شباب عرب يحولون بوصلة اهتمامهم إلى اللغات الأقل انتشارا عالميا

  • 10/21/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تتجه شريحة من الشباب العربي إلى تعلم لغات قليلة الانتشار، في ظاهرة تشير إلى حجم التغيرات الحياتية لجيل اليوم الذي يسعى لتحقيق تطلعاته بالعثور على فرص عمل مثالية وتسهيل إجراءات الهجرة، إضافة إلى الرغبة في التمرد على النمط الطبيعي المتمثل في تعلم اللغات الأكثر انتشارا بالعالم، واللجوء إلى تعلم لغات لم تكن مطروقة بكثافة من قبل. القاهرة - تمثل اللغات الأجنبية جسر العبور للكثير من الشباب العربي للوصول إلى الوظيفة المناسبة في بلدانهم أو في بلاد الاغتراب، وطرأت ظاهرة جديدة بتخلي الأجيال الجديدة عن تعلم اللغات التقليدية والتوجه إلى لغات أخرى غير منتشرة على نطاق واسع، مثل الصينية واليابانية والكورية والبولندية والمجرية. وبدت مصر في مقدمة تلك الدول التي تغيرت فيها جغرافية اللغة، وأضحت تتلون مثل شتى مناحي الحياة، حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان من المعتاد لدى الشباب في الماضي العمل على إجادة أي من اللغات الثلاث؛ الإنكليزية والفرنسية والألمانية، باعتبارها مفاتيح لوظائف جيدة، بالإضافة إلى كونها واجهة اجتماعية لتأكيد النبوغ والتفرد، لكن الجيل الحالي غيّر اتجاه ذلك المفهوم بشكل أكبر نحو اللغات الأقل انتشارا، كجسر نحو الحصول على فرص متميزة للعمل. وتتعدد أسباب اللجوء إلى تعلم لغات غير منتشرة؛ فيرى بعض الشباب أن إجادة اللغات المعتادة، مثل الإنكليزية، جعلت المنافسة على الوظائف الجيدة أكثر صعوبة. وبدا اختراق حواجز مجالات التجارة والاستثمار وغزو الشركات متعددة الجنسيات، يتطلب تعلم لغات خاصة لا يتقنها الكثير من أجل الفوز بوظيفة مرموقة. ويهدف آخرون بتعلم تلك اللغات، إلى إعداد أنفسهم بشكل مُناسب للعيش في بلدان أخرى رفضا للواقع وبحثا عن حياة أفضل. ويقول هؤلاء إن حاجز اللغة يتسبب في مشكلات عديدة للمهاجر ويجعله عرضة للوقوع في الخطأ. من هنا فإن اكتساب اللغة سوف يُيسر إجراءات الهجرة ويساهم في سرعة التأقلم مع المجتمعات الجديدة. الهوس باللغة الصينية ويتعلم البعض اللغة كضرورة للالتحاق بمعاهد وكليات كبرى في دول بعينها، خاصة دول شرق أوروبا التي صارت تتيح منحا تعليمية جيدة للمغتربين الذين يتقنون لغاتهم، وإلى جانب كل هؤلاء، يدرس بعض الشباب اللغات الغريبة كنوع من كسر المألوف والتمرد على المعتاد لدى الأجيال السابقة. تحوّلت اللغة الصينية في السنوات الأخيرة إلى هوس لدى قطاع من الشباب في مصر. ورغم صعوبتها، إلا أن هناك إقبالا كبيرا على اللغة التي تعد واحدة من أكثر اللغات الشرقية صعوبة، من حيث التكوين والصياغة. ويعزز رغبة الشباب في إجادة اللغة الصعود الصيني السريع في مجال الاقتصاد، ونمو شركاته في الشرق الأوسط وأفريقيا. رغبة الشباب في إجادة اللغة الصينية تعززت مع الصعود الصيني السريع في مجال الاقتصاد، ونمو شركات الصينيين في الشرق الأوسط وطبقا لإحصائيات معهد “كونفشيوس”″ للثقافة بجامعة القاهرة، فإن عدد متعلمي اللغة الصينية ارتفع من 30 دارسا عام 2007 إلى أكثر من ثلاثة آلاف طالب في عام 2017، والرقم في زيادة هذا العام. وتقول رانيا صالح، طالبة بأحد مراكز تعليم اللغات الشرقية، إنها رأت في اللغة الصينية توجها ضروريا نحو التميز، واتجهت منذ خمس سنوات إلى تعلم اللغة الصينية اتساقا مع فكرة تمدد الشركات الصينية في مصر، وإيمانا منها بأن المستقبل الاقتصادي للعالم ليس بعيدا عن بكين. وأكدت صالح لـ”العرب” أن نجاح الصين في