اللامبالاة..تخلصٌ من ضغوط الحياة أم هروب من المسؤولية؟

  • 10/19/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يقول الشاعر محمود درويش: إن اللامبالاة «صفة من صفات الأمل» فهل قصد أمل العيش بعيداً عن ضغوطات الحياة وأعبائها..؟ لكننا في حياتنا اليومية لا بد أن نكون فاعلين إيجابيين رافضين لأي فكر سلبي يؤثر في معطيات حياتنا ولكن بالقدر الذي يسمح لنا بالاستمرارية والعيش بأريحية، فقط أنصت للآخرين ولا تهتم بما لا يفيد بشكل إيجابي فلا تضع الأمور بغير نصابها ولا تعطها اهتماماً بالغاً تشحن به ذهنك العاصف بكثير من مشاغل الحياة.. كن إيجابياً وعملياً لا تكترث ولكن بفن.. فن التعامل بحرفية فن الصمت، فن الرد بالوقت المناسب ضع في حساباتك نفسك أولًا وما تحتاجه قبل الآخرين.. وإذا كنت من أصحاب مبدأ الإيثار فليكن بالقدر الذي لا يؤذيك نفسياً وجسدياً. يؤكد الكاتب مارك مانسون مؤلف كتاب فن اللامبالاة الذي اشتهر عالمياً وزاد الاهتمام به بعد ظهوره بصحبة اللاعب المصري محمد صلاح أن «الإنسان لابد أن لا يكون إيجابياً طوال الوقت»، فهل حينها تصبح اللامبالاة فناً؟ وهل يصح وصف البعض للامبالاة بأنها تجاهلٌ؟ نوعان مختلفان الدكتور محمد بن محفوظ مستشار في إدارة وتنمية الموارد البشرية والشؤون الأسرية والتربوية يقول اللامبالاة والتجاهل في كل الأحوال، سلاح ذو حدين.. ولكن ما تعريفنا للامبالاة والتجاهل؟ بكل اختصار: اللامبالاة المحمودة مثل من يتظاهر بالاهتمام ويستمع لأحد موظفيه أو أبنائه أو زوجته من باب التفريغ وهذه لامبالاة محمودة ونتائجها كبيرة جداً. وأذكر من عملي في منصب قيادي في الموارد البشرية، أني كنت إذا لاحظت على أي موظف مشاعر الاكتئاب أو الإحباط أو الحزن.. أجلس معه في مكتبي، وأطلب منه تفريغ ما بداخله وإن كان في يدي مساعدته ساعدته أو وجهته أو دعوت له.. إضافة إلى الاستماع للزوجة لأنه ثبت علمياً بأن جل ما تريده الزوجة من زوجها (الاستماع) وهنا مطلوب من الزوج التجاوب معها في الإيماءات والردود البسيطة دون الخوض في التفاصيل. لأن الموضوع أولاً وأخيراً هو تفريغ والوضع نفسه مع الأبناء فهم بحاجة للاستماع إلى قصصهم وما يحدث معهم في المدرسة أو النادي - بقصد التفريغ - بشكل شبه يومي من ثلاث إلى خمس دقائق.. ويضيف: اللا مبالاة غير المحمودة تتمثل في أن تعطي انتباهك لحدث ما أو حديث ما ثم لا تبالي به جملةً وتفصيلاً. مثل الذي يوقف سيارته في الطريق العام ليشاهد حادث سير ومصابين ولا يبالي بفعل أي شيء سوى المشاهدة والفضول وإضاعة وقته ووقت من ينتظره في عمله أو بيته أو من يجعل يومه عيده أي يصرف ما عنده من مال ولا يبالي بالغد ولا يجتهد في التوفير أو الأب الذي يهمه ذهاب أبنائه للمدرسة ولكن لا يبالي إطلاقاً بالمتابعة والتطوير والتعليم والتقوية وتنمية مهاراتهم.. فالتجاهل المحمود هو أن يقفل الإنسان كل حواسه في وجه حدث ما أو حديث ما يعيق تطويره أو تعلمه أو يؤثر في سمعته أو سلوكه ولا يقف عنده ولا يعطيه أي أهمية إطلاقاً.. وفي المقابل