في أدبيات سياسية متنامية، تبدو «إسرائيل» اليوم وكأنها أضحت مزرعة خاصة لرئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو). بل إنها تحولت إلى «دولة محرضين»، فسادت الكراهية بين فئات المجتمع الإسرائيلي المختلفة، وتم مأسسة التمييز العنصري (الأبارتايد) عبر «قانون القومية» الذي يلغي الآخر والذي هو قانون أساسي، أي له مكانة دستورية، سيُبنى عليه الكثير من السياسات الحكومية والقرارات القضائية والقوانين الفاشية الأخرى. كما أن (نتنياهو) بات الآمر الناهي في «إسرائيل» رغم تنامي تهم الفساد الموجهة له من دون أن يبالي. مواصفات عديدة تثبت أن حكومة (نتنياهو) حولت «إسرائيل» إلى دولة عالمثالثية، وهي التي كانت -ولا تزال- تنظر إلى نفسها باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في «مستنقع» الشرق الأوسط الديكتاتوري الذي تعيش فيه. ومن أبرز هذه المواصفات: { دول الشرق الأوسط والعالمثالثية تتعرض الأقليات فيها للقمع، وهذا بالضبط ما بات واقعا في «إسرائيل». ولم يكن مستغربا أن يقف (نتنياهو) نفسه وراء «قانون القومية». إذ هو، منذ سنوات، يصور فلسطينيي 48 كمصدر إزعاج، واصفا إياهم «بالمشكلة الديموغرافية» من دون أن يظهر اهتمامًا بالمجتمع العربي ومشكلاته. { استشراء الفساد على المستوى العالي! فعاصفة الفساد الأخيرة التي هبت في «إسرائيل» غيرت «النظرة الإيجابية» المتعلقة بالدولة الصهيونية. و(نتنياهو) نفسه هو بطل هذه العاصفة بلا منازع، حيث تحقق معه الشرطة الإسرائيلية منذ عدة أشهر، بالإضافة إلى زوجته سارة. طبعا، من دون إغفال أن «الدولة الإسرائيلية» لا تزال تحاسب من يخالف القانون من مسؤوليها. { (نتنياهو) غير مهتم بعالمه الخارجي، ويقتصر اهتمامه على الدعم الأمريكي المتواصل وخاصة مع وجود الرئيس (دونالد ترامب) في البيت الأبيض ربما لسنين قادمة يأمل (نتنياهو) نفسه أن يبقى فيها رئيسا للوزراء. { تهديد استقلالية القضاء الذي أصبح جبهة يجري فيها صراع حاد. فوفقا لمبادئ «الديمقراطية الإسرائيلية»، تملك «المحكمة العليا» صلاحية إلغاء القوانين التي يشرعها «الكنيست» (البرلمان الإسرائيلي) إذا هي لم تتماش مع القوانين الأساسية. غير أن هذا «الكنيست» صادق على مشروع قانون (ضمن مصادقات أخرى) يقضي بنقل صلاحيات اتخاذ قرارات قضائية متعلقة بالضفة الغربية من المحكمة العليا إلى المحكمة المركزية في القدس المحتلة، بمعنى أن طلبات الالتماس ضد سكان المستعمرات/ «المستوطنات» في الضفة ستقدَّم في المرحلة الأولى إلى المحكمة المركزية وليس إلى المحكمة العليا مباشرة، وهو ما يتيح للمستعمرين تقديم استئنافات لطلبات الالتماس هذه، وهو الأمر المحظور سابقا. { وكان للتعليم أيضا نصيبه الخطر. فقد تم إقرار قانون يمنع المنظمات الإسرائيلية التي لا تتطابق مواقفها مع وجهة نظر وزير التعليم (نفتالي بينت) من إلقاء محاضرات في المدارس، وهذا دليل على أن المهم ليس التعليم بل السيطرة على ما هو مسموح الحديث عنه وما هو ممنوع أمام الجيل المقبل من الناخبين. وفي السياق، وفي تحليل شامل نشره البروفيسور (دان بن دافيد) حول جهاز التعليم نهاية أغسطس، يؤكد أن «نصف الأولاد في إسرائيل يحصلون على تعليم بمستوى دول العالم الثالث». { كذلك، لم تنج الشؤون الأكاديمية من تدخل السياسة! فقد تم – على سبيل المثال – منع تعيين عالمة الدماغ البروفيسورة (ياعيل افيتاي) عضوا في اللجنة الاستشارية للصندوق العلمي الإسرائيلي- الألماني بسبب عريضة وقعت عليها قبل نحو 15 سنة بخصوص تأييدها للجنود الذين يرفضون الخدمة في الأراضي المحتلة عام 1967. ونختم بتلخيص بليغ توصل إليه (دان مرغليت) فكتب يقول: «الحكومة تفعل كل ما تستطيع من أجل تقليص النقاش وتطبق قوانين فظيعة، بهدف منع فحص موسع وتقليص انفتاحها.. الحكومة تفضل استخدام قوة تدميرية بدل الإقناع. هذه ليست أخطاء محدودة. هذا خطأ في أسلوب السياسة. نتنياهو يقوم بعزل إسرائيل».
مشاركة :