القوة الفضائية الأمريكية.. خطوة ضرورية أم تبديد للموارد؟

  • 10/12/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في التاسع من أغسطس الماضي، أعلن نائب الرئيس الأمريكي، «مايك بنس» انتهاء الحكومة من وضع صيغتها؛ لإنشاء ما يعرف بالقوة الفضائية، التي تعتبر بمثابة الفرع السادس للقوات المسلحة. ووسط تأييد من الكونجرس سيتم تشغيل هذا الفرع الجديد داخل الجيش الأمريكي بكلفة تصل إلى ثمانية مليارات دولار على مدى خمس سنوات؛ لتعمل بجانب الجيش الحالي والبحرية والقوات الجوية والمارينز، وذلك بحلول عام 2020. وتعد المهمة الرئيسية لهذه القوة الفضائية هي «تنظيم قدرات الجيش الأمريكي الفضائية»، بما في ذلك الأسلحة الهجومية أمثال الصواريخ الباليستية، وتقنيات القصف الحركي، والبنية التحتية اللوجستية الدفاعية مثل تطوير الأقمار الاصطناعية. وتعود فكرة إنشاء قوة فضائية أمريكية إلى الاقتراح الذي تقدمت به لجنة بقيادة «دونالد رامسفيلد»، -قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع في إدارة «جورج دبليو بوش» - عام 2000، لإنشاء قوة مهمتها تعزيز الهيمنة الأمريكية على الفضاء الخارجي، لكن الفكرة لم تنل نصيبها من المناقشة بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وتُظهر بعض التقارير أن مصطلح «حرب الفضاء» ظهر عام 2014. بمجرد أن أطلق الروس قمرًا صناعيًا وُصف بـ«الغامض». وفي يوليو من عام 2017. أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعًا قدمه كلٌ من النائبين «مايك روجرز»، و«جيم كوبر»؛ لإنشاء «فيلق فضائي» كخدمة عسكرية جديدة داخل القوات الجوية، لكن البنتاجون عارض تلك الفكرة حينها. ويرجع إصرار الرئيس ترامب على عسكرة الفضاء؛ إلى رغبته في «استعادة هيبة الولايات المتحدة وتقوية مؤسساتها العسكرية، خاصة في مواجهة روسيا والصين، فضلاً عن استخدام رادع الفضاء النووي كخيار تدمير شامل حال اندلاع حرب عالمية، علاوة على تأمين الأقمار الاصطناعية الأمريكية وحرية التحرك لاستخدام الفضاء». وكان الرئيس الأمريكي قد قال أثناء زيارته قاعدة «ميرامار» الجوية بكاليفورنيا في 13 أغسطس: «إن الفضاء ساحة للقتال مثله مثل الأرض والجو والبحر»، مضيفًا: «نحن نملك السلاح الجوى وسنملك القوة الفضائية»، مؤكدا أنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن أمريكا، ليس كافيًا أن يكون لدينا وجود في الفضاء، بل يجب أن تكون لدينا هيمنة عليه». وفي سعي منه إلى شرعنة عسكرة الفضاء، حاول «ترامب» تفسير الفصل «51» من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنه «يمكن للدولة استخدام القوة العسكرية لحماية نفسها من الأعمال العدائية»، وكذا الفصل الثالث من معاهدة الفضاء الخارجي الذي ينص على «أن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يتيحان استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه»، بما يبرر مساعي أي دولة إلى تطبيق القوة الفضائية لحماية أمنها ومصالحها. وتأتي هذه الخطوة، ضمن سياق توجه عام ومتواصل لعسكرة السياسة الأمريكية؛ فمن جهة الإنفاق العسكري، رفعت إدارته النفقات العسكرية السنوية من 612 بليون دولار عام 2018 إلى 686 بليون دولار عام 2019. ما يمثل زيادة كبيرة في موازنة البنتاجون عن العام الماضي. ويؤيد عديد من السياسيين الأمريكيين فكرة الرئيس ترامب لإنشاء هذه القوة، معتبرين إياها «تطورا هائلا في الأمن العالمي»، من أمثال