هناك من يقدم النصح أو التوجيه أو يفرض آراء مخالفة للمبادئ والقيم والسلوكيات (وبحكم وضعه الأسري أو الوظيفي أو الاعتباري) يحتم الوضع أن نسمع لا عليك اسمع ولا تنصت ولكن لا تبالِ إطلاقاً بالتطبيق واتبع حدسك بما يرضي الله وبما يتماشى مع أهدافك.. «طنش.. تعِشْ.. تنتَعِشْ» الدكتور هشام بن أحمد آل طعيمة إخصائي تدريب وتطوير وتحليل شخصيات يقول (طنش.. تعِشْ.. تنتَعِشْ) ثم يشرح: اللامبالاة هي حالة وجدانية سلوكية تنتاب الإنسان في حالة تجرده من الأحاسيس والمشاعر مع شيء من الاستهانة بمشاعر الآخرين من حوله أو استحقارهم أحياناً، ما يؤدي به إلى أن يتصرف من دون أن يعير تصرفاته أو ردود أفعاله وطريقة تعاملاته أي اهتمام يذكر غير آبهٍ بالنتائج المترتبة على ذلك. وعادة ما تظهر هذه الصفة في شخصية الإنسان بعد تعرضه لصدمات نفسية متتالية أو إهمال أو خيبة أمل وذلك بسبب فرط الضغوطات النفسية عليه من جراء هذه الصدمات وأحياناً ما تكون العدوانية تجاه الآخرين سبباً في أن يكون الإنسان لا مبالياً أو تعرضه للحرمان وما شابه ذلك، ولكن لو نظرنا إلى حياتنا بشيء من الواقعية سنجد أننا بحاجة إلى شيء من اللامبالاة وذلك حتى نعيش بسلام مع أنفسنا أولاً وبالتالي مع الآخرين من حولنا علماً أن اللامبالاة تُعد سلاحاً ذا حدين (إما أن يكون إيجابياً أو أن يكون سلبياً) فمثلا هنالك من الناس من يتبع سياسة اللامبالاة، بل ويتفنن فيها خاصة حينما يجد من حوله لا يستحقون الاهتمام أو الاعتبار أحياناً أو إذا كانت بيئة سلبية ومحبطة ومثبطة للآمال ففي مثل هذه الحالات يلجأ الإنسان منا إلى اللامبالاة لا شعورياً دفاعاً عن ذاته وكسباً لنفسه بدلاً من أن يضيع وقته مع أناس لا يشعرون بقيمته أصلاً أو أنهم ليسوا في مستوى تفكيره وتطلعاته متبعاً بذلك السياسة التي يطلق عليها بالعامية (طنِّشْ.. تعِشْ.. تنتعِشْ..!!) وهنا تكون ل اللامبالاة فائدة نفسية وجسدية. وفي مقابل ذلك هنالك أمور لا تحتمل اللامبالاة كالمعتقدات الدينية أو الحياة الزوجية أو تربية الأطفال وما شابه ذلك فلو واجهها باللامبالاة سيترتب على ذلك عديد من العواقب والعقبات التي تواجه الفرد نفسه بتأزم حياته أكثر فأكثر وذلك مع أهمية الأخذ بالاعتبار أن هنالك فرقاً ما بين اللامبالاة والتجاهل، حيث إن التجاهل أعلى درجة وأعمق وطأةً من اللامبالاة على الآخرين، حيث إن التجاهل يوحي بعدم الاعتراف - صراحةً - بالآخر علماً أن التجاهل عادة ما يصدر عمداً من الإنسان وبشكل صريح وذلك على عكس اللامبالاة التي عادة ما تكون سلوكاً صادراً بشكل لا إرادي من الإنسان.. لذا – إن لزم الأمر - يمكن أن نتعامل بشيء من اللامبالاة مع الآخرين وذلك بهدف إيصال رسائلنا وبلوغ أهدافنا بشكل أنيق وراقٍ بدلاً من اللجوء إلى التجاهل المرفوض من كل المجتمعات والذي أحياناً ما يصل بالإنسان إلى استحقار من حوله وعدم احترامهم. الصبر وقهر الطاقة السلبية الدكتورة مريم البتول الكندري أكاديمية وإعلامية بمركز الإعلاميات العربيات تعتبر أن اللامبالاة أسلوب له