المناورات العسكرية لحلف الناتو.. استراتيجية الردع مجددا

  • 10/15/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في الثاني من أكتوبر 2018 أعلن ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» أن الحلف سوف يجري مناورات هي الأضخم من نوعها منذ انتهاء الحرب الباردة خلال الفترة من 25 أكتوبر إلى 7 نوفمبر2018. وعلى الرغم من عدم صدور أي تصريحات رسمية من الحلف بأن تلك المناورات موجهة إلى طرف بعينه وأخذًا في الاعتبار أن المناورات هي في حد ذاتها استعراض للقوة فإن حجم تلك المناورات وتوقيتها بل ومكانها تثير تساؤلات عديدة، فمن حيث المضمون تتضمن تلك المناورات التدريب على نقل قوات أكبر بشكل أسرع حال تعرض إحدى دول الحلف لتهديد خارجي، ومن حيث الحجم ستكون بمشاركة 45 ألف عسكري، و150 طائرة و70 سفينة و10 آلاف مركبة من دول الحلف وتحاكي حالة حرب حقيقية في مواجهة عدو افتراضي، ومن حيث المكان فقد توجه الجنود إلى عدة مناطق منها منطقة البلطيق والجبهة الشمالية الشرقية للحلف عمومًا. ومع أنه لا يمكن الفصل بين تلك المناورات ونظيرتها التي أجرتها روسيا خلال شهر سبتمبر الماضي بمشاركة 300 ألف جندي من مختلف الأسلحة، فضلاً عن المعدات العسكرية وكانت هي الأضخم أيضًا منذ الثمانينيات، فإن مناورات الناتو تعكس دلالات عميقة بالنسبة إلى تطور الاستراتيجية الدفاعية للحلف والتي سيكون لها بلا شك انعكاسات مهمة على الأمن الإقليمي والأمن العالمي، فمن المعروف أن جوهر عمل الحلف تحدده المادة الخامسة من الميثاق والتي تعتبر أن أي اعتداء على دولة ما في الحلف هو اعتداء على الحلف ذاته وهي أساس تدخل الحلف في الأزمات والتي تم تفعيلها للمرة الأولى في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001. صحيح أن تدخل الحلف في بعض الأزمات لم يكن بالضرورة مرتبطًا بمضمون تلك المادة إلا أنه كانت هناك مرجعيات قانونية دولية لذلك التدخل، ومن ثم، فإن الحلف من خلال تلك المناورات يؤكد مجددًا أن التدخل العسكري حال تعرض إحدى دوله الأعضاء لاعتداء ليس أمرًا مستبعدًا لارتباط ذلك بشكل أساسي بتطبيق مفهوم الردع، فضلاً عن أن الحلف بات يدرك حجم التغير الاستراتيجي الذي يشهده النظام العالمي في ظل ظهور بوادر شراكات ما بين الصين وروسيا وهو ما تؤكده مؤشرات عديدة ليس أقلها مشاركة الصين للمرة الأولى في المناورات الروسية الأخيرة، كما أن التحولات التي تشهدها الاستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة والتي سيكون جل تركيزها على آسيا تجعل الحلف مدعوًا إلى العمل على سد ما قد يراه «فراغًا استراتيجيًا محتملاً» في منطقة الشرق الأوسط، ولا شك أن تلك المناورات تأتي ضمن استراتيجية الحلف للتعامل مع المستجدات التي شهدتها الجبهة الشرقية للحلف والتي شهدت تحولات جوهرية على خلفية القرار الروسي بضم شبه جزيرة القرم وما تلاها من تطورات منها نشر الناتو الآلاف من الجنود في دول البلطيق واستحداث آلية جديدة تسمى رأس الحربة عام ،2014 والتي لديها القدرة على الانتشار في غضون يومين حال وقوع أزمات تهدد الأمن القومي لدول الحلف بشكل مباشر. ومع أهمية ما سبق فإن الحلف الذي لايزال المنظمة الدفاعية الأقوى منذ انتهاء الحرب الثانية وحتى الآن يواجه تحديات يتعين التعامل معها، منها: تزامن الصراع على جبهتي الحلف، فالأمر لا يرتبط بالجبهة الشرقية فحسب حيث إن تطورات الجبهة الجنوبية تتسارع وتيرتها بالنظر إلى تزويد روسيا لسوريا بصواريخ إس 300 التي من شأنها تكريس الخلل في توازن القوى الإقليمي، فضلاً عن توجه تركيا –أحد أعضاء الحلف-إلى شراء منظومة إس 400 من روسيا والجدل حول إمكانية إدماجها في دفاعات الحلف من عدمه؟، بالإضافة إلى استمرار احتدام الأزمات الإقليمية التي تمثل تحديًا للحلفاء والشركاء على حد سواء ليس أقلها البرامج النووية الإيرانية والبرامج الصاروخية الإيرانية والتي تثير التساؤلات عن دور محتمل للحلف لمواجهتها؟ ومع أن عمل الحلف يتحدد وفقًا للميثاق المنشئ والذي استحدث آلية جديدة لعمله تتمثل في المفهوم الاستراتيجي الذي يصدر كل عشر سنوات ويتكامل مع الميثاق ولا يتناقض معه حيث يتوقع صدور المفهوم الجديد خلال العام 2020 فإنه يتعين على صانعي القرار في الحلف أخذ تلك المستجدات بعين الاعتبار والتي لا ترتبط بالتحديات التي تواجه الحلف كمنظمة دفاعية، بل ببيئة عمل الحلف وخاصة تلك التي يحظى فيها الحلف بشراكات مهمة وهي منطقة الخليج العربي وشمال إفريقيا وهي المناطق ذاتها التي تسعى دول أخرى مناوئة للحلف إلى تعزيز شراكاتها فيها بما يتطلبه ذلك من إمكانية تطوير تلك الشراكات. ومع أهمية ما سبق فإن التساؤل المنطقي هو: أين الأمن الإقليمي من ذلك الصراع؟ وأتصور أن الإجابة عن ذلك تكمن في ثلاثة أمور مترابطة أولها: كلما احتدم الصراع الأطلسي - الروسي ازداد أمد الأزمات الإقليمية بل إن الخطر يكمن في عسكرة ذلك الصراع من خلال حصول بعض الأطراف الإقليمية على منظومات صواريخ متقدمة، وثانيها: في ظل توجه الولايات المتحدة للاهتمام بآسيا بشكل أكبر عما ذي قبل وفقًا لمراجعة استراتيجية الدفاع الأمريكية المعلنة عام 2012 فإن ذلك سوف يعزز من دور حلف الناتو تجاه أزمات الشرق الأوسط، صحيح أن للحلف محددات للتدخل العسكري المباشر إلا أنه يبقى عامل ردع مهما بشأن أي تهديدات محتملة ومنها ضمان أمن الطاقة، وثالثها: مع استمرار الصراع الأطلسي-الروسي فإن ذلك من شأنه زيادة حدة الاستقطاب الإقليمي. ومجمل ما سبق أن النظام العالمي برمته في مرحلة تحول في مراكز القوى والتي سوف تنعكس بلا أدني شك على معادلة الأمن الإقليمي الراهنة بما يتطلب متابعة تلك التحولات وآفاقها المستقبلية وكيفية التعامل معها. ‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة

مشاركة :