روز أنطون رمز النهضة العربية التي تناساها التأريخ الذكوري

  • 10/20/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من الصعب الحديث عن موضوعات “النسوية” دون مقاربة ذلك مع تاريخ هذا الحديث، على مستوى التجارب والأسماء النسوية الرائدة، أو على مستوى علاقتها بالحداثة والنهضة، والمدنية، أو على مستوى الظروف والبيئات التي أسهمت إلى حدٍّ كبير في تغذية تلك التوجهات، وفي تحولها إلى ظواهر اجتماعية فاعلة، امتدت إلى ما هو ثقافي- أدبي أو إعلامي، أو إلى ما هو سياسي. يسلّط كتاب “روز أنطون كاتبة نهضوية مجهولة” الذي أعدّه أحمد أصفهاني، بإشراف هدى وماريا حداد، الضوء على هذه الشخصية المصرية والعربية الرائدة، في سياق حياتها العائلية مع أخيها الرائد النهضوي العربي فرح أنطوان، ومع زوجها الصحافي نقولا حداد، وفي سياق مشاركتها في العمل الصحافي، وفي إصدار مجلة “السيدات والبنات” عام 1903، ومجلة “السيدات” في الثلاثينات من القرن الماضي مع أخيها، ومجلتي “السيدات والرجال” و”الجامعة” مع زوجها. النسوية الشجاعة ضمّ الكتاب، الصادر عن دار الفارابي، ببيروت 2018، عددا من الفصول تناولت البيئة الثقافية التي نشأت فيها روز أنطون، من خلال إضاءة حياة فرح أنطون ودوره التنويري والنهضوي، وجهوده الرائدة في الدعوة إلى الحرية والديمقراطية، ودوره في إصدار مجلات “الجامعة العثمانية” و”السيدات والبنات” و”الجامعة”عام 1909” وتأثير ذلك على حياتها، وعلى توجهاتها الثقافية والسياسية. كما تناول الكتاب في فصل آخر حياة الموسوعي نقولا حداد زوج روز أنطون وعمله في مجال الصحافة، وفي تأسيس ما يمكن تسميته بـ”الترويكا” الإعلامية الثقافية في الشام وفي الإسنكدرية، وفي أميركا وفي مصر مرة أخرى، وعبر نشاطات واسعة، اتسمت بالكتابة الصحافية، وبكتابة عدد من المقالات العلمية والأدبية، فضلا عن كتابته لعدد من الروايات والمسرحيات. الجانب المهمّ في هذا الكتاب هو ما يتعلّق بحياة روز أنطون، وحضورها المميز، وشجاعتها في مواجهة كثير من التحديات الاجتماعية والدينية، لا سيما في مواقفها، وفي كتابتها عن حرية المرأة والمجتمع، لأنها تؤمن بتلازم وتكاملية مفهوم الحرية، لأنه المجال الحقيقي لتعزيز فعالية الحديث عن حرية الإنسان، وعن آفاق الإصلاح والتنوير والديمقراطية، وهو ما بدا واضحا في شعار مجلتها “السيدات” الذي حمل يافطة “نهضة الشرق بنهضة نسائه” والذي كان عنوانا رياديا ليس للتعبير عن موضوع “النسوية” كمفهوم ثقافي فقط، بل بوصفه موضوعا اجتماعيا ونقديا، والذي وجد في كتابات روز أنطون الصحافية أثره الواضح في نقد مظاهر التخلّف، وفي إثارة الأسئلة حول موضوعات التعليم والحريات، وفي الكتابة عن تداعيات الانتدابات الفرنسية والإنكليزية على شعوب الشرق. كتاب جديد يروي سيرة عقل نسوي جريءكتاب جديد يروي سيرة عقل نسوي جريء التاريخ وعقدة الشهادة ذاكرة الحديث عن ما سُمّي بخطاب النهضة العربية شحيحة في تدوين منجزات المرأة العربية، ولأسباب تبدو معروفة، لكنّ قصديتها هي ما يكشف عن عقدة الشهادة، حيث تتبدى جرأة المرأة وشجاعتها وكأنها جزء من “الذكورية” التاريخية والثقافية، وهذا أسهم إلى حدٍّ ما في تهميش ذلك الحديث، وإنّ الإشارة إليه ستكون من باب “سد الذرائع” أو للمحافظة على سياق تأطيري، أو أحيانا لسياق منهجي يتعلّق بكرنولوجيا تتبع الظواهر التاريخية، وهو ما بدا واضحا في الحديث عن أسماء مثل مي زيادة، زينب فواز، مرايانا مراش، صبيحة الشيخ داود، بولينا حسون، هند نوفل، ماري عجمي وغيرهنّ. سعى مُعدّ الكتاب إلى تخصيص مجال واسع للمقالات التي كتبتها روز أنطون، والتي تكشف فيها عن وعيٍ، وعن جرأةٍ، وعن مسؤولية تصديها لموضوعات تخصّ حرية المرأة، أو موضوعات ذات أبعاد إنسانية وحقوقية وسياسية، كما هو نقدها لتأثيرات الاستعمار على المجتمعات العربية، وعلى مستقبل شعوبها، وعلى حقوقها وحرياتها وسيادتها. ومن أبرز ما أشارت إليه روز أنطون هو مقاربتها للخصوصيات المحلية، ونقدها لظاهرة تقليد “الفرنجة” من منطلق أنّ تاريخ الشرق هو تاريخٌ حافل بقيم وأفكار وحيوات وخصوصيات لا تقلّ شأنا عمّا هو موجود في الغرب الاستعماري، والذي ظلّ يسعى إلى فرض ثقافته من خلال الأزياء والممارسات والأطعمة وغيرها، لا سيما ما يتعلّق بتأثر المرأة الشرقية بقيم الغرب وثقافاته المهيمنة. ومن أبرز ما اتسمت به مقالاتها هي البساطة والواقعية والنقدية، وكأنّها كانت ترى في أنّ جوهر فكرة الإصلاح يكمن في التلازم ما بين ثنائية الحرية والنقد، ومنها ما يتعلّق بنقد العادات البالية، ومظاهر التقليد، والغلوّ في المعيش واللبس، فكانت مقالاتها ذات الحساسية الاجتماعية تنحو باتجاه نقد مظاهر الغلوّ في التبرّج والإسراف، وفي تقليد النساء الغربيات، بعيدا عن خصوصية المجتمعات الشرقية وقيمها وعاداتها، مقابل دعوتها الجريئة إلى العمل والتعليم، وإلى حرية مشاركة الرجل في شؤون الحياة العامة، وهو ما تجلّى واضحا في مجلتها “سيدات ورجال”، والتي تحوّلت إلى منصةٍ ثقافية، وإلى منبرٍ للمطالبة بحقِّ النساء بالانتخاب، وبتفعيل المشاركة، وإصلاح المؤسسات التعليمية للحدّ من تأثير التقاليد والعادات على تأمين فرص مناسبة للنساء. مقاربة مثل هذه القضايا -في بداية القرن الماضي- تمثّل وعيا مبكّرا، وموقفا جريئا في سياق مواجهة كثيرٍ من التابوهات الاجتماعية والسياسية والدينية، ولعلها -مع أخيها وزوجها- قد استفادوا من الأجواء التي جاءت بعد إقرار الدستور في الدولة العثمانية عام 1908، والذي أتاح، ولو بشكلٍ بسيط نوعا من الحريات، والتي قُمع الكثير منها بعد الانتدابات الفرنسية والإنكليزية، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان ومصر. إنّ إضاءة عوالم روز أنطون جهد علمي تاريخي وتوثيقي يدخل في إطار تجاوز “موضوعة المجهولية” وفي أرخنة الملامح الأولى لـ”النهضة العربية” ورصد إرهاصاتها الأولى، والتي تُعبّر في حقيقتها عن وعي جديد، وعن أدوار جديدة للمثقفين العرب، وللنساء بشكلٍ خاص.

مشاركة :