إبراهيم مسفر الألمعي واليونيسكو ورجال ألمع

  • 10/19/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

العاشقون في هذه الحياة كُثر، لكن ما أجمل أن يكون العشق بين الإنسان وتراب هذا الوطن الغالي، ويزداد جمالا أن يصل ذلك العاشق لأن يكون مُتيما بتراب وطنه وقريته ومدينته، وفي هذه المرحلة من مراحل العشق يكون ابن رجال ألمع البار (إبراهيم مُسَفِّر الألمعي) «رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته» ذلك الرجل الذي عرفته في عسير منذ عام 1414 عندما تشرفت بخدمة بلدي في هذه المنطقة، حيث جمعتنا (مساريب وممرات قرية رجال ألمع والمواقع السياحية في رجال ألمع وأبها والسودة والحبلة والجُرة وغيرها)، وأيضا جمعتنا (دورة الصداقة لكرة القدم) عندما لجأت إليه «بصفتي أحد أعضاء اللجنة العليا» للتدخل لدى فرقة رجال ألمع لتقديم لوحة تراثية في الافتتاح. كان ينبض بالوفاء للمنطقة في كل مجال، يلاحظ المتابع عشقه الغريب والقوي لتراث عسير ورجال ألمع، رجل كان يرى ما لا يراه الآخرون، إن قوته الشخصية تتمثل في أبناء ورجال قرية رجال ألمع وجذورهم المُحبة لقريتهم ومنافحتهم للحفاظ عليها في الوقت الذي تتسابق فيه بعض القرى والمدن لإزالة تراثهم العمراني وتحويله إلى مبان أسمنتية، كان يرى منذ ما يقارب عقدا من الزمن أن عشيقته «قرية رجال ألمع» لن تكون قرية ألمعية عسيرية سعودية فقط، بل عالمية! ما دعاني لكتابة هذا المقال والبوح بسر لم يعلن من قبل، هو مرور صورته أمامي قبل عدة أيام، تذكرت أحلامه التي كان يبثها لي منذ أكثر من عشرين سنة، مرت عليّ صورته وأنا أشاهد قبل أيام لقاء عمل في قرية رجال ألمع يترأسه الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز مع عدد من المسؤولين في منطقة عسير ورجال وأبناء قرية رجال ألمع، للتجهيز لتسجيل القرية ضمن مواقع التراث العالمي في اليونيسكو. الله ما أسرع الزمن!! الله ما أجمل الأحلام عندما تتحول لحقيقة!! الله عندما أشاهد وأنا في جدة ذلك الاجتماع المهم وبين يديّ ورقتان «لم تنشرا من قبل» من أوراق المستقبل الحُلم كُتبَت بخط يد ذلك الفارس -رحمه الله- قبل ما يقارب عقدا من الزمن، وهو يهيم عشقاً وعملاً على الميدان في رجال ألمع، خطها بيده في إحدى صفحات (دفتر عادي بسيط) وفيها عبارات تحاكي هذه اللحظة!! يقول المُتيم في الورقة الأولى: ((أشعر بحدس غريب أن هناك فكرة عالمية ستأتي إليّ وأكتبها وأرسمها وأحلق بها في سماء الوطن، حينها يستقر مركب العمر وآخذ بمجاديف الزمن إلى ركن قصي وأطويها بشباك الصادقين لتبقى محفوظة دون أيدي العابثين)). والله يا إبراهيم، كنت أحد الصادقين بالفعل في حبك لهذه القرية. ثم ينتقل هذا المتيم إلى جزء آخر في ورقته قائلا: ((لأن أحمد وإخوته وإخوانه سيبحثون عنها ويستخدمونها ويعيدون الكرة مرة))، ثم ينتقل في صورة جديدة من أجمل صور الوفاء موجهاً تأمله إلى شريكته وهو يقول: (ولأن زهراء شريكة العمر ستلف معطفها الوردي على كتفيها مبتسمة لتقول للزمن: أإبراهيم أنت أم الزمان، أأبناء الحبيب أم المكان؟ أقاربُ عشقنا يبقى مُصانا ونجدف للهوى نهر الجنان)). ثم يختتم الصفحة بقوله: ((هنا: سأبقى للحياة ما شاء ربي وأسأله الرضا حتى الممات)). الله أكبر ما أجمل وأنقى هذه العبارات يا إبراهيم، خطها قلمك الجميل بتاريخ 17 شوال 1432، وكأنك تعلم أن هذه اللحظة العالمية ستأتي، وأنت في كنف رب رحيم عليم بكل صادق مخلص لتراب هذه الأرض، وأرجو أن تسمح لي يا أخي الحبيب إبراهيم بالبوح بسرك هذا بعد إقناعي لأهلك بأن يسمحوا لي بالتصرف في هذه العبارات الخالدة. أرجو كذلك أن تسمح لي مرة أخرى بأن أتطرق إلى ما خطه قلمك في الورقة الأخرى في نفس اليوم الذي حمل توقيعك في الصفحة السابقة: يقول إبراهيم بخط يده: (هذه الوريقات تحتضن بين سطورها حروفا وكلمات وجملا تزدهم لتصبح: أفكار مشاريع تجارب ربما يأتي زمن تكون حقيقة وقد تُدفن لتكون ضمن الأموات لأن المجتمع لا يؤمن بصدقها ولو بعد حين)). ثم يُطلق إبراهيم تساؤلا مُهما ويجيب عنه في نفس الوقت: (هل نحن كذلك؟ نعم! إذاً متى؟ متى نراها حقيقة؟) ثم يأتي جوابه النهائي لسؤاله: (أعتقد 2040). ختاما كأني أراك يا إبراهيم فخورا وأنت تحمل في يدك عصاك الجميلة، مرتديا مصنفك الألمعي على كتفيك وأنت تستمع وتشاهد ما يتم تجهيزه لأن تكون قريتك عالمية في عام 2019 -بإذن الله تعالى- وليس 2040، كسادس موقع عالمي في اليونيسكو باسم المملكة العربية السعودية بعد مدائن صالح والدرعية وجدة التاريخية والنقوش الأثرية في حائل والأحساء، وكأني أراك وأنت تتحدث لبيوت رجال ألمع وحصاها وطرقها وممراتها وتقول لهم، ألم أعدكم ويعدكم أهالي رجال ألمع ورجال الوطن المخلصون وقادة هذه البلاد بأن تكون قريتكم عالمية؟ وكأني أراك ترسل عبارات الشكر لمن أطلق نبراس المحافظة على هذه القرية وهو الأمير خالد الفيصل ومن بعده الأمير فيصل بن خالد والأمير سلطان بن سلمان والأمير تركي بن طلال ولأهالي قرية رجال ألمع ولكل مسؤول حكومي وكل مواطن خدم هذه القرية. أترككم أحبتي لتستمتعوا بهذه الوريقات والكلمات الألمعية الجميلة كجمال مدينة رجال ألمع، رجالها ونساءها، شبابها وشاباتها، بيوتها وأطلالها، طبيعتها وتراثها.

مشاركة :