معانٍ مختلفة ما بين سلبي وإيجابي وعليه تختلف المواقف ويختلف القرار بالاهتمام أو اللا اهتمام.. وأيضاً التكوين الكيماوي لكل شخص قد يختلف حسب الثقافة البيئية التي تشكل الشخصية.. واللامبالاة صفة سلوكية سلبية إذا افترضنا أن الإنسان لا يبالي بقوانين وأسس الحياة والزمن الذي لا يعوض إذا ذهب لن يعود فهذه اللامبالاة سلبية لأنها تعني عدم المسؤولية في ما لنا وما علينا أن نقوم به تجاه واجباتنا.. أما إذا كان هنالك عثرات وسلبيات أو نكسات تحطم وجود الذكاء الإحساس الوجداني لاستمرارية الحياة فعلينا انتهاج اللامبالاة حينئذ.. ولنحافظ على المناخ الإيجابي الذي يقهر الطاقة السلبية. أما الإعلامية رفيقة مولهي فترى أن اللامبالاة عادة تكون كسلوك يومي يصدر عن أشخاص سلبيين أو يفتقرون إلى حس النقد والتغيير والإحساس بالمسؤولية، أما التجاهل فهو اختيار فردي وهو في أغلبه رد فعل تجاه حالات محسومة مسبقاً أو ازدراء لبعض المواقف أو الأشخاص وغالباً ما يكون عقاباً لهم...هناك مثل فرنسي يقول...التجاهل طبق يؤكل بارداً....l›indifférence est un plat qui se mange froid.. إذاً اللامبالاة عندما تعم أفراد المجتمع تصبح عائقاً أمام كل تغيير وكل تطور لأن المسؤولية وهي عكس اللامبالاة تجعلنا نتحرك نحو الأفضل أما التجاهل فهو اختيار ذكي وفعل إرادي لتفادي الصدام وغالباً يعقبه رد فعل إيجابي ضمنياً..فالحياة عبارة عن توازن نسبي بين التحكم في ما نستطيع وما لا نستطيع فأعط كل ما عندك في الأمور التي تستطيع أن تتحكم بها، وتعلم الصبر وعدم التوتر في الأمور التي لا تستطيع أن تتحكم بها لعيش حياة متّزنة». اللامبالاة قمع للأحاسيس أم ضرورة للتوازن؟ المستشار الأسري والتربوي أحمد الخميسي يقول اللامبالاة ليست التجاهل .. بل اللامبالاة سلوك تغلب عليه السلبية وربما يفقد الشخص دوره الحقيقي في الحياة كأب كزوج كموظف كمسؤول وغيرها من الأدوار التي تتطلب منه قدراً من المسؤولية والحرص حتى يتقن أداءها على الوجه المطلوب في المقابل التجاهل خلق حميد يعني فقط التجاوز عن بعض وليس كل ما يصدر من المحيط الخارجي أياً كان تجاوزاً يحفظ للعلاقة والموقف الإطار الإيجابي السليم كما يحفظ أيضاً للنفس طاقتها النفسية واستقرارها بعدم استهلاك انفعالات قد تكون مضرة ومدمرة أحياناً.. ويضيف:مع احترامي لوجهة نظر الكاتب مانسون وكتابه الشهير فن اللامبالاة فالحقيقة أن مصطلح اللامبالاة في علم النفس حالة وجدانية سلوكية معناها قمع الأحاسيس مثل الاهتمام والإثارة والتحفز أو الهوى فلا يهتم من يتعامل بها بالنواحي العاطفية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها يسيطر عليه سلوك الكسل والهروب وعدم المواجهة والخوف ربما ويتسم باستخفافه بمشاعر الآخرين واهتماماتهم. لكن للاستشارية النفسية والأسرية لمي الصفدي رأياً آخر في اللامبالاة.. فهي تعتبرها بمعنى فن التجاهل للأحداث التي نرغب ألا تأخذ حيزاً من تفكيرنا أو اهتمامنا.. أو تجاهل أشخاص وجودهم أو أسلوب مستفز.. اللامبالاة أسلوب صحيح إذا