عدن.. العاصمة المؤقتة لليمن، هذه المدينة التي احتضنت - وما تزال- الجمال والإبداع والفن، تعود للحياة من تحت الركام بعدما أنهكها الانقلاب ومصاعب الحياة.. تنفض عن نفسها آثار الحرب الغاشمة التي شنتها ميليشيات الإرهاب الحوثية. وعرف العالم مدينة عدن كحاضنة للإبداع والفن بأنواعه، ومنشأ لكوكبة من رواد الفن على مدى عقود طويلة، ولكن بسبب الحروب والصراعات والصعوبات التي عانت منها، تلاشى الاهتمام بالفن والثقافة بأنواعه، ومع هذا أبت المدينة إلا أن تنفض عنها غبار الحرب بعودة المهرجانات الغنائية ودور السينما، لتعيد الحياة والفرح والبهجة لهذه المدينة التي تتحدى كل المعوقات للبحث عن كل ما هو مفرح ومبدع. أول فيلم في الحرب مازال مبنى سينما «هوريكين» الواقع في شارع غاندي بوسط مدينة عدن، يتمتع بالجاذبية لأنه يعتبر آخر صرح للفن السابع في كبرى مدن جنوب اليمن، والذي مازال يكافح من أجل البقاء واسترداد عافيته، باعتبار عدن كانت في يوم من الأيام مدينة تعشق السينما. «10 أيام قبل الزفة» أول فيلم عدني سينمائي تم تنفيذه بعد الحرب حقق نجاحاً كبيراً على مستوى المدينة، رغم الإمكانيات المتواضعة والمحدودة والتضييق المطبق من قبل الجماعات المتشددة على الحريات، ورغم الصعوبات الكثيرة التي واجهت فريق العمل، فإنه برهن للجميع أن عدن هي مدينة الفن والإبداع رغم كل شيء. مخرج فيلم «10 أيام قبل الزفة» عمرو جمال أوضح لـ «الاتحاد»، أن قصة الفيلم جاءت في ظل الإحباط التي تعيشه المدينة خلال السنوات الثلاث الماضية، وتوقف الإنتاج الفني والمسرحي خوفاً من الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها المدينة، وعدم توفر خشبة مسرح مغلقة وأمينة، وتوقف المسلسلات التلفزيونية أيضاً بعد إفلاس القنوات الفضائية، ولكن مع كل هذه الإحباطات التي نواجهها في عدن جاءت فكرة الفيلم في جلسة بسيطة مع المنتج المنفذ للفيلم محسن الخليفة لخوض تجربة تعتبر علامة فارقة في حياتنا، لكونه أول فيلم عدني ينفذ بعد الحرب في ظل الظروف القاسية. إعداد الفيلم في 7 أشهر قال عمرو جمال، إن الفيلم حقق تأثيراً بسيطاً في التخفيف من معاناة الشعب في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بشكل عام، حيث إنه تم إعداد الفيلم وتجهيزه خلال 7 أشهر بإمكانيات متواضعة، عكس خلالها واقع الحياة الصعبة التي يعاني منها المواطن العدني، وقدم رسالته بشكل واضح، بأنه «من وسط الركام يمكن أن يولد الحب والفرح»، وأن «العلاقات الاجتماعية في الأسرة والحارة والمدينة ما زالت مترابطة ببعضها البعض». وأكد المخرج لـ«الاتحاد» أن الفيلم حقق نجاحاً كبيراً في عدن، رغم المخاوف بعدم تفاعل الشارع العدني مع الفيلم بسبب الوضع الأمني السيئ الذي أقلق الجميع، وتأثير الحملة القوية التي تمارس بحق عدن من قبل المتشددين الذين يقلقون أمن واستقرار المدينة، متفاجئاً من تفاعل الجمهور الذي تحدى الوضع الأمني ونزل لمشاهدة الفيلم، رغم الظروف الصعبة، لتوصيل رسالتهم للعالم بأن عدن ما زالت تحب الحياة وتعشق الفن. أبناء عدن يتعطشون للفن يمثل الفن دوراً كبيراً في المجتمع العدني منذ القدم، حيث بدأت «المزيكة العدنية» في 1920 حين تشكل جيش محمية عدن، وبعده الحرس الوطني، وكانت هناك فرق لتلك القوات تشارك في المناسبات الوطنية والعامة وحفلات الزواج، حيث لا تكاد تخلو ليالي عدن من المهرجانات الغنائية والمسرحية في الإجازات والمناسبات التي تلامس قلوب الناس وتدخل الفرحة البهجة والاستمتاع لهم. وحول مشاركته في مهرجان غنائي خلال عيد الأضحى المبارك في