نائب الرئيس، «بينس»، الذي يرى أن أعداء الولايات المتحدة يعملون على تعزيز قدراتهم العسكرية الفضائية، ما يجعل هناك ضرورة لتطوير هذه القدرات». ويرى عدد من المشرعين الأمريكيين، مثل النائبين «مايك روجرز»، و«جيم كوبر»، «أن هناك حاجة إلى فرع عسكري جديد؛ بسبب أن القوة الجوية لا تولي اهتمامًا كافيًا للفضاء الخارجي»، وكما أشار «تود هاريسون»، من مركز «الدراسات الاستراتيجية والدولية»، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد «أعادت النظر في تفكيرها التنظيمي من أجل مواكبة التطورات السريعة التي حققتها الدول الأخرى تجاه القدرات الفضائية العسكرية». في حين يؤكد البعض، مثل «بريان ويدين»، خبير الدفاع الفضائي في مؤسسة «Secure World»، أنه على الرغم من أن الجيش والبحرية وسلاح الجو، جميعها لديها بعض الاستثمارات في تكنولوجيات الفضاء العسكرية، فإنها غالبًا تتعامل مع ذلك الملف بدرجة أقل أهمية»، حيث «تظل غالبية البحوث تركز على الأنظمة العسكرية التقليدية، مع اعتبار تأمين الفضاء فكرة متأخرة»، مؤكدا «أن وجود إدارة مستقلة معنية بتوسيع نطاق تكنولوجيا الفضاء يعتبر مسألة أمن قومي». وتزداد حاجة أمريكا إلى عسكرة الفضاء من خلال الأهمية المتزايدة على مسرح الأحداث سواء كمسألة لوجستية ودفاعية، وهو ما أوضحته «هيلين كوبر» في صحيفة «نيويورك تايمز»، من أن «كل ما يقوم به الجيش الأمريكي اليوم يعتمد على الفضاء»، «وكمثال على ذلك، الطائرات من دون طيار»، حيث يتم توجيه إشارات تلك الطائرات عبر الأقمار الصناعية، وكذلك تبادل البيانات. كما أن الأقمار الخاصة بالاستخبارات تعمل على تقييم ضرر العمليات المعروفة اختصارًا «B.D.A. » في المعارك، التي يقوم بها الجيش لتحديد ما إذا كانت الأهداف قد دمرت أم لا. ويستند داعمو الفكرة إلى تقييمات لوزارة الدفاع الأمريكية، بأن «التهديد الصيني والروسي للأقمار الصناعية الأمريكية حقيقي»، وإلى تقييمات استخباراتية تؤكد قدرتهما على إسقاط الأقمار الأمريكية في غضون عامين أو ثلاثة أعوام. وفي هذا الصدد توضح «ألكساندرا ستيكنجس»، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، «تشاتام هاوس»، بلندن، أن عدد التهديدات التي تهدد البنية التحتية للفضاء، يتزايد من الاثنين، «في حين يشير البعض إلى الفوائد الاقتصادية المترتبة على إنشاء هذا الفرع، حيث سيتيح اقتصادا يفوق تريليون دولار في الفضاء الخارجي، من خلال الإنفاق على التقنيات المعززة لسلامة الفضاء، ما يضمن استمرار تطويرها التجاري من دون عائق». وعلى عكس تفاؤل «ترامب» ومؤيديه بشأن هذه القوة الفضائية المستقبلية؛ فإن البعض مازال غير مؤمن بأن هذا المسار هو المسار الصحيح، ويري منتقدو الفكرة أن دعوته تفتقر إلى التخطيط التفصيلي لتنفيذها، فضلا عن أنها ستفجر سباق تسلح خطر في الفضاء، حيث يكشف إنشاء الولايات المتحدة قوة عسكرية خاصة بالفضاء عن تبنيها موقفًا عسكريًا أكثر نشاطا، ولعل من أبرزهم وزير الدفاع، «جيمس ماتيس»، الذي رأى أنها «تزيد من الإنفاق العسكري والهدر في الميزانية المخصصة للدفاع، فضلا عما يرتبط بها من ازدواجية في البيروقراطية التي تنظم عملها». وفي سياق متصل، رأت قائدة سلاح الجو، «هيذر ويلسون»، أن «تشكيل قوة فضائية مستقلة سيجعل الجيش الأمريكي يسير في الاتجاه الخاطئ»، كما رأى عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، «بيل نيلسون»، أن «هذا ليس هو الوقت المناسب لدخول أمريكا