حافظ البرغوثي نجح الممثل القطري لدى حركة حماس محمد العمادي، بتغطية أمريكية «إسرائيلية»، في إحداث اختراق في غزة، متجاوزاً السلطة الفلسطينية التي أبدت معارضتها لنقل أموال قطرية لتمويل شحنات وقود لمحطة كهرباء غزة تجبيها حماس لصالحها. لكن العمادي نفذ ما أراد عن طريق «إسرائيل» وبرعاية خاصة من جاريد كوشنير وجيسون جرينبلات وبمشاركة فعلية من نيكولاي ميلادينوف مبعوث الأمم المتحدة بشأن الصراع العربي «الإسرائيلي». نقل الوقود هو خطوة أولية ضمن مشروع جاريد كوشنير لإنعاش غزة، وقد تم لقاء بين جيسون جرينبلات والعمادي أكثر من مرة في تل أبيب والقدس، وقيل أيضاً في قبرص، لبحث مسألة استئجار رصيف بحري لغزة، وكذلك استضافة وزير الخارجية القطري محمد آل ثاني لجرينبلات في الدوحة قبل لقاء وزير الحرب الصهيوني أفيجدور ليبرمان مع وزير الخارجية القطري في قبرص، وكان الهدف من هذه اللقاءات إنعاش «مشروع الإنعاش» بمعزل عن السلطة الفلسطينية. وتطلب الأمر قيام كوشنير بزيارة الدوحة سراً، حيث بحث مسألة تمويل قطر للمشروع دون التدخل بالسياسة في غزة، حتى لا تثير قلق مصر، فوافق القطريون، سيما أنهم عرضوا على الرئيس ترامب في إبريل الماضي تمويل حكومة حماس، وفتح حوار أمريكي معها، وصولاً إلى هدنة طويلة الأمد. لكن الأمريكيين استطابوا فقط مسألة التمويل، وهو ما يحدث حالياً، لأن مصر عارضت بقوة ما ذهب إليه كوشنير من إقامة منشآت كهربائية وصناعية في سيناء، واستئجار رصيف ومطار خارج غزة. وأكد المصريون لحركة حماس عبر وفودها التي تصل إلى القاهرة أن أي مشروع لخدمة غزة يجب أن يقام على أرض غزة فقط، وأن المصالحة والتهدئة يجب أن تسيرا في خطين متوازيين. إلا أن الوضع داخل غزة من جهة، واحتمالات الانفجار نحو العمل العسكري المتبادل، جعل الأمريكيين يضغطون أكثر على الاحتلال لكي يقبل بمرور الأموال لشراء الوقود من مخازنهم، علماً أن العمادي كان في السابق يعبر إلى غزة بحقائب بملايين الدولارات لتمويل حركة حماس دون معارضة «إسرائيلية»، لكن الأمريكيين وضعوا قيوداً على قطر بشأن نقل الأموال لتنظيمات خارجية. فالوضع في غزة، كما بدا خلال الأسبوع الأخير، انتقل من الفقر إلى الجوع، وهذا يعني تمرداً شعبياً محتملاً على حركة حماس، أو اقتحام الحدود واندلاع حرب لا تريدها سلطات الاحتلال، لأنها مشغولة بالوضع في جنوب لبنان وسوريا وإيران، وتبحث عن حرب في غزة بخسائر صفر في جنودها، ما يعني حرباً جوية تسفر عن مجازر في غزة، وتضع الاحتلال في قفص الاتهام، ولذلك لم تقم بشن أي حرب، وفضلت الحل القطري الكوشنيري، حيث إن قطر تسعى منذ البدء لأخذ دور ما في صفقة القرن لإرضاء واشنطن في إطار نزاع الدوحة مع دول الجوار. أما حوارات المصالحة الفلسطينية، فهي تراوح مكانها بسبب الاشتراطات التي وضعتها حركة حماس، وتمسك حركة فتح ببنود اتفاق 2017 وما قبله، حيث تقول حماس إن هناك متغيرات كثيرة يجب أخذها بعين الاعتبار، وعدم المس بحكومتها أو مطالبتها قضائياً في قضايا الاستيلاء على الأراضي والقتل والسلب والنهب، لكن فتح التي ترزح تحت وطأة العقوبات والمقاطعة الأمريكية ترفض الإذعان لاشتراطات حركة حماس. أما مصر فيهمها الإبقاء على باب الحوار مع الطرفين مفتوحاً، لأنها لا تريد إعادة كل حركة حماس إلى أحضان قطر وتركيا، فالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان مازال قادرا على إملاء وجهة نظره داخل حركة حماس.إذاً ثمة خطوة أولى جرى تنفيذها ضمن مشروع كوشنير على هامش صفقة القرن في غزة، وستليها خطوات أخرى بهدف منع اللجوء إلى العمل العسكري، بينما تدرس منظمة التحرير خياراتها المحتملة، سواء في العلاقة مع حماس وغزة، أو مع الاحتلال ذاته، أو مع الإدارة الأمريكية، حيث سيعيد المجلس المركزي بحث قراراته السابقة بهذا الشأن في جلسته المقررة قبل نهاية هذا الشهر، وهو أمام خيار وقف التنسيق مع الاحتلال الذي يعني الأمني والمعيشي والصحي والاقتصادي، وهو أمر يبدو صعباً. أما بخصوص غزة، فإن المساعي المصرية ستبلغ الذروة قريباً، حيث إن مصر مصممة على الحسم بشأن المصالحة، وستحاول تحقيق النجاح، خاصة أن الأمور في غزة باتت عرضة للتلاعب القطري «الإسرائيلي»، وأيضاً لأن السلطة قد توقف تمويلها للرواتب والصحة والتعليم في غزة، إذا ظلت حماس عند موقفها من المصالحة، فالأيام الأخيرة من أكتوبر قد تشهد أنباء مفرحة عن مصالحة برعاية مصرية أو مبرحة عن تكريس الانقسام برعاية أمريكية قطرية. hafezbargo@hotmail.com
مشاركة :