موسكو – وقّع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبدالفتاح السيسي الأربعاء اتفاقية بشأن الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين، في خطوة من شأنها أن تحدث نقلة نوعية على مستوى العلاقات الروسية المصرية التي شهدت انتعاشة منذ تولّي الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئاسة في مصر في العام 2014. وجاء توقيع الاتفاقية إثر لقاء قمة عقد في مدينة سوتشي الروسية المطلة على البحر الأسود، بحث خلاله الرئيسان العلاقات الثنائية وعددا من القضايا الإقليمية وعلى رأسها القضية السورية، وذلك في إطار زيارة السيسي إلى روسيا التي بدأت الاثنين. وخلال إعلان مشترك للرئيسين جرى بعد مراسم توقيع الاتفاقية، أشاد بوتين بالاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل إليها خلال القمة، مشيرا إلى أن محادثاته مع الرئيس المصري جرت في أجواء عملية بناءة. وقال الرئيس بوتين إنه ناقش مع نظيره المصري بالتفصيل التعاون في مجال الطاقة، وخاصة مشروع بناء محطة الضبعة النووية بمصر، التي تبنيها شركة “روس آتوم” الروسية. وأضاف أنهما تطرّقا لمسألة استئناف رحلات الطيران بين البلدين، لافتا إلى قرب استئناف الرحلات إلى شرم الشيخ والغردقة. Thumbnail وأوقفت موسكو رحلاتها الجوية إلى مصر عقب حادثة تحطم طائرة روسية تقل سياحا بمنطقة سيناء في أكتوبر 2015، وتم في ابريل الماضي استئناف الطيران الروسي إلى العاصمة القاهرة، لكن حركة الطيران المباشرة لم تعد إلى الوجهات السياحية على البحر الأحمر بشرم الشيخ والغردقة (شرق). ويشكّل استئناف الرحلات إلى الغردقة وشرم الشيخ أحد الملفات العالقة بين روسيا ومصر، والتي أثار عدم حلّها استياء القاهرة، التي ترنو لعلاقة متميزة مع موسكو التي تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى رقم صعب في المعادلة الدولية. وقال بوتين، في مؤتمر صحافي مع نظيره المصري في سوتشي، إن التبادل التجاري بين روسيا ومصر ارتفع خلال العام الماضي بنسبة 60 بالمئة. وأضاف بوتين “وافقنا أنا والرئيس السيسي على مبادرة إعلان العام 2020، عاما متبادلا للتعاون الإنساني”، مشيرا أنهما بحثا التعاون العسكري التقني بين البلدين. وأضاف “بحثنا بالتفصيل آفاق التعاون العسكري التقني. ولا يقل أهمية التعاون العسكري. روسيا ومصر تتعاونان بنجاح في هذه الاتجاهات على مدى عقود”. وعرض على الرئيس المصري شريط فيديو لأسلحة روسية حديثة قد تكون مدار مفاوضات في المستقبل القريب، وتعتبر مصر أحد أبرز المورّدين للأسلحة الروسية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. من جانبه أكد السيسي خلال المؤتمر الصحافي أن اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي تعدّ نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين. واعتبر السيسي، أن اتفاقية إنشاء المحطة النووية في الضبعة (شمال غرب)، إضافة إلى مشروع المنطقة الصناعية الروسية في شرق بورسعيد (شمال شرق)، تنقلان التعاون الاقتصادي بين البلدين، من مرحلة التبادل التجاري إلى مرحلة التعاون في التصنيع. وفي 19 نوفمبر 2015، وقّعت مصر وروسيا اتفاقا مبدئيا لإنشاء وتشغيل محطة الطاقة النووية في الضبعة، وتمويلها عبر قرض بقيمة 25 مليار دولار، قبل أن يتم التوقيع على العقود النهائية في ديسمبر الماضي. وفي فبراير 2016، وقّع البلدان مذكرة تفاهم حول إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بمنطقة قناة السويس، على مساحة مليوني متر مربع، لتضم مشروعات لإنتاج جرارات زراعية ومنتجات بتروكيميائية. وخلال المؤتمر الصحافي تطرّق الرئيس المصري إلى الملفات الإقليمية التي كانت حاضرة بقوة في اللقاء مع نظيره الروسي. وفي ما يتعلق بالملف الفلسطيني قال السيسي ”لمسنا التقارب الكبير في مواقف مصر وروسيا إزاء عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، لا سيما تأكيد الثوابت، المتمثلة في ضرورة التوصل إلى حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، ووفقاً لحدود عام 1967 ولأحكام القانون الدولي ومبادرة السلام العربية”. ولفت الرئيس المصري إلى أن تطوّرات الأوضاع في سوريا حظيت بحيّز مهمّ من النقاش حيث اتفقا على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين مصر وروسيا، حول هذا الملف الحيوي، والعمل على تفادي المزيد من التصعيد الميداني في سوريا، بالتوازي مع بحث سبل دعم الحل السياسي، يُحقق الطموحات المشروعة للشعب السوري ويحافظ على وحدة الدولة السورية وسلامتها الإقليمية. وتعتبر روسيا الممسك بخيوط اللعبة في الصراع السوري، حيث أنها ومنذ تدخّلها المباشر بالعام 2015 في الصراع الدائر في هذا البلد، نجحت في قلب موازين القوى لصالح حليفها نظام الرئيس بشار الأسد، الذي كان على شفى الانهيار. Thumbnail وقد سجل خلال العامين الماضيين تعاون روسي مصري بشأن الملف السوري، بيد أن موسكو تريد من القاهرة اليوم أن تلعب دورا متقدما أكثر لجهة إعادة تعويم النظام السوري، ووصله بمحيطه العربي عبر إقناع الدول المتحفظة على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وقال السيسي إنه حرِص على إحاطة الرئيس بوتين برؤية مصر، إزاء الحل السياسي في ليبيا، والجهود المبذولة من القاهرة، على صعيد توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لتمكينها من القيام بمهامها بفاعلية. وأبدت روسيا اهتماما في الفترة الأخيرة بالساحة الليبية، بيد أن تدخّلها يبقى محتشما في هذه الساحة المزدحمة بالأجندات الخارجية المتضاربة.
مشاركة :