هذا الملف»، معتبرًا أن الأمر سيتسبب في «تمزيق أوصال القوة الجوية». فيما أرجع عديد من المحللين والسياسيين الرافضين للفكرة سبب رفضهم إلى امتلاك أمريكا بالفعل القوة الفضائية الخاصة بها، والتابعة للقوات الجوية الأمريكية، والتي تم إنشاؤها عام 1982. ويعمل بها نحو 300 ألف شخص، ينجزون نفس المهام التي ستؤديها أي قوة فضائية في المستقبل، حيث تشرف على المبادرات مثل مركز أنظمة الفضاء والصواريخ، وتطور ما يقرب من 300 قمر صناعي، وتستخدم الرادار لمراقبة عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية. وخلال السنوات القليلة الماضية، تلقت ميزانية قدرها 11 مليار دولار من وزارة الدفاع للبحث والتطوير، فيما لا يزال الكثيرون يشعرون بالقلق حيال مصير قيادة القوات الجوية الفضائية الحالية.. فهل ستغلق وتنقل داخل الإدارة المستقلة الجديدة، أم أنها ستواصل عملها إلى جانب قوة الفضاء؟ وكما قال «روبرت فارلي» من كلية الحرب الأمريكية، لموقع «لوفير الأمريكي»، إنه «من المرجح أن تتضاءل الكفاءة، ويتم خلق جدار بيروقراطي يؤثر في تخطيط المهام وتنفيذها»، وبصفة أساسية، التنافس بين الإدارات على الاستراتيجية المستخدمة وتخصيص الموارد سوف يعوق تنظيم الدفاع أو الهجوم لمواجهة الأزمات مثل شن هجوم على خصم، وما إلى ذلك؛ ما يُعرض الأمن القومي للخطر، بالإضافة إلى أنه في حال انعدمت الاتصالات بين الإدارتين، فمن المرجح أن يسعى كل منهما إلى مشاريعه. وفي هذا الصدد يقول «مايكل أوهانلون»، من معهد «بروكينجز»، «من الضروري ربط العمليات الجوية والفضائية بشكل وثيق، حيث إنه بفصل القيادتين؛ فإن القيود البيروقراطية سوف تقلل التنسيق أثناء المعارك». وبغض النظر عن الأهمية المتزايدة للفضاء من الناحية العسكرية، فإن البنية القانونية لصياغة اللوائح المنظمة لكيفية تصرف الدول في الفضاء قليلة أو تكاد تكون معدومة، وبغض النظر عن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 «والتي تُشكل أساس القانون الدولي للفضاء»، فلا توجد معاهدات أو وثائق مُعترف بها دوليًا تعالج مباشرة مسألة عدم جود قانون يُنظم الفضاء. ويرى «ديفيد بي. فيدلر» من مؤسسة «مجلس العلاقات الخارجية»: «إن كلا من القانون الدولي والدبلوماسية لم يتفاعلا مع الأمن السيبراني في الفضاء»، وهناك خلاف قائم حول كيفية تطبيق تلك القوانين الدولية على الفضاء السيبراني وضبط وتيرته»، ولعل الطبيعة الفوضوية لتلك البيئة التي تفتقد النظام، تجعل هناك فرصة أمام الدول ذات النوايا الخبيثة، لاستغلال الفرصة واستخدام التقنيات السيبرانية العسكرية لتقويض السلام العالمي، لذا من الضروري للولايات المتحدة أن تزيد من تركيز اهتمامها على مجال الفضاء السيبراني من أجل أن تستفيد منه عسكريًا، فيما يمكن أن تؤدي دورها كعنصر ردع ودعم لتشكيل نوع من الإطار القانوني لهذا المسرح غير الخاضع للمساءلة. على العموم، بينما يصر ترامب على إجهاض أي محاولات لبلورة آليات قانونية تحظر عسكرة الفضاء، فإن التوجه المحموم لتأكيد الهيمنة العسكرية الأمريكية على العالم قد يزج به نحو مزيد من العسكرة، بما يقوض الاتجاه الرامي إلى تفعيل آليات التسوية السلمية للنزاعات والأزمات الدولية المتفاقمة، الأمر الذي من شأنه أن يصيب البشرية بانتكاسة كفيلة بأن تضعها على شفا حقبة أشد سخونة من تاريخها المفعم بالصراعات الممتدة؛ ما سيكون له تأثير مزعزع للاستقرار الاستراتيجي والأمن الدولي.

مشاركة :