشف الكذب، ونفى تلك المزاعم ضده بالكامل. وكثيرا ما يستعان باختبارات كشف الكذب في الولايات المتحدة في التحقيقات الجنائية أو في إطار تحريات الشرطة أو تلك التي تقوم بها هيئات حكومية أخرى. وخلال جلسات الاستماع المتعلقة بالتصديق على تعيين كافانو للمنصب، وصف أعضاء بمجلس الشيوخ تلك الجلسات بأنها بمثابة "مقابلة عمل" على أعلى مستوى.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption خلال اختبار لكشف الكذب في موسكو عام 2007، حين عارض نشطاء لحقوق الإنسان في روسيا مشروع قانون يسمح للشركات بإخضاع موظفيها لاختبارات لكشف الكذب وتحظر كثير من البلدان اللجوء لاختبارات كشف الكذب في إطار التقدم لوظيفة وفي سياقات أخرى، ولكن مع انتشار ظاهرة تتبع بيانات الأفراد والتدقيق في شؤون الموظفين، دعونا نفترض لوهلة أن جهة عمل ما طلبت منك إجراء اختبار لكشف الكذب في إطار الحصول على وظيفة جديدة - فهل تقبل بذلك؟ ولو كان الهدف هو تعيين أفضل مرشح للوظيفة على الإطلاق، فما الضير في ذلك؟ وإذا لم يكن لدى المتقدم ما يخشاه أو يرغب في إخفائه، فما المشكلة؟ ماذا عن القانون؟ تتوقف قانونية الأمر من عدمه على بلد الموظف والإطار التشريعي الذي يخضع له. وكما قلنا، فالقانون في العديد من البلدان يحظر ذلك. وفي الولايات المتحدة، يحظر قانون حماية الموظف من اختبارات كشف الكذب، الذي صدر عام 1988، اللجوء لتلك الاختبارات (مع وجود استثناءات تتعلق بوظائف تخدم قطاعات حكومية وأمنية واستخباراتية محددة). وهناك بلدان أخرى، ومنها جنوب أفريقيا، لم تقر قوانين لحماية الموظف من الخضوع لاختبارات كشف الكذب. وفي إسرائيل مسموح بإجراء تلك الاختبارات في مراحل الاختيار بين المتقدمين لوظائف، أما كينيا فتلجأ لاختبار كشف الكذب في إطار تحرك لتطهير ساحتها السياسية من الفاسدين. ويعود تاريخ اختبارات كشف الكذب إلى عام 1921، وهي مازالت شائعة في عالمنا اليوم. ويقول جيفري فيلدمان الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة واشنطن بسياتل، إن تلك الاختبارات "قد تكون مفيدة للغاية في الكشف عن أمور يلزم متابعتها أو تتطلب مزيدا من التحقيق. فعدم نجاح مرشح في اختبار كهذا لن يؤدي بالضرورة إلى رفض ترشيحه، بل سيؤكد الحاجة لمزيد من النظر في الأمر". ويضيف الخبراء أن مشكلات أكبر تتعلق باختبارات كشف الكذب في إطار العمل تتجاوز مجرد قانونيتها. ويقول أندريه سبايسر، أستاذ السلوك الوظيفي بكلية كاس للأعمال بجامعة سيتي يونيفرسيتي لندن، إن مجرد إخضاع الموظف لاختبار كشف كذب "سيجعله يعتقد أن صاحب العمل يشك فيه، ومن ثم يفقد المتقدم للوظيفة شعوره بالكرامة والثقة بالعمل". ويقول داغ ويليامز، الشرطي السابق والمؤهل لإجراء اختبارات كشف الكذب في الولايات المتحدة، إنه أجرى أكثر من ستة آلاف من تلك الاختبارات، وقد ألف كتابا ودرَّس حول كيفية خداع اختبار كشف الكذب، بل وأمضى عامين بالسجن في عام 2015، بعد اكتشاف معاونته عملاء سريين في خداع تلك الاختبارات. ويوضح إن ما حدا به لتحدي اختبار كشف الكذب هو رغبته في معاونة الخاضعين للاختبارات في حماية أنفسهم. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption كثير من العلماء يشككون في جدوى تلك الاختبارات ويضيف: "الأمر عبارة عن عملية نصب تتكلف مليارات الدولارات وتدمر حياة ملايين البشر. والوثوق بنتائجها غير الدقيقة كالوثوق بأي وجه تسقط عليه عُملة يتم دفعها في الهواء على سبيل الحظ". وناهيك عن الكتاب الذي ألفه، يقول ويليامز إن شبكة الإنترنت مليئة بالنصائح لمساعدة الخاضعين لتلك الاختبارات على الاسترخاء والتحكم في ردود فعل جسمهم المفترض كشفها للكذب، ومنها سرعة النبض والعرق. ويستخلص ويليامز من عقود أمضاها في اختبار الأشخاص وتحليل نتائجهم إن جهاز كشف الكذب ليس إلا وسيلة ترهيب وقد يؤدي لمشكلات بعد انضمام المتقدم لشغل الوظيفة. ويقول إن الجهاز أشبه بـ"هراوة لتخويف الشخص حتى يقر ويعترف، إذ يؤدي الخضوع له لشعور بالخوف الشديد. ولن أقبل أبدا العمل بشركة تطلب الخضوع لاختبار الكذب لأن البداية غير مبشرة وتفترض العداء بين جهة العمل والموظف". هل إذا يستخدم العمل اختبار كشف الكذب كأسلوب لتقييم العامل أكثر من الرغبة في معرفة الحقيقة؟ وهل المقصود معرفة ما إذا كان المتقدم قادرا على تحمل الضغط الرهيب للعمل؟ تقول سوان ستيليك، أستاذة التواصل الإداري بجامعة نيويورك إن اختبارات كشف الكذب في العمل أشبه بـ"اختبار الصلابة" للمتقدمين من الشباب ممن لاحظتهم أثناء عملها كمستشارة مستقلة لشركة مالية كبرى. وتضيف: "كانوا يوجهون سؤلا لطالب تحت سمع وبصر خمسة مسؤولين كبار بالغرفة، عن الجذر التربيعي للرقم 563000"، وكان منطقهم هو أن المتقدم للعمل في البورصة ينبغي أن يكون متمكنا من التعامل مع الأرقام! لكن ستيليك تقول إن الخضوع لتحقيق مبهم كهذا لا يدلل واقعا على قدرة الشخص على أداء الوظيفة. ومن جانبه يعتقد ويليامز أن الشيء الوحيد الذي يمكن لاختبار الكذب إثباته، بخلاف القابلية للتوتر والحرج وسرعة ضربات القلب والفشل في الاختبار، هو ما إذا كان شخص ما محترف الكذب حتى أنه يكذب دون أن يهتز له ساكن!بيئة عمل ضارة تشبه ستيليك انتشار اختبارات كشف الكذب بالاختبارات الإلزامية للكشف عن تعاطي المخدرات التي انتشرت على نطاق واسع خلال تفشي الكوكايين في الثمانينيات، وتقول إن على أصحاب العمل أن يسألوا أنفسهم عن الجدوى وراء ما يفعلونه؟ هل لأن موظفا واحدا تسبب في مشكلة يتحتم إخضاع الجميع لاختبار كهذا؟ وتقول إن الأمر "يفاقم أزمة الثقة بين الموظف وصاحب العمل"، وتتساءل عن الخطوة التالية إذا ما أخفق موظف، فهل نخضعه لإعادة التأهيل؟ أم هل نسرحه من العمل؟ أم نضربه على يديه؟ ويقول دان كيبل، أستاذ السلوك الوظيفي بكلية لندن للتجارة والأعمال، إن اختبارات من هذا القبيل قد تعطي المديرين سطوة أكبر على الموظف المقبل لشغل وظيفة.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption لقد بتنا نعيش في عالم يمكن فيه لجهة العمل تتبع كافة خطوات الموظف ومراقبة بياناته، ويضيف: "الأمر يدعو للشك حين نبدأ في توجيه أسئلة للأشخاص عن قرارات اتخذوها في حياتهم دون أن يكون للأمر علاقة بالعمل. فالمتقدم يأتي، ولا يعلم أي نوعية من الأسئلة ستوجه له وهو أشبه بهجوم مباغت كمن يأتي للقاء والد الفتاة المتقدم لها ولا يعلم ما قد يصادفه!". لكن ستيف فان إبيرين، مدير الهيئة الأسترالية لاختبارات كشف الكذب يقول إن الاختبار يفيد الموظف في كثير من الأحيان. جدير بالذكر أن أغلب الولايات الأسترالية تسمح باختبار كشف الكذب في أماكن العمل شريطة موافقة الموظف. ومع أن أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن كشف الكذب هو رغبة صاحب العمل في الكشف عن سلوك جنائي أو لا أخلاقي من جانب الموظف، فالاختبار يمكن أيضا أن يحمي العامل بمواجهة اتهامات كيدية. ويقول فان إبيرين إنه كثيرا ما يتلقى اتصالات من موظفين يقولون إنهم اتهموا كذبا ويرغبون في تبرئة ساحتهم. وتشير الدراسات إلى أن رفض الكشف عن معلومات شخصية قد يعود على الشخص بالضرر، فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2015 أنه في سبع تجارب عُرِض على المشاركين فيها على الإنترنت إجابات من صديق أو موظف وهمي، كان حكم المشارك أقسى على المجيب حين أخفى معلومات غير مستحبة عن نفسه، مقارنة بمن أقر ببعض سلوكياته الخاطئة. ورجحت الدراسة أن البشر بطبيعتهم يتشككون فيمن يتردد في الكشف عن تفاصيل شخصية مقارنة بمن يبادر بالكشف عن سلوك سيء. لكن لأي حد يجب أن يكشف الموظف عن معلومات تخصه لصاحب العمل؟ لقد بتنا نعيش في عالم يمكن فيه لجهة العمل تتبع كافة خطوات الموظف ومراقبة بياناته، والبعض قد يشعر أن ليس لديه ما يخفيه، وقد لا تعنيه الخصوصية ولا يقلق للخضوع لاختبار الكذب في سبيل الوظيفة الموعودة. لكن ينبغي أن نفكر مليا فيما لو انتشرت اختبارات كشف الكذب أكثر على صعيد العمل. ويقول نيك بوستروم، أستاذ الأخلاق بجامعة أوكسفورد: "لو أصبح الشائع قبول الموظفين اختبارات كشف الكذب فسيكون التشكك أكثر فيمن لا يقبل بها، باعتبار أن الرافض لديه ما يخفيه". وماذا عن نتائج تلك الاختبارات؟ ليس هناك أدلة موثقة عن دقة اختبارات الكذب أو معدل النجاح فيها. وكثير من المحاكم لا تقبل بنتائج تلك الاختبارات كأدلة. ويضيف بوستروم: "اختبارات كشف الكذب موثوق بها لحد كبير، والدلالة الضعيفة خير من عدم وجود دلالة بالمرة"، بالنسبة لبعض أصحاب العمل، ولكن ينصح بـ"اقتران نتائج الاختبار بأدلة أخرى مختلفة، وألا تُمنح نتائجه ثقة عمياء". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital ----------------------------------------------------- يمكنكم استلام إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.

مشاركة :