مونك: العالم يمر بأسوأ أزمة منذ قرن

  • 10/19/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

محمد أمين | تمر الديموقراطية بأسوأ أزماتها منذ ثلاثينات القرن الماضي. وينكمش عدد الدول التي يمكن وصفها – على نحو معقول – بأنها ديموقراطيات. ويتربع على عرش السلطة رجال أقوياء في كثير من الدول التي بدت ذات يوم وكأنها ديموقراطية، لا سيما روسيا وتركيا ومصر. والولايات المتحدة التي تعتبر غرفة محرك التحول الديموقراطي في معظم فترات ما بعد الحرب، يحكمها الان، رئيس سبق ان سخر من منافسته في الانتخابات، ورفض – قبل إعلان فوزه – الالتزام بقبول نتائج الانتخابات. ما طبيعة الأزمة بالضبط؟ وما الذي يحركها؟ وقف ياشا مونك، مؤلف كتاب «الشعب مقابل الديموقراطية» في ميدان مزدحم للإجابة عن مثل هذه الأسئلة. يقدم مونك مزيجًا محبباً من الخبرة الأكاديمية والحس السياسي. فهو يدرس في جامعة هارفارد، حيث شغل نفسه بجمع بيانات استطلاعات الرأي، لكنه نشأ في ألمانيا الغربية قبل عام 1989، حيث كان التمييز بين الديموقراطية الحقيقية والمصطنعة يتجاوز الحدود الأكاديمية. كما أنه يواجه مشكلة استبعاد عدد من المصطلحات التي يعتبرها الكثير من المعلقين حول هذا الموضوع من المسلمّات. التفاحة والفطيرة يجادل مونك أن هناك جانبين للديموقراطية الليبرالية. الأول، يركز على النصف الأول من المعادلة: حماية الأفراد من طغيان الأغلبية من خلال الضوابط والتوازنات والحقوق المنصوص عليها. والثاني يركز على النصف الآخر: تسليم السلطة إلى الشعب. وسار هذان الجانبان للديموقراطية الليبرالية معاً، طوال معظم حقبة ما بعد الحرب، مثل التفاحة والفطيرة. أما اليوم، فأصبحت الإرادة الشعبية تتصارع بشكل متزايد مع الحقوق الفردية. لقد أصبحت النخب الليبرالية أكثر استعدادا لاستبعاد الشعب عن القرارات المهمة، حول الهجرة في حالة الاتحاد الأوروبي، باسم «الحقوق». وفي الوقت نفسه، يرغب الشعبويون في الاستغناء عن المجاملات الدستورية باسم «الشعب». ويتم تعريف السياسة من خلال معركة متنامية بين الديموقراطية غير الليبرالية، أو الديموقراطية بلا حقوق من جهة، والليبرالية غير الديموقراطية، أو حقوق بلا ديموقراطية، من ناحية أخرى. ويكمن السبب الأكثر وضوحا لانقسام الديموقراطية الليبرالية إلى مكوناتها الأساسية، في بطء النمو الاقتصادي. فخلال الفترة من 1960 إلى 1985 تضاعف دخل الأسرة الأميركية التقليدية مرتين. منذ عام 1985 بقي دخلها على حاله، بينما ارتفع بالنسبة لأقلية صغيرة من العائلات الأميركية. ويحلو للنخب الليبرالية إلقاء اللوم في ذلك على قوانين العولمة. بينما لدى الشعبويين تفسير أكثر سوداوية، وهو ان هذه النخب تستخدم مزيجًا من قوة الضغط والصلات الشخصية والخبرة التكنوقراطية لتسخير النظام لمصلحتهم. ويعتبرون أن أسوأ نموذج على ذلك، هو التدخل لإنقاذ البنوك بأموال دافعي الضرائب. عواقب قابلة للانفجار ويشير مونك إلى عدة تطورات أخرى تساعد في تفسير هذا الانقسام. فثورة وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على نقل السلطة من حراس البوابات الإعلامية التقليديين إلى محاربي الكمبيوتر المحمول. وفضلاً عن تمكين أشخاص خبثاء من نشر الأخبار الكاذبة، كما أشار كثيرون، فإن هذه الثورة تسهّل أيضًا على الدخلاء جذب الانتباه إلى التعاملات الذاتية. والتنوع المتزايد للمجتمعات الغربية، الذي يعود جزء من الفضل فيه، الى الهجرة والجزء الآخر، الى فكرة انه ينبغي للمجموعات المختلفة ان تحتفي باختلافاتها بدلاً من تبني أعراف مهيمنة، يعمل على تسييس مسألة الهويات العرقية، الامر الذي يحمل في طياته عواقب قابلة للانفجار. ويعمل مقاولو السياسة بانقلاب على السياسة من خلال السيطرة على الأحزاب القديمة، كما فعل دونالد ترامب، أو إنشاء أحزاب جديدة، مثلما فعل بيبي غريللو في ايطاليا، والذي استغل الاستياء الشعبي المكبوت من النخب القديمة واستخدم وسائل الإعلام الجديدة لإيصال رسالتهم كما هي. وربما كان مونك أقل إقناعا بكثير بشأن مسألة ما يجب فعله حيال هذا الوضع الكئيب. فهو يطرح بعض الاقتراحات الشجاعة ويجادل بأن النخبة التكنوقراطية بحاجة إلى تخفيف طموحاتها. فكلما حاولت حماية مجالات مهمة من صنع القرار، مثل الهجرة، من إرادة الشعب، خلقوا المزيد من الاستياء. وهو يحث صانعي السياسة على التركيز على تدجين النزعات القومية بدلاً من محاولة تهميشها باعتبارها من مخلفات مفارقة تاريخية. وهو يقدم مرافعة جيدة لتكريس المزيد من الجهود لتحويل الأطفال إلى مواطنين من خلال التربية المدنية. وهنا فانه يتخذ موقفا يثير الإعجاب مقارنة مع زملائه الأكاديميين الذين يرضخون لتقديم الحضارة الغربية كتاريخ من القمع الذي لا يجازفون بتقويض أي معتقد قد يكون ما زال متبقيا في الديموقراطية، لدى طلابهم. شعارات مبتذلة يسأل الكاتب ياشا مونك: كيف تقنع احد افراد النخبة التكنوقراطية الأوروبية بالاستماع إلى اصوات الشعب عندما تقتضي كل الحوافز البيروقراطية، تجاهلها. كما أنه يرفع الشعارات المبتذلة حول «إصلاح الاقتصاد»، كما لو أنه لا توجد مقايضات صعبة بين – على سبيل المثال – رفع مستويات الإنتاج وتدمير وظائف مستقرة. يبدو الأمر كما لو أن ناشري مونك طلبوا منه تقديم نهاية سعيدة على طريقة هوليوود بعد سيل كل الدماء. ويبدو انه فعل ذلك دون اقتناع. وهكذا، فإن كتاب «الشعب مقابل الديموقراطية» يمثل قراءة مبسّطة لأسباب كثيرة. فهو يقدم الكثير من الأدلة على ان المعركة بين الديموقراطية الليبرالية والنخبوية الليبرالية سوف تزداد شراسة. كما يُظهر ان المبشرين بالانفتاح، وهم الشباب، أكثر تشككاً بالديموقراطية ممن هم أكبر منهم سناً. ولكن التأثير الاكثر اثارة للقلق والذي ربما لم يقصده المؤلف، هو أن الوصفات التي أوصى بها لإنقاذ الديموقراطية هي أضعف بكثير من تفسير لماذا الديموقراطية في خطر أصلاً! ¶ ايكونوميست ¶

مشاركة :