الكتاب الذي نتناوله في هذه المقالة قد يكون صادماً بعض الشيء، إذ إنه لم يكتب بقلم أحد أبناء المجتمعات الذكورية التي تجعل من الذكر المتسلط ضرورة لتقويم المجتمع وتصحيح خطيئة الأنثى فيه، وقد لا نتفق مع كل حرف جاء فيه، لكنه يستحق أن نتمهل عنده قليلاً لنراجع مع عرفناه سابقاً أو ما أريد لنا معرفته حاضراً. يصدم مؤلفا كتاب «جنس العقل: الاختلافات الحقيقية بين الرجال والنساء»- وهما ديفيد جيسيل (المؤلف الذكر) وآن موير (المؤلفة الأنثى) - القراء بهذا الاستهلال: إن ما ستقرؤونه في هذا الكتاب قد يثير اشمئزاز كلا الجنسين؛ فإن كان هناك سبب لغضب النساء فليس لأن العلم قد وضع كفاحهن المضني للمساواة بالرجل في مرتبة تافهة، فغضبهن المبرر يجب أن يكون موجهاً نحو من أراد تضليلهن وحرمانهن من جوهر وجودهن. لقد حان الوقف لإيقاف الزعم العقيم بأن الرجال والنساء قد خُلقا متساوين أو أن دماغ الرجل هو نفسه دماغ المرأة، كما صرح دكتور الأعصاب الأميركي «ريتشارد ريستاك» والتي تبدأ من المستوى الجزيئي من الخلية والتي تحتوي على مجموعة كروموسومات مختلفة عن الجنس المقابل. ومع أن دماغ المرأة أصغر من دماغ الرجل إلا أن ذلك غير مؤثر، إذ أن عمليات التفكير العليا توجد في قشرة الدماغ، ولقد اكتشف وجود تأثير ثنائي للهرمونات في الدماغ في مرحلة الرحم، ولاحقاً تزور هذه الهرمونات الدماغ مرة أخرى؛ لتشغيل الشبكة العصبية التي كانت قد كونتها سابقاً، فالرجال الذين تعرضوا لحمام الهرمون الذكوري دون مستوى المعدل وجد لديهم نمط أنثوي في توزيع المهارات الوظيفية في الدماغ، والذين غمروا بالهرمون الذكوري الزائد صارت عندهم عدوانية مرتفعة بنسبة أكثر من مرتين عن أشقائهم الذين لم يتعرضوا لتلك النسب المرتفعة، أما البنات الذين تعرضوا لنسبة عالية من الهرمون الذكوري فيكن أخشن بنسبة ٥٠ في المئة من أقرانهن. واكتشف أن دماغ النساء بشكل عام تتوزع فيه المهارات الوظيفية بين اليمين والشمال، في حين أن أدمغة الرجل أكثر تخصصاً، فلذلك فهم يتضررون أكثر من الجلطات الدماغية التي تصيب جهة معينة من الدماغ. إننا نملك الهوية الجنسية نفسها في الأسابيع الأولى من الحمل، ثم تبدأ التغيرات بالظهور في الرحم عن طريق عمل الهرمونات، ولا تتحدد هوية الجنين الجنسية إلا بعد الأسبوع السادس، بل يقول العلماء إن الأصل في الدماغ أن يكون أنثوياً إلا أن يحصل تدخل جذري من هرمونات الذكورة. إذا كان الرجال والنساء متماثلين.. فكيف استطاع الجنس الذكري قيادة الدفة بنجاح على مر التاريخ، وإن كل ثقافة ستخترع وسيلة ما من أجل التآمر على إبقاء وضع الأنثى بحالة خضوع لسلطة الذكر؟ هل تلك الهيمنة ترجع إلى عضلات الذكر وحمل المرأة ؟ العلم ما زال يخبئ لنا الكثير، وهذا ما حذا بالمؤلفين أن يستعرضا قائمة طويلة من الاختلافات الفسيولوجية والنفسية والعملية، تظهر الاختلافات مبكراً منذ الساعات الأولى من الولادة، فالأنثى تبدو مهتمة بتفقد وجوه من حولها وتتعلم النطق مبكراً وتصبح أكثر طلاقة في الكلام مبكراً، وتجد تعلم اللغات الأجنبية أكثر سهولة من الذكور، وتمتد الخلافات إلى الأحاسيس الأخرى فرد فعل المرأة حيال الألم أسرع وأكثر حدة على رغم محاولتهن تحمل المضايقة الطويلة أكثر من الرجل. في ما يتعلق التألق الرياضي فإنه في مقابل كل فتاة استثنائية هناك ١٣ فتى استثنائياً، ويميل النساء إلى أن يكن أفضل في حكمهن على الشخصيات، فلديهن ذاكرة أفضل لحفظ الأسماء والوجوه، إضافة إلى حساسية أكبر اتجاه إنجازات الآخرين، وذاكرتهن تختزن معلومات غير ذات علاقة وأكثر عشوائية. جنسياً، يستطيع الرجل الوصول إلى لذة الجماع من خلال التمرين العقلي للخيال الجنسي فلذلك هم يمارسون العادة السرية بنسبة أكبر، في المقابل فإن معظم النساء ليس لديهن أحلام جنسية، كذلك وُلد الرجال ليكونوا أكثر تميزاً وغير مقتصرين على امرأة واحدة، وثبت أن الرجال المحرومين من الجنس يعانون بنسبة أكبر من الكآبة والعصبية في حين أنه نادراً ما تعاني النساء من الشعور نفسه أثناء مرحلة العزوبية، إذ إنهن فقط يفتقدن العلاقة التشاركية مع الذكر، في حين أن الرجال يفتقدون الجنس. عامة يتمتع النساء بالكلام الرومانسي أكثر من الجماع نفسه ويحببن ممارسة الجنس في الظلام، بينما يفضل الرجل أن يرى العملية الجنسية أمامه. كذلك ترتفع نسبة الشذوذ الجنسي عند الرجل إلى ١٠ في المئة بينما هي في النساء ١ في المئة، وينتشر عند الذكور الانحراف الجنسي مثل الماسوشية أو المباهاة الافتضاحية أكثر من النساء. على رغم المساواة السياسية الرسمية إلا أن الذكور مازالوا متفوقين والفجوة في اتساع، فهناك ٦ في المئة من الرجال وصلوا إلى الحد الأعلى من القوة في مقابل ٦ نساء في الألف. مازال العلم يخبئ لنا الكثير من الاختلافات التي قد تقضي على مبدأ المساواة بشكله المتطرف، الذي يقف ضده العلم تشريحياً وفسيولوجياً ونفسياً، وقد لا يسعد ذلك الدكتورة نوال سعداوي التي نفت وجود هذه الفروقات الطبية، إلا أنه سيظل للعلم كلمة الفصل العليا التي تتبع منهج تغليب القاعدة وتحييد ما شذ عن القاعدة، ولا يعني ما ذكر هنا الانتقاص من أحد الجنسين، لكنه يضع الحقيقة كما هي ويترك للناس حرية اختيار ما يناسب تكوينهم.
مشاركة :