رغم الاحتدام غير المسبوق في علاقة «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) وحزب «القوات اللبنانية»، والخشية من بلوغها مرحلة «حرْق المراكب»، لم تتعاطَ أوساط متابعة مع «الخشونة السياسية» بين الكتلتيْن المسيحيتيْن الأبرز في لبنان على أنها تشكّل «ضربة قاضية» لمناخ التفاؤل بإمكان تأليف الحكومة الجديدة في الأسبوعين المقبلين.ومن خلف «الهجوم الصاعق» الذي شنّه رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل على «القوات» من على منبر ذكرى اقتحام الجيش السوري للقصر الجمهوري في بعبدا في 13 أكتوبر 1990 في عمليةٍ عسكرية أسقطتْ العماد ميشال عون (كان دَخَل القصر العام 1988 رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية قبل اعتباره متمرداً على الشرعية عقب إقرار اتفاق الطائف وانتخاب رئيس للجمهورية)، تلمّست الأوساط المتابعة إشاراتٍ بدتْ «حمّالة أوجه» وتحتمل تفسيرات «تراجُعية» في مسار التأليف «تحت ستار» الكلام «الناري».فباسيل تحدّث في الجانب «الهجومي» على «القوات» من دون تسميتها عن البعض «ممّن كانوا مجرمي حرب واليوم هم مجرمو سلم بفسادهم وكذبهم وعمالتهم (...) ويستدرجون الخارج لفرض مطالبهم المضخمة التي لا تعكس التمثيل السياسي والشعبي»، معلناً «يستقوون علينا بالاقتصاد والليرة وبحاجاتكم، وهذه نقطة ضعفنا، أمسكونا بنقطة ضعفنا، ويستحضرون كل شيء محرم أخلاقياً باللعبة السياسية، يستعملون الوسخ السياسي بالدعاية كي يحاصروا العهد»، قبل ان يؤكّد «سيكون الرد على محاولاتهم عرقلة تشكيل الحكومة وسنفشلهم بأننا سنشكل الحكومة، بما يعكس بالحد الأدنى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وسيكون عندنا حكومة قريباً، وهذا هو الانتصار بتأليف الحكومة، بعدما تأكدت نياتهم بعدم السماح بتأليفها».وتعاطتْ الأوساط المتابعة مع كلام باسيل على أنه ينطوي في جوهره على ما يشبه التمهيد للتراجُع خطوة وأنه يعكس قراراً «اضطرارياً» بولادة الحكومة وتصوير ذلك في ذاته انتصاراً على ما اعتبرَه مشروع إفشال العهد بمنْع تأليفها، لافتة الى أن اندفاعة رئيس «التيار الحر» تحتمل تفسيريْن ستكون الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتظهير صحّة أي منهما.الأوّل ان الحكومة باتت وشيكة وأن عون حَسَم قراره بمنْح «القوات» ما يكفي من التنازلات التي ترضيها لجهة طلب تمثيلها بشكل وازن تحت سقف حصة الأربعة وزراء ومن ضمنهم منصب نيابة رئاسة الحكومة، فيكون باسيل يتعمّد إظهار الأمر على أنه تَنازُلٌ لإنقاذ العهد والبلاد ولو بحصول «القوات» على ما يرى أنها لا تستحقّه، ويحاول تالياً إحراج «القوات» في الشكل وفي الإخراج الذي تتخذه التسوية.والثاني أن ما سمعه عون وباسيل خلال اللقاء مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في يريفان يوم الجمعة، أكد المؤكد لجهة ضرورة تسريع ولادة الحكومة في ظل مخاوف المجتمع الدولي على الواقع اللبناني بحال استمر تأخُّر تأليفها خصوصاً على «الفرصة الذهبية» التي يشكّلها مؤتمر سيدر بملياراته التي تفوق 11 مليار دولار والتي يمكن ان «تطير» إذا لم تتشكّل سريعاً حكومةٌ تتولى ترجمة خريطة الطريق المطلوبة للاستفادة من مقرراته.وبحسب الاوساط نفسها، لو اتّضح ان كلام باسيل هو تمهيد لجولة تفاوض جديدة على تنازلات إضافية، فإن «مضبطة الاتهام» التي ساقَها ضدّ «القوات» معطوفةً على استعادة العلاقة بين الطرفيْن أجواء «التوتر العالي» على المنابر كما على مواقع التواصل الاجتماعي، تعني أن أي تقدُّم في الملف الحكومي لن يكون متاحاً قبل تبريد «جبهة» التيار - القوات بحيث لا يَظهر أي تراجُع على انه انتصار لفريق على آخر، رغم الخشية من أن يكون مستوى التراشق الذي شهدته الأيام الأخيرة مؤشراً الى «قطْع الجسور» بين جناحيْ «اتفاق معراب» بما يصعّب مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري.وتبعاً لذلك ومع انقضاء مهلة الأيام العشرة التي كان الحريري حدّدها كمهلة افتراضية لتأليف حكومته، تُبْقي الأوساط عيْنها على اقتناعها بأن فرصة الإفراج عن الحكومة في أكتوبر ما زالت قائمة انطلاقاً من «الموجبات» الداخلية الاقتصادية - المالية، والخارجية ذات الصلة بموجة العقوبات الأقسى على إيران ابتداءً من 5 نوفمبر ومصادقة مجلس الشيوخ قبل أيام على مشروع قانون فرْض عقوبات جديدة على «حزب الله» بات ينتظر توقيع الرئيس الاميركي دونالد ترامب ليصبح نافذاً، ناهيك عن مجمل المناخ المتفجّر في المنطقة والتهديدات الاسرائيلية للبنان. مجلس الشيوخ الأميركي يستهدف «حزب الله» و«حماس» «العربية. نت» - مرر مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع، مشروعي قانونين يستهدفان «حزب الله» ومموليه ومسلحيه وداعميه، بالإضافة إلى من يساهمون في «حزب الله» وحركة «حماس» في استخدام الدروع البشرية. ويمنع القانون تمويل «حزب الله» خارج لبنان وداخله، ويسمح للحكومة الأميركية ملاحقة الحزب كـ «منظمة إجرامية دولية، وليس فقط إرهابية»، الأمر الذي يسمح للولايات المتحدة باستهداف الحزب ومموليه حتى في الدول التي لا تصنفه «منظمة إرهابية». وكان مجلس النواب صوت لمصلحة القانون سابقاً، ويتوقع أن يدخل حيز التنفيذ بعد توقيع الرئيس دونالد ترامب عليه خلال أيام. أما مشروع القانون الخاص باستخدام «حزب الله» و«حماس» للدروع البشرية ففريد من نوعه، حيث إنه يتطلب من الرئيس فرض عقوبات على الأشخاص الذين يساعدون التنظيمات الإرهابية في استخدام الدروع البشرية. وستنتقل مسودة القانون إلى مجلس النواب ليصوت عليها. ويأتي هذان القانونان كجزء من حملة أميركية أوسع - بمشاركة الفرعين التنفيذي والتشريعي - لاستهداف إيران وأذرعها في الشرق الأوسط.
مشاركة :