هل يجوز لكل من هب ودب أن يتصدر للفتوى؟ وأن يدس أنفه فيما يعرف وما لا يعرف، مع أن الفتاوى الدينية لها من العلماء والمختصين الذين يعرفون أصول الفتوى وشروطها ومتى تقال؟ ومما يؤسف له أننا في السنوات الأخيرة، وبين حين وآخر نسمع عن فتاوى غريبة وشاذة تسبب الكثير من البلبلة والاضطراب بين صفوف المسلمين، منها على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي جوزت صلاة العيد بخطبة واحدة، ومنها عدم جواز الصلاة على الكرسي في المساجد للمرضى وكبار السن، ومنها الفتوى التي جوزت لامرأة بأن تؤم المصلين في الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في تاريخ المسلمين. ولخطر الإفتاء ومسؤوليته العظيمة عند الله سبحانه وتعالى، كان الصحابة والتابعون يتورعون عن الفتوى ويحيلها بعضهم إلى بعض خشية الوقوع في الخطأ في حكم من أحكام الله تعالى، فالمفتي وارث للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء». ولذلك يحرم على كل فرد قرأ شيئاً من الكتب أو تتلمذ على يد بعض طلبة العلم ممن ليس له باع في أصول الفقه أن يتصدر للفتوى. وقد وضع علماء الأمة شروطاً اعتبروها أساسية في المفتين، وهي حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ومعرفة الخاص والعام والمجمل والمبين وغير ذلك من أصول العلم حتى لا تتعارض الأحكام مع بعضها، بالإضافة إلى كونه ثقة متنزها عن الفسق وخوارم المروءة، عفيف النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظاً.. يقول الحق سبحانه وتعالى: «ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم»، وفي هذه الآية تخصيص لأهل الفتوى بأنهم الذين يعرفون كيف يستنبطون الأحكام من النصوص الشرعية. والمؤسف أن بعض هذه الفتاوى مضحكة ومبكية في نفس الوقت مثل الفتوى التي صدرت قبل سنوات بحرمة قيادة المرأة للسيارة، مع أن قيادة المرأة للسيارة أستر لها من ركوب الجمل أو الناقة أو الخيل.. ومن هنا أجازت المملكة العربية السعودية الشقيقة مؤخراً سياقة المرأة للسيارة بدلاً من أن تركب مع السائق الأجنبي.. فذلك أحفظ لها ولشرفها وعفتها. ويرى العلماء المسلمون أن الفتاوى على قسمين، قسم للمسائل الحديثة التي لم يكن لعلماء وفقهاء الأمة رأي فيها قبل ذلك، فمثلها يجب أن تتصدى لها المجامع الفقهية التي تضم أهل العلم والفقه ومن توجد فيهم صفات المجتهدين، أما المسائل التي سبق أن أفتى فيها المفتون فتحتاج في كل بلد إلى لجنة هي التي تعطي الفتاوى في هذه المسائل، وأن تذكر اللجنة أن في المسألة خلافاً بين العلماء حتى لا تضيق واسعاً على الناس.
مشاركة :