غيرت تقنيات الذكاء الاصطناعي الكثير من المفاهيم في حياة البشر، وبدأ العلماء يتحدثون عن مستقبل ستتحكم فيه الأجهزة الذكية والصغيرة بمستقبل البشرية وتكون قادرة على أداء جميع المهام بشكل فعال أكثر من البشر أنفسهم. وخلال العام الحالي كشفت الولايات المتحدة الأميركية عن كمبيوتر جديد فائق السرعة، يسمى “ساميت” ويبلغ من حيث القوة أكثر من ضعفي أقوى كمبيوتر في العالم حاليا. ويستطيع هذا الجهاز الجديد أداء 200.000 تريليون عملية حسابية في الثانية، أي ما يعادل 200 بيتافلوبس. ويعد الكمبيوتر الصيني، المعروف باسم صنواي تايهولايت فائق السرعة، أقوى جهاز في العالم حتى الآن، وتبلغ سرعة أدائه 93 بيتافلوبس. أما “ساميت” فمن المتوقع الاعتماد عليه بشكل كبير في مجالات الفيزياء الفلكية وبحوث السرطان والأنظمة البيولوجية. ويوجد هذا الكمبيوتر فائق السرعة الآن في معمل “أوك ريدج الوطني” في تينيسي، حيث طور بالاشتراك مع شركتي أي.بي.أم، وإن فيديا. وأشار الدكتