هل تنجح زيارة رئيس حكومة دولة الاحتلال، بنيامين نتياهو، لموسكو، في تخفبف حدة التوتر الـ «مكتوم » بين موسكو وتل أبيب؟! نتنياهو يترقب عقد القمة مع الرئيس فلاديمير بوتين، ويلحّ عبر القنوات الدبلوماسية على عقد القمة قريبا، مدّعيا أنه سيبحث مع «بوتين»،التعاون والتنسيق الأمني في سوريا.. بينما تؤكد الدوائر السياسية في موسكو، أن «إسرائيل» تدرك مخاطر توتر العلاقات مع روسيا، وتدرك جيدا رسائل الردع الروسية على لسان كبار المسؤولين الروس، خاصة وأن «أزمة» اسقاط الطائرة الروسية «إيل 20» في سوريا، ما زالت ملتهبة، وبعد أن رفضت إسرائيل الاستجابة للطلب الروسى بمحاكمة ومعاقبة ضباط الطائرات الإسرائيلية الأربع (اف 16) الذين اتهمتهم موسكو بالتسبب فى إسقاط طائرتها قبالة اللاذقية فجر الثلاثاء 18 سبتمبر/ ايلول الماضي، ومعهم قائد السرب الذى أطلق هذه الطائرات. تصريحات «تهدد بالردع» كانت روسيا أمهلت تل ابيب أسبوعا لتنفيذ مطالبها ( انتهت المهلة قبل ثلاثة أيام)، وربما أرادت إسرائيل أن تظهر، ولو شكلياً ومعنوياً، قدرتها على تحدى النتائج، رغم هواجس القلق من «المأزق» بعد التصعيد الروسي في صورة رسائل تحمل تهديدات بالردع، بدأت مع الاجتماع الذى عقده قائد القوات الجوية الروسية مع الوفد العسكرى الذى أرسله بنيامين نيتانياهو، برئاسة قائد القوات الجوية الإسرائيلية،إميكام نوركين إلى موسكو، يوم الخميس 20 سبتمبر/أيلول الماضي، لعرض نتائج التحقيق الإسرائيلى فى حادث الطائرة الروسية «إيل-20»، حين رفض قائد سلاح الجو الروسى المبررات التى قدمها قائد سلاح الجو الإسرائيلى حول الحادث، وخاطبه بحدة : «أنتم مسئولون عن مقتل الضحايا الـ 14 الروس، وكذلك الاعتذار نرفضه، والتعازى نرفضها، ومن الآن فصاعداً أى طائرة إسرائيلية تقترب من السواحل السورية سنسقطها فوراً»..ويرد قائد سلاح الجو الإسرائيلي: «نحن نملك سلاح جو قادرا على العمل فى كل المنطقة وكلامكم هذا تهديد لنا».. الحوار الساخن والرد الإسرائيلي المستفز، وصل إلى الرئيس بوتين الذى أصدر أوامره بإرسال 12 طائرة «سو- 35» للتحليق فوق إسرائيل ذهاباً وعودة متحدية أى قدرة إسرائيلية على الرد، وبعدها صدرت القرارات التى أعلنها وزير الدفاع سيرجى شويجو وتضمنت ثلاثة إجراءات لتعزيز القدرات الأمنية فى سوريا وحماية المنشآت الروسية، ومنع أى هجوم عسكرى خارجى محتمل من جهة البحر. وفى رده على تهديدات القائد الروسى للانتقام لسقوط الطائرة، صرح أفيجدور ليبرمان وزير الحرب الإسرائيلى، الأسبوع الماضي ( 30 /9 / 2018) بأن الطيران الإسرائيلى سيستمر فى قصف الأراضى السورية، مهما يكن موقف روسيا، وأن الطائرات الإسرائيلية ستقوم بإسقاط الطائرات الروسية إذا تصدت لها.. واضاف: «إذا كان لدى روسيا قاعدة جوية فى الساحل السورى وفيها ثمانون طائرة، فإن لدى سلاح الجو الإسرائيلى 63 قاعدة جوية فى إسرائيل، ولديها ألف طائرة وأكثر، من أفضل