أملك في مكتبتي رفا كاملا عن كتب الفنون القتالية.. ففي المرحلة المتوسطة شاهدت فيلما لمقاتل الكونغ فوو (بروس لي)، فقررت السير على خطاه.. زرت كل مكتبات المدينة لشراء كتب الكونغ فوو.. لم أكتف بذلك، بل اشتريت معها كتبا في الكاراتيه والجودو والتايكواندو، بل حتى الملاكمة والمصارعة الحرة.. قرأتها كلها، وأصبح بإمكاني إخباركم عن الفرق بين التايكواندو، الذي نشأ في كوريا الجنوبية (ويعتمد على استخدام الأقـدام أكثر)، وبين الكونغ فوو الذي ظهر في الصين (كرياضة دفاعية مستمدة من الحيوانات الشرسة).. بإمكاني إخباركم عن أبرز «حركات» الجودو والكاراتيه والفرق بينهما رغم أن كليهما نشأ في اليابان؛ (حيث يعتمد الجودو على التشبث بالخصم ومحاولة طرحه أرضا، في حين يعتمد الكاراتيه على الضرب عن بعـد بطريقة خاطفة دون الالتحام بالخصم). ولكن بعد كل هذه الكتب والمعلومات؛ هل أصبحت لاعب كاراتيه أو كونج فوو؟ لا أبدا؛ لأنني ببساطة لم أمارسهما فعليا، ولم أطبقهما عمليا، ولم أتمرن عليهما لأكثر من أسبوعين (كما هو حالك مع السير الكهربائي).. بعد قراءة كثير عن الفنون القتالية ما زلت أملك جسدا رخوا، ومعلومات نظرية لا تسمن ولا تغني عن ضرب.. لم يبق من آثارها اليوم غير كيفية الوقوف بطريقة ثابتة (تمنعني اليوم من السقوط حين يتحرك باص المطار فجأة)! ماذا نستفيد من هذه القصة؟ كـما أن قراءة كتب الفنون القتالية لا تجعلك مقاتلا حقيقيا؛ قراءة كتب الثراء لا تجعلك ثريا، وقراءة كتب التحفيز لا تجعلك عصاميا، وقراءة كتب الرشاقة لا تجعلك رياضيا، وقراءة كتب تطوير الذات لا تجعلك مثاليا، وقراءة كتب اللغات الأجنبية لا تجعلك فصيحا أو متحدثا ألمعـيا. هناك فرق كبير بين المعرفة النظرية والمعرفة العملية.. العلم بالشيء لا يعني تجربته أو امتلاكنا خبرة فيه.. المعلومات النظرية مجرد تمهيد ومدخل للممارسة الفعلية.. المرحلة الثانية تتطلب تطبيقا وامتزاجا وخبرات لا يفهمها غير من خاضها فعلا.. لا بديل عن كثرة الممارسة حتى يصبح ما تعلمته فعلا تلقائيا، (كمن يتحدث الإنجليزية بطلاقة دون أن يفكر في الفعل والفاعل والتصريف الثالث).. تأتيني رسائل كثيرة في الإيميل تسألني: «كيف يمكنني تعـلم كتابة المقالات؟».. مجرد طرح هذا السؤال يعني أن صاحبه لن يتعلم الكتابة» لأنه يتصور وجود «وصفة سحرية جاهزة».. لا يختلف موقفه عمن يسأل شاعرا: «كيف أقول الشعر»؟ أو رساما: «كيف أرسم وجوه الناس؟»، أنا شخصيا لا أعرف كيف أجيب عن هذا السؤال؛ لأنني (مثل من يقول الشعر ويرسم وجوه الناس) أمارس فعلا تلقائيا، لا أفكر خلاله في الفعل والفاعل أو أساليب البلاغة والنحو.. لا أعرف فعلا كيف أجيب عنه؛ لأنني ما زلت أتعلم من أخطائي رغم ممارستي الكتابة اليومية منذ 28 عاما. حين ترغب في إجادة (أي مهارة) لا غنى عن البدء بممارستها فعليا.. يفضل أن تبدأ في سن مبكرة؛ لأن الممارسة ذاتها لا تملك سقفا ولا خط نهاية.. البعض يرفق سؤاله بمقالات يطلب رأيي فيها، فأخبره أن رأيي ليس مهما - وأن المهم فعلا هو أن يستمر ولا يتوقف؛ لأنه بهذه الطريقة فقط سيكتشف ذاته، ويصقل مهاراته، ويتعلم من أخطائه، ويستقل بأسلوبه الخاص.. كنت أمينا في توجـيه هذه النصيحة حتى في كتابي «نظرية الفستق»، الذي يهدف لتحسين طريقة تفكيرنا وحكمنا على الأشياء.. فـرغم كل الأمثلة والنماذج والنصائح والنظريات (في الكتاب)، قلت في نهايته: «الكلمات تظل كلمات حتى تـتخذ قرارا بتطبيقها». والآن؛ هل ترغب في اختصار المقال في 15 كلمة فقط: لا توجد وصفة سحرية، ابدأ بالممارسة العملية، ثـم ألـف كتابا تخبرنا فيه عن تجربتك الشخصية. *نقلاً عن الرياض السعودية
مشاركة :