كلمة حق يجب أن تقال منذ زمن بعيد

  • 9/22/2013
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

توقفت مليا عند كلام وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد الجاسر على هامش انطلاق أعمال «مؤتمر المشاريع الكبرى، والبنية التحتية» في دورته الثانية في الرياض والذي انتقد فيه آلية منح الإعانات والتي اعتبر أنها تحدث تشوهات في الاقتصاد خصوصا عندما تعطى لغير مستحقيها. بكل صراحة ما ذهب إليه معاليه يمكنني أن أصفه بأنه «كلمة حق يجب أن تقال منذ زمن بعيد»، فمشكلة الدعم والإعانات للسلع مشكلة قديمة ومستمرة ومتنامية، وهي نتاج للمشكلة الحقيقية. ويمكنني القول في هذا المقام إن المشكلة ليست في الإعانات أو الدعم، ولكن في عدم تفعيل دور مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات التي تدخل ضمن اختصاص وزارة التخطيط في المقام الأول، إذ أن مهمة جمع وتحليل ونشر البيانات والمعلومات الإحصائية بمختلف مجالاتها الاجتماعية والاقتصادية، وعمل دراسات استشرافية لاحتياجات التنمية بناء على تلك المعطيات الإحصائية، ورفع مستوى المعيشة، هي من صلب مهام هذه الوزارة، مع العلم أن تفعيل دور المصلحة هو أحد العوامل الأولية للتخطيط والتنفيذ بطرق سليمة ناجعة. لا شك أنه في حال معرفة الواقع على الأرض بالطرق الإحصائية المتعارف عليها عالميا، يمكن من خلالها توجيه معونات الدولة إلى مستحقيها في الوقت المناسب وبالطريقة وبالآلية المناسبتين، ومن دون ذلك، وطالما نفتقر إلى المعلومات على أرض الواقع، فإنه يتم تبذير أموال الوطن وهدرها على غير مستحقيها. وانطلاقا من هنا نحن في المملكة العربية السعودية لا نعلم عدد الفقراء، ولا نعلم عدد المحتاجين، ولا نعلم من هم المستحقون، ولا نملك جهازا فعالا يقوم بعملية الاستشراف، وتحليل هذه المعلومات للوقوف على الحقائق ومعرفة المشاكل التي قد تواجهنا في المستقبل، وهذا الأمر وهذه المسؤولية من صميم مهام وزارة التخطيط. ومن المشكلات التي نعاني منها اليوم بسبب عدم تفعيل دور مصلحة الإحصاءات العامة، نقص الوحدات السكنية في ضوء النمو السكاني المطرد واحتياجاته المستقبلية وأثرها على المجتمع واستقراره، وبالتالي كنت أتمنى لو أن معالي الوزير بدأ بالمشكلة الأساسية أعلاه، لا بنتائجها السلبية التي نلمسها اليوم. ولكن ثمة من يسأل ما هو الأنسب للاقتصاد الوطني الإعانات ودعم السلع، أم إعانة المواطن المحتاج ودعمه؟ بالنسبة إلي أرفض رفضا قاطعا أي تدخل من الدولة لدعم سلعة بعينها مهما كانت أهميتها وضرورتها، فدعم السلع يشجع ويؤدي إلى تهريب موارد الدولة إلى دول الجوار وإلى هدر موارد الوطن لتربح فئة معينة من التجار، وأبسط مثال ملموس على ذلك هو تهريب مشتقات النفط والدقيق وغيرها من السلع إلى الأردن واليمن وربما إلى السودان وغيرها، وعليه فإن الدعم الحقيقي يجب أن يصل إلى مستحقيه الفعليين. أما دعم السلعة نفسها، إضافة إلى تدخل الدولة في الاقتصاد، فلن يؤدي إلا إلى المزيد من هدر الموارد، وتقليص الفرص الاستثمارية الحقيقية، ورفع الأسعار وانكماش روح المنافسة. وفي يقيني أن تدخل الدولة في الاقتصاد وسيطرتها على مصادر الدخل والتوزيع والتطوير وما في حمكها، وتقليص دور القطاع الخاص، وعدم السماح له بالانطلاق، سيدفع في النهاية إلى هجرة رؤوس الأموال وارتفاع الأسعار وانحسار الخدمات، خصوصا أن هذا القطاع أسرع نموا وأكثر إنتاجية وأكثر إمكانية للانتشار، وأوسع قاعدة لاستيعاب الأعداد المتنامية من العمالة الوطنية ضمن برامج السعودة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها. وبالتالي فإنه عندما يسيطر القطاع العام على الاقتصاد، نجد أن القطاع الخاص يبدأ في الانحسار ويفقد كفاءته، وهذا بالتحديد ما يضعف كفاءة اقتصاد أي دولة الذي يمكن تشبيهه بالبالون الذي يملأ فراغه القطاعان العام والخاص، ما يعني أن زيادة حجم أي منهما يؤدي إلى انكماش القطاع الآخر. نحن نعرف أن اقتصاد المملكة اقتصاد ريعي بمعنى أنه قليل الكفاءة ولا يعطي «مضاعف اقتصادي»، ولتحرير هذا الاقتصاد فإنه يجب تقليص دور الدولة في تحكمها في مفاصل الاقتصاد، وإعادة الدور الحكومي إلى مربع الإشراف، وتقليص أجهزتها الرقابية، واعتماد سياسة إنفاق مهيكلة بعيدة المدى، بحيث ينحصر دورها في الإنفاق على البنية التحتية. ولهذا يجب على الدولة السماح للقطاع الخاص بلعب دور أكبر لينمو بقوة وحرية في ظل بيئة تنافسية بما يخدم برامج السعودة، ولعل أحد الأمثلة التي يمكن ذكرها في هذا المقام شركة الاتصالات السعودية حينما تم تخصيصها جزئيا انطلقت بخطى ثابتة وبسرعة فائقة، فيما كان أداء شركة موبايلي مقارنة بشركة الاتصالات السعودية أسرع وأكفأ لأنها قطاع خاص مئة في المئة. * عضو مجلس الإدارة المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة الخبير المالية.

مشاركة :