«فرانكشتاين في بغداد» تلك الرواية الصادرة عن «منشورات الجمل» عام 2013م للروائي والكاتب العراقي أحمد سعداوي. وقد حصدت هذه الرواية جائزة البوكر العالمية للرواية العربية عام 2014م. وتقوم فكرة هذا العمل على استثمار شخصية (فيكتور فرانكشتاين) تلك الشخصية الرئيسة في الرواية الشهيرة للكاتبة البريطانية ماري شيلي الصادرة عام 1818م والتي تعد إحدى أشهر الروايات العالمية في أدب الخيال العلمي وواحدة من أولى بواكيره، مع اختلاف واضح تحدده عوامل الزمان والمكان والبيئة المحيطة بين هاتين الروايتين! أي أن «سعداوي» هنا قد قام باستنساخ شخصية «فرانكشتاين» لدى «شيلي» في شخصية المدعو «هادي العتاك» في روايته هذه التي تدور أحداثها ببغداد إبان حرب الخليج الثالثة، ودخول القوات الأميركية العراق عام 2005م. وفي ظل تلك الظروف العصيبة المتأزمة سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً يسرد لنا سعداوي تفاصيل قصة شخصية (العتاك) ذلك المواطن العراقي المهتم باقتناء وبيع القطع الأثرية والتحف والعاديات والذي اشتهر في مقهى «عزيز المصري» في أحد أحياء بغداد، بسرد الحكايات والأساطير والخرافات على زبائن هذا المقهى, بأسلوب قصصي وفانتازي يجمع بين الغرابة والحقيقة والخيال, مما جعل الآخرين يعتقدون أنه شخص كذّاب وثرثار وإن كان بعضهم الآخر لا يأخذ بكلامه على محمل الجد, واإنما يرون أنه من باب التسلية والترفيه والفكاهة والمرح. ولذلك وصفه هؤلاء بـ»الكلاوجي» وهي كلمة تعني باللهجة الشعبية العراقية الدارجة «المهرج» أو «المزيف»! وفي تنامٍ تدريجي ملحوظ لوتيرة الحدث السردي ومع كثرة القتلى وضحايا الانفجارات في الحرب يلجأ «هادي العتاك» لجمع أشلاء القتلى, وما تناثر من أعضاء الموتى إلى بعضها البعض, ليتكون منها في نهاية الأمر مخلوق ذو شكل خرافي, مخيف, أطلق عليه الكاتب اسم «الشسمه» وهي كلمة شعبية عراقية أيضا تعني «الذي لا اسم له». وهي صفة ملازمة لهذا المخلوق, ومعناها منطبق عليه, لكونه مخلوقاً غريباً, ومجهول الجنس والهوية! وكما تفاجأ «فرانكشتاين» لدى «شيلي» في النتيجة لدى قيامه بجمع بعض أعضاء الموتى في حوض أوصله بسلك معدني, موصل للكهرباء, يتصل بـ»مانعة صواعق» على أحد المواقع المرتفعة، وما نتج عن ذلك من تماس وتجاذب بين البرق والرعد وأعضاء أولئك الموتى من خروج مخلوق مخيف، بشع الخلقة، ظل يطارده زمناً طويلاً بغية الانتقام منه، لأنه كان السبب في ظهوره في هذه الحياة وبهذا الشكل الفظيع، والمنظر المحزن والمؤلم، فقد تفاجأ «العتاك» لدى «سعداوي» أيضا بنتيجة عكسية لم يكن يتوقعها، جراء قيامه بجمع أشلاء الضحايا المتناثرة، حيث تشكل منها مخلوق مخيف دميم الخلقة، والذي تمثل لنا في شخصية «الشسمه»، وخروج هذا المخلوق الغريب في شوارع بغداد وحواريها لقتل كل من يظن أن له علاقة في خروجه للحياة بهذا الشكل المرعب الكريه! ومن هنا بدأ «العتاك» يدرك خطورة الأمر، وأنه قد أوقع نفسه في ورطة لا يمكنه الخلاص منها، لكونه هو السبب الرئيس في خروج هذا المخلوق الخطير إلى الوجود، والذي أخذ يتراءى له في منامه ويقظته بين الفينة والأخرى, وكأنه يهدده بالانتقام. مما حدا بـ «العتاك» لأن يعتقد أن هذا المخلوق سوف يقتله لا محالة في يوم من الأيام، لكن المسألة مسألة وقت فقط، ربما يطول أو يقصر!، بل إنه طلب من «الشسمه» نفسه في أحد مشاهد الرواية أن يمهله قليلاً، ما دام أنه ماضٍ في مواصلة جرائمه، وازدياد عدد ضحاياه مع مرور الأيام فليكن إذن هو آخرهم! وعند هذه النقطة المعقدة من تأزم الحدث السردي وحدوث جرائم قتل جديدة في ظروف غامضة وازدياد عدد القتلى والضحايا يوماً بعد آخر يظهر العميد سرور محمد مجيد «مدير دائرة المتابعة والتعقيب» ببغداد، كي يقوم بالتحقيق والبحث عن أسباب وقوع مثل هذه الحوادث، وملاحقة مرتكبيها، ومحاولة الإيقاع بهم بين يدي العدالة، حيث تشير أصابع الاتهام عند هذا الحد إلى هادي العتاك ووجود علاقة مشبوهة لشخصيته بأولئك القتلى! ويسفر التحقيق والبحث والتحري في نهاية المطاف عن أن «العتاك» - حتى وإن لم يكن هو المجرم الحقيقي - غير أنه كان السبب غير المباشر لظهور شخصية الشسمه وهو المرتكب الحقيقي الفعلي لتلك الجرائم. تكمن أهمية هذه الرواية من الناحية الفنية في بنائها السردي المتقن، ومن الناحية التاريخية في كونها تؤرخ لمرحلة سياسية حرجة وظروف أمنية وعسكرية واقتصادية عصيبة، وأما من حيث الفكرة فتكمن أهميتها في كونها استثماراً جديداً لرمز من رموز الرواية العالمية في عصرها الكلاسيكي. الرشيدي
مشاركة :