طائرات العالم، كما أن الطيارين الإسرائيليين يتفوقون على الطيارين فى سوريا وفرنسا وبريطانيا وروسيا من خلال مناورات جرت»، وقد وجدت «إسرائيل» نفسها عاجزة عن إخفاء ضجرها من القرارات الروسية غير المسبوقة التى جاءت كرد فعل على تردد إسرائيل فى الاستجابة للطلب الروسي. تهديد روسي: تدمير إسرائيل خلال 3 ساعات فقط جاء الرد الروسى بعد ساعة واحدة على التليفزيون الروسى مع نشرة الأخبار المسائية عبر مشاركة وزير الدفاع الروسى نفسه ومعه قائد القوات الجوية الروسية وقائد سلاح الصواريخ الروسية، وجاء الرد موجزاً وحاسماً فى زمن لم يتجاوز 12 دقيقة، أكدوا فيه أن طياريهم هم الأكفأ فى العالم وأن طائراتهم وصواريخهم الباليستية، وغواصاتهم النووية المرابطة قبالة السواحل الإسرائيلية قادرة «ومستعدة لتدمير إسرائيل خلال ثلاث ساعات فقط تدميراً كاملاً، وفق ما جاء على لسان قائد سلاح الجو الروسي. سقوط التفاهمات التصعيد الروسى غير المسبوق، يكشف نهاية باتت حتمية للتفاهمات الروسية ـ الإسرائيلية ـ الأمريكية فى سوريا ـ بحسب تحليل الخبير الاستراتيجي، د. محمد السعيد إدريس ـ وهي التفاهمات التى جرى التأكيد عليها عبر زيارات متكررة قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية لموسكو، وعبر القمة الروسية- الأمريكية الأخيرة فى هلسنكى بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب (يوليو/ تموز 2018) وتتضمن أمرين: «أمن إسرائيل وإخراج إيران من سوريا». فقد أعطت هذه التفاهمات لإسرائيل ضوءاً أخضر لضرب مواقع لإيران و«حزب الله» داخل سوريا شرط الإبلاغ المسبق للروس لتفادى الاحتكاكات الجوية بين الطائرات الروسية والإسرائيلية، كما التزمت روسيا بأن تقوم بمهمة إبعاد الإيرانيين عن الحدود السورية ـ الإسرائيلية فى جبهة الجولان بمسافة لا تقل عن 100كم. منع إسرائيل من شن اعتدءات جديدة على سوريا ويرى الخبير الاستراتيجي، أن سقوط هذه التفاهمات قد يكون خطوة أولى من شأنها أن تمنع إسرائيل من شن أى اعتداءات جديدة على الأراضى السورية ضد الجيش السورى أو ضد قوات إيرانية، وهذا مكسب مهم لإيران، لكن الأهم هو التوجه الروسى لمزيد من التنسيق مع إيران وحلفائها فى سوريا، خصوصاً بعد إعلان واشنطن على لسان جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى عزمها البقاء فى سوريا طالما استمر الوجود الإيراني، ما يعنى ربط الرحيل الأمريكى بالرحيل الإيراني، وهذا معناه قرار أمريكى لإفشال المشروع الروسى فى سوريا، ولن تجد روسيا أمامها بدائل للرد على هذا التصعيد الأمريكى غير تكثيف التعاون والتنسيق مع إيران، التى باتت تسعى لتأسيس تحالف أوسع للمقاومة بربطها بكل من العراق وسوريا و«حزب الله»، ما يعنى أن روسيا ستجد نفسها أقرب إلى هذا التحالف أكثر من أى وقت مضى. وبموازاة هذا المسار التحالفى المحتمل.. تبقى الأزمة ساخنة وإن بدت «مكتومة» بين موسكو وتل أبيب.
مشاركة :