عدن، قال الفنان اليمني عمار الشيخ لصحيفة «الاتحاد» إن تفاعل الجمهور العدني في المهرجان كان كبيراً ومذهلاً، حيث ساهم في إنجاح المهرجان الغنائي بشكل كبير، الأمر الذي يؤكد على تطبيع الأوضاع في المدينة وعودة الحياة إلى قلوب الأهالي بالمدينة، وإلى وجود رغبة جامحة لعودة الفن بكل قوة. وأكد الشيخ أن مدينة عدن كانت الرائدة دوماً في الفن منذ القدم وتمتلك ثقافة فنية عريقة في مختلف مجالاته، ولكن بسبب الحروب ومصاعب الحياة جعل الاهتمام بالفن يتلاشى بشكل تدريجي، والذي جعل الناس يتعطشون إلى وجود الفن بشكل واضح. وأضاف الفنان عمار: «إن الفن يعتبر متنفساً كبيراً للجمهور يخفف من خلاله معاناته الصعبة التي تواجه حياته في ظل استمرار الحرب، الأمر الذي يؤكد أن الفن والإبداع لا يزالان موجودين ولهما تأثير كبير في حياة الناس مهما كانت الظروف، ومدينة عدن تحتوي على تاريخ فني عريق وحضارة كبيرة وإبداع يجب إبرازها من جديد ونقلها بالصورة التي تستحقها المدينة، متمنياً أن يعم السلام والحب في عدن وكل أرجاء البلاد، ليتسنى للشعب اليمني المهتم بالفن الاستمتاع به والحديث عن تطلعاتهم ومشاكلهم عبر الموسيقا والغناء. الريشة تجسد الهموم يحاول الفنانون في عدن بشكل خاص، واليمن بشكل عام، ترميم الجروح التي تركتها الحرب التي شنتها المليشيات الانقلابية في قلوب المواطنين، من خلال الفن والريشة والإبداع الداعي للحرية والسلام. وشهدت مدينة عدن خلال الفترة الماضية معارض فنية جمعت نخبة الفن العدني من فنانين ورسامين ومبدعين، في أكثر من مناسبة، لتقديم لوحات فنية جسدت هموماً يمنية مختلفة عن الحرية والسلام والإنسانية والحرب، مؤكدين أهمية دور الفنان اليمني وخاصة في مدينة السلام عدن، كونه لسان حال الشعب والمعبر عن همومه وتطلعاته، والذي يسعى إلى نهضة هذا الوطن بالريشة التي تعتبر سلاحاً ناعماً له تأثيره القوي والفتاك على كل الظروف الصعبة. مؤكدين أن مدينة عدن سباقة عن كثير من مدن عربية بالثقافة والفنون منذ عقود، وأن أبناء عدن المبدعين موجودون بفنهم ولن تهزمهم الحرب أو الأزمات والظروف القاسية. دور رائد لـ «الهلال» الإماراتية لدولة الإمارات العربية المتحدة بصمة واضحة ورائدة في دعم المهرجانات الفنية والغنائية التي تهدف لإدخال البهجة والفرح في قلوب الشعب اليمني والتخفيف من معاناته، جراء الحرب الغاشمة التي تشنها مليشيات الدمار والقتل على أبناء اليمن في مختلف المحافظات اليمنية. ودعمت هيئة الهلال الأحمر الإماراتية، خلال السنوات الثلاث الماضية، في مختلف المحافظات المحررة، وخاصة في عدن، مهرجانات غنائية ومسرحية تعكس الفن العدني الأصيل، وتزامن تنظيمها في مناسبات مختلفة لإدخال البهجة والفرحة في نفوس الأسر والأطفال، والتي شهدت تفاعلاً كبيراً من الجمهور. وعبّر الجمهور عن شكرهم للهلال الأحمر الإماراتية الذي يركز جهوده على التخفيف من معاناة الشعب اليمني وخاصة في عدن، من خلال دعم الجوانب الخدمية والتنموية، وأيضاً الجانب الترفيهي الذي يدخل الفرحة في نفوس الناس، خصوصاً العائلات والأطفال، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد من مختلف الجوانب. بث الأمل وروح الحياة ولدولة الإمارات العربية المتحدة تأثير قوي في بث الأمل وروح الحياة في قلوب ونفوس الناس في ظل الظروف التي يعيشونها، حيث شملت تلك المهرجانات فعاليات وأنشطة فنية وثقافية ورياضية واجتماعية تفاعلية هدفت إلى تطبيع الأوضاع وتجديد النشاط ورفع المعنويات لدى المواطنين، لتنسيهم صعوباتهم جراء الأزمة الراهنة في البلاد.
مشاركة :