رغم أن القرصنة الإلكترونية الروسية كانت من التهديدات القائمة والمستمرة لعدة سنوات حتى الآن، إلا أن الأيام القليلة الماضية قد سلطت المزيد من الضوء بنطاق واسع على الجرائم السيبرانية الروسية الموجهة ضد الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والمنظمات الحكومية من مختلف أرجاء العالم.ويأتي على رأس القائمة الكشف الأخير عن محاولة الهجوم السيبراني على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والتي أشرفت على جهود التحقيقات في استخدام الذخائر والأسلحة الكيماوية المحظورة من قبل نظام الديكتاتور السوري بشار الأسد، المدعوم من الكرملين، في سوريا. وكشفت أجهزة الاستخبارات الهولندية والبريطانية عن هذه المؤامرة ومن ثم إحباطها، وأسفرت عن اعتقال أربعة رجال يُقال إنهم أعضاء في وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية.وعلى نحو مماثل، وجهت وزارة العدل الأميركية الاتهامات ضد سبعة من عملاء الاستخبارات الروسية تتعلق بالقرصنة على منظمات مكافحة المنشطات الدولية، الأمر الذي أثار غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب ما تمخض عنه الأمر من حرمان الرياضيين الروس من المشاركة في أولمبياد عامي 2016 و2018. وفي يوم الخميس الماضي، تعهد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بمزيد من الدعم الأميركي لجهود حلف الناتو في مواجهة القرصنة السيبرانية الروسية، وهو ما يعد رداً على الهجمات الروسية المزعومة على الحلف وقواته في الأعوام الأخيرة.ولتفهم جهاز الإنترنت الروسي بأسره لا بد من تقدير كونه نتاج التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص في روسيا. ولا يتعلق الأمر بأن هناك نشاطاً هجومياً روسياً من قبل الكرملين عبر الهياكل العسكرية والمدنية التقليدية مثل الاستخبارات العسكرية الروسية، وفقاً لمعلومات استخباراتية غربية، فإن الكرملين يستخدم شبكة منظمة بشكل هائل من المجرمين الإلكترونيين الذين يُكلفون بتنفيذ هذه الأعمال والمهام الوضيعة. وينبغي أن نفكر في الأمر على أنه الإصدار الحديث من «خطابات مارك» التي كانت الدول تصدرها في قبل عدة قرون بشأن السماح للمدنيين بشن أعمال القرصنة البحرية على سفن الأعداء. وكان السير البريطاني فرانسيس دريك من أبرز الأمثلة المثيرة على مثل هذه الاستراتيجية.والرئيس بوتين، الذي يقدر بدرجة عميقة كافة أشكال ما يسمى بالحرب غير المتناظرة، قد سعى من جانبه ومنذ فترة طويلة إلى تقويض أركان القوى الغربية، وتقويض أركان حلف الناتو، وغرس بذور الفرقة والشقاق بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، وتعزيز المصالح الروسية على مستوى العالم. وهي أيضاً من بين السبل التي يستغلها الرئيس الروسي في تأييد قاعدة الدعم الشعبية التي يحظى بها في بلاده التي تشهد فيها شعبيته انخفاضاً غير مسبوق في الآونة الأخيرة.وفي حين أن الجانب الأميركي، وبطبيعة الحال، على وعي تام بجهود الكرملين الرامية إلى تقويض أسس الديمقراطية في الولايات المتحدة خلال انتخابات الرئاسة السابقة في عام 2016، فإن روسيا قد فعلت الشيء نفسه في مختلف أرجاء أوروبا في جزء من استراتيجية روسية واسعة النطاق.لذلك، ما الذي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها فعله رداً على ذلك؟ هناك أربع مهام رئيسية: الكشف، والرد، وإعادة البناء، والانتقام.لا بد أن نبدأ بالكشف عن مدى الأضرار التي لحقت بنا من أنشطة الحكومة الروسية الخبيثة، وكذلك من جانب الوكلاء الخاضعين لسلطتها أيضاً. وهذا يعني تدشين حملة عامة وفعالة لمواجهة النشاط الروسي ونقل الأمر برمته إلى الإعلام. إن المؤتمر الصحافي البارز لوزارة العدل الأميركية، الذي شهد تغطية إعلامية واسعة النطاق، والذي تم فيه الإعلان عن توجيه الاتهامات للعناصر الروسية، هو من أبرز الأمثلة على ذلك. وفي حين أن هناك درجة من التردد المقبول فيما يتعلق بالمعلومات السرية والكشف عن الكثير مما نعرفه على المجال العام، فلا يزال هناك متسع لبذل المزيد من الجهود العدائية لتسليط المزيد من الأضواء «الفاضحة» على الأنشطة الروسية غير البريئة. وليس فقط من جانب الولايات المتحدة وحدها، بل إن الإنتربول وغيره من منظمات إنفاذ القانون الدولية الأخرى يمكن أن تكون مفيدة للغاية في هذه الجهود.وبالإضافة إلى مجرد الكشف ببساطة عن مجال الأنشطة الروسية، فإننا في حاجة إلى الرد بقوة وفق التنسيق مع حلفائنا. ولا بد لذلك أن يشمل المطالبة العلنية بوقف السلوكيات الروسية من خلال إصدار البيانات من قبل المنظمات الدولية ومن حلف شمال الأطلسي إلى منظمة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التي تعرضت للهجمات الروسية. ويحتاج الغرب إلى الإعراب بوضوح أنه سوف تكون هناك عواقب وخيمة إذا ما استمرت السلوكيات الروسية العدائية ولم تتوقف، مع إظهار المقدرة على شن الهجمات السيبرانية المضادة عبر الإنترنت، والتأكيد على أن ردود فعلنا قد تتجاوز مجرد الرد على الفضاء السيبراني فحسب – وأعني فرض العقوبات الاقتصادية، وطرد الدبلوماسيين، وغير ذلك من الإجراءات.ثالثا، نحتاج إلى إعادة بناء هياكلنا الدفاعية. وهذا يعني الكونغرس، والمؤسسة العسكرية، ووكالات الاستخبارات، وتكريس المزيد من الموارد للدفاعات السيبرانية المحلية، وإنشاء ما يُعرف بالقوة السيبرانية (وهي القوة الضرورية في هذه اللحظة الحاسمة من قوة الفضاء الجديدة لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب)، والتي عمل بشكل وثيق مع حلفائنا، وشركائنا، وأصدقائنا في الخارج بغية تنسيق الأساليب الدفاعية، وتقديم الخبرات السيبرانية إلى أوثق الحلفاء لدينا خارج الكتلة الأوروبية مثل اليابان ودول الخليج العربية التي قد تواجه التهديدات السيبرانية الروسية كذلك.وأخيراً، قد تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الانتقام بطريقة مبتكرة. وفي حين أن الفكرة الجاذبة تقول بالرد بالمثل، عبر شن الهجمات السيبرانية المضادة على أجهزة الحكومة الروسية، فإن المقاربة الأكثر ألمعية في هذا السياق تتعلق بتوسيع نطاق العمل. ورداً على الهجوم على منظمات مكافحة المنشطات الدولية، على سبيل المثال، ينبغي فرض المزيد من قرارات الحظر على مشاركة العناصر الرياضية الروسية. ورداً على الجهود الروسية المناوئة لحلف الناتو، ينبغي علينا العمل عن كثب مع الاتحاد الأوروبي لزيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. وفي أعقاب الهجوم على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، يمكننا الانتقام لذلك عن طريق الكشف العميق وبالتفاصيل الموثقة عن فساد مسؤولين روس من أرفع المستويات في الحكومة الروسية، وليشمل ذلك مدى معرفتهم بالبرامج الكيماوية السرية لدى النظام السوري.هناك مقولة روسية قديمة منقولة عن لينين جاء فيها: «ابحث باستخدام الحراب: فإن لقيت ليونة... تابع. وإن لقيت صلادة... توقف». ومن المثير للاهتمام، كان الرئيس ريتشارد نيكسون هو من عمد إلى تعميم هذا المبدأ في الغرب، وكان يفهم اللغة الروسية بدرجة جيدة. وسوف تحتاج الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها إلى صياغة منهج أكثر صرامة في التعامل مع الموجة الجديدة من الهجمات السيبرانية الروسية.* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
مشاركة :