استخدم بطريقة صحيحة.. لتفادي الأشخاص السلبيين والعلاقات الاجتماعية الهادمة غير المفيدة.. وتكون سلبية إذا أصبحت أسلوباً انسحابياً بشخصية الإنسان لتفادي المشاكل أو حلها أو مواجهة أشخاص ومواقف.. أو وصولًا للانعزال عن المجتمع أو الدخول بحالات من الاكتئاب. أرجوحة بين السلب والإيجاب المستشار الأدبي الدكتور عبد الله البطيان يعتقد أن اللامبالاة سلوك يتسم بمقياس أدائي يخالف طبيعة ما، فقد يوصف تارة بأنه سلوك مشين حين يكون سمة اللامبالاة في أدائه سمة أخلاقية فلا تقبل سمة الأخلاق إلا في العلو، وتارة تكون إيجابية وتدخل ضمن أداة يقوم بها المسلم المؤمن في قالب (التغافل) نعم كما ذكر مارك مانسون في كتابه أنه اللامبالاة فن ولن تكون كذلك إلا من خلال دربة يعتاد عليها الفرد ليخالف طبيعة ما مغايرة له، أما حينما نتحدث عن (التغافل)، فالتغافل إيمان يقوم به الإنسان ليتجاوز عن زلات من حوله ويتخطى الخلافات التي تتطلب المواجهة وقد تكون تلك السمة غاية في الأهمية لتستمر عجلة الحياة لأن من قوانين الطبيعة قانون الاختلاف والتنوع ولهذا فالتغافل مطلب لتستقيم الحياة بألوانها وأنماطها وأشكالها المختلفة لأن الله جل وعلا خلقنا مختلفين لغاية استمرارنا ضمن العيش الكريم وفق قناعاتنا المختلفة التجاهل، التغافل، اللامبالاة، التفويت، التطنيش، وهناك عبارات تحدوها في أدب اللهجة الدارجة كال (مطجع) وهي ألفاظ تسم الشخص الذي يمارس سلوك التمرير وتعدية الأمور دون التوقف عليها كي تمضي الحياة قدماً دون مصادمات، وهنا حسب قياس مجتمع عن غيره وحسب الموضوع الذي يقام به كسلوك وبمقدار التمييز يقبله الناس وقد يرفضه، وبجهتي أقبل التغافل إن كان له أثر يجلب الإيجابية ويدحر السلبية لأن الضغوطات النفسية هي بين الوجود والعدم كما ذكر الإخصائي النفسي والمستشار الأسري أ. علي التمار في كتابه الضغوطات النفسية بين الوجود والعدم وفصل في ذلك. وهل اللامبالاة في الفن «فن»؟ تجيبنا الفنانة السعودية وعد قائلة: اللامبالاة أمر لا بد منه في حياتنا نحن الفنانين لأننا إذا كنا نبالي بكل ما يصدر عن بعض الجمهور أو الزملاء أو الزميلات فسوف نتعب كثيراً.. أنا مع اللامبالاة ولكني لا أقدر أن أجعلها أسلوب حياة بالنسبة إلي أنا إنسانة صريحة وواضحة وأدقق في كل شيء. أنا مع اللامبالاة التي لا تصل إلى حد التجاهل إلا في علاقات شخصية للإنسان فإذا كان الشخص لا يهمه يتجاهله بشكل تام وبأي طريقة تروق له.. وتختم: اللامبالاة مهمة في حدود معينة لا تصل أبداً للتجاهل ففي الحياة ما يستحق الإنصات والاهتمام بشكل فعلي ولنكن وسطيين فخير الأمور الوسط واللامبالاة لازمة لنا كي نقدر على استكمال مسيرة حياتنا. أقوال تميل إلى اللامبالاة يقول توماس جيفرسون: أفضل المواهب هي ألا تستخدم كلمتين عندما تكون كلمة واحدة كافية. ويقول أنطوان تشيخوف: «الحياة كل يوم تصبح أكثر تعقيداً، وتمضي في اتجاه ما من تلقاء نفسها، أما الناس فيزدادون غباء بصورة ملحوظة، ويصبح عدد متزايد من الناس على هامش الحياة».

مشاركة :