تحقيق معدلات نمو مرتفعة لعدة سنوات متتالية ووصول منتجاتها إلى دول كثيرة في العالم، يعني ببساطة أنها ستكون الدولة الأولى اقتصاديا خلال سنوات معدودة، بالتالي تهيمن نفوذها على العالم كله، ويأتي ضمن هذا النفوذ انتشار لغاتها، تماما مثلما انتشرت اللغة الإنكليزية مع توسع نفوذ بريطانيا ثم الولايات المتحدة. وترى أن اللغة هي وسيلة التواصل الأهم بين الشعوب والأجناس المختلفة، والكثير من وظائف المستقبل سوف ترتبط ارتباطا وثيقا باللغة الصينية. ويتسق هذا التصور مع ما ذكره محمود محيي الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولي، خلال محاضرة في جامعة القاهرة التي نصح فيها الشباب بتعلم اللغة الصينية، معتبرا أن اقتصاد المستقبل تحكمه الصين. وتشير صالح إلى أن صعوبة اللغة الصينية كانت أحد أهم الحوافز التي دفعت الكثير من الشباب إلى قبول التحدي. ويُمكن القول إن سرعة عمل بعض مَن تعلموا اللغة الصينية في مصر، وسفر البعض إلى دول الخليج للعمل في شركات صينية كبرى ساهم في تأكيد الفكرة لدى معظم الشباب المتعلمين. وما يؤكد تنامي الإقبال على اللغة الصينية تزايد أعداد المتقدمين للتعلم والارتفاع في عدد المراكز الحكومية والخاصة التي تقوم بالتعليم وقد ارتفع عدد أقسام تعليم اللغة الصينية بالجامعات المصرية إلى 18 قسما، موزعة على جامعات عين شمس والقاهرة والإسكندرية والفيوم وبني سويف، فضلا عن أربع جامعات خاصة. من جهتها، تفسر رشا كمال، أستاذة مساعدة في الترجمة الصينية بكلية الألسن في جامعة عين شمس، إقبال الشباب بكثرة على تعلم اللغة الصينية بتخطيطهم المسبق للعمل، فتعلم الصينية يوفر فرص عمل جيدة مقارنة بخريجي الأقسام الأخرى. لغات جديدة دخلت على خارطة اللغات المطلوبة عالميالغات جديدة دخلت على خارطة اللغات المطلوبة عالميا وأشارت كمال لـ”العرب” إلى أن أول مجال يمكن العمل فيه هو السياحة، لأن السائح الصيني لم يغب عن مصر بعد ثورة يناير عام 2011، مثلما غابت جنسيات عديدة، وعدد المرشدين لم يكن كافيا في بعض الأحيان، وهو ما دفع إلى تشجيع طلاب السنة الرابعة بأقسام اللغة الصينية للعمل كمرشدين للسياح وتغطية العجز في عدد المرشدين. ولفتت إلى أن مصر أصبحت من أهم المقاصد للسياحة الصينية في العالم، ويساهم وجود مرشدين محليين يتحدثون الصينية على زيادة الإقبال، على خلاف مقاصد السياحة الأخرى في المنطقة، مثل تركيا وإسرائيل، حيث يعتمد مرشدوها على لغات وسيطة مثل الإنكليزية. وتضيف “هناك 35 ألف شركة صينية مسجلة تعمل في مصر، سواء في المنطقة الصينية غرب قناة السويس، أو في منطقة شق الثعبان جنوب القاهرة، وكلها تحتاج إلى مترجمين شباب”. اليابان ثقافة وعمل لا تمثل الصينية وحدها لغة جذابة للشباب المصري، لكن تأتي اللغة اليابانية في المركز الثاني كأكثر اللغات التي تشهد إقبالا كثيفا لتعلمها. وتوجد ثلاث جهات لتعليم اللغة اليابانية في مصر تتوزع فروعها في مناطق متفرقة من مصر، وهي “مؤسسة اليابان”، وهو مركز تعليمي مرتبط بالسفارة اليابانية وله برامج سهلة ومعلنة، والثانية هي مؤسسة “ناريتا أكاديمي”، وهو مركز رسمي يقدم الكثير من الأنشطة الثقافية، والثالثة “مؤسسة بيرلتز”. وتتشابه أهداف المتعلمين من الشباب للغة اليابانية، مع متعلمي اللغة الصينية حيث يوجد ارتباط وثيق بفرص العمل المتاحة في القطاع الاقتصادي، في ظل إنشاء شركات يابانية كبرى في الدول العربية. وكشفت ريم جمال، طالبة بكلية التجارة بجامعة عين شمس، أن اللغة اليابانية تصقل مهارات أي خريج يعمل في مجال المحاسبة، وتنشر بعض الصحف بين حين وآخر إعلانات تطلب محاسبين وإداريين ومندوبي مبيعات على دراية باللغة اليابانية. وذكرت لـ”العرب” أن تعلم اللغة اليابانية أسهل كثيرا من الصينية، وعدد المتعلمين أقل كثيرا، ما يتيح فرصا جيدة في وظائف شركات يابانية أو مصرية أو عربية لها علاقات تجارية مع اليابان. وأوضحت أن هناك طرقا عديدة لتعلم اللغة اليابانية في مراكز رسمية تابعة للسفارة اليابانية بالقاهرة، ومراكز أخرى خاصة، فضلا عن وجود برامج مبسطة وسهلة لتعليم اللغة متاحة على شبكة الإنترنت. وتعد أسعار تعلم اليابانية مناسبة للكثير من الأسر المتوسطة، ويبلغ متوسط سعر المستوى الواحد نحو 500 جنيه (30 دولارا). ويرى البعض أن تعلم لغات الدول المتقدمة الأقرب إلى الشرق يُسهل عملية محاكاتهم ونقل تجاربهم إلى البلاد الساعية نحو التقدم، وهو ما يطرح أفكارا للإصلاح التعليمي والإداري المطبقة في اليابان والجديرة بالتتبع، ما يعدّه الشباب جسرا للتعرف على الثقافة بشكل مباشر. لا يتوقف الاهتمام باليابانية عند العوامل الاقتصادية لدى الشباب، لكن تملك الثقافة اليابانية بشكل عام جاذبيتها الخاصة في مجال الآداب والفنون ولا يتوقف الاهتمام باليابانية عند العوامل الاقتصادية لدى الشباب، لكن تملك الثقافة اليابانية بشكل عام جاذبيتها الخاصة في مجال الآداب والفنون. ومع التدهور الاقتصادي في بعض الدول العربية، وحالة الفوضى التي نمّت حلم الهجرة لدى الكثير من الشباب، أضحى تعلم لغات دول شرق أوروبا، مثل التشيكية والمجرية والسلوفاكية والبولندية والبلغارية، الطريق الأسهل للوصول إلى تلك البلدان، والحصول على إقامة شرعية فيها. وكشف طلاب سعوا للحصول على منح دراسية في أوروبا أن بعض جامعات شرق أوروبا متميزة في علوم بعينها، وتتيح منحا للدارسين، مع دعم خاص لمتقني لغاتهم المحلية. ويحكي شهاب علي، طالب بكلية علوم الحاسب الآلي بجامعة 6 أكتوبر، لـ”العرب” أنه اضطر إلى تعلم اللغة التشيكية بعد أن وجد جامعات في دولة التشيك متميزة في مجال دراسته، وأن رسوم التعليم فيها ترتفع بشدة، إن كانت باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، لكن شبه مجانية لمَن يجيد اللغة التشيكية. ويخطط علي، البالغ من العمر تسعة عشر عاما، للهجرة إلى التشيك لاستكمال تعليمه وتحقيق أحلامه في بلد آخر يعتبره مهجرا مناسبا، بعد أن تعلم اللغة في المركز الثقافي التشيكي بالقاهرة، لافتا إلى أن التشيكية قريبة من السلوفاكية والبولندية، وتعلمها يُسهل تعلم باقي لغات الدول في شرق أوروبا. وتساهم حكايات الحب في دفع بعض الشباب إلى تعلم لغات بعينها، إذ تنتمي فتاة تعرف عليها شاب عربي في الغالب إلى دولة أجنبية، فيسعى الشاب للهجرة إلى تلك الدولة، ويتعلم لغتها كخطوة أولى. وقال شهاب علي، إنه تعرف قبل سنوات على فتاة تشيكية من خلال إحدى الألعاب الإلكترونية على شبكة الإنترنت، وزارت القاهرة قبل أشهر واتفقا على أن يستكمل التعليم في بلادها، بعد أن يهاجر إليها ويستقر هناك. كما أكد نادر عبدالعظيم، طالب بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، في تصريح لـ”العرب” أنه بدأ تعلم اللغة المجرية في المركز الثقافي المجري، رغم كونها إحدى أصعب اللغات في أوروبا. وأشار عبدالعظيم إلى أن إتقان اللغة ييسر عليه مزاولة دراسات عليا في فروع متخصصة في الهندسية الميكانيكية بإحدى الجامعات المجرية. وأكد أن التخطيط للهجرة إلى أوروبا شهد تغيّرا في الآونة الأخيرة، ووجد الكثير من الشباب في دول شرق أوروبا بيئة أكثر قربا للمجتمعات العربية، وهي تشهد نموا اقتصاديا واستقرارا سياسيا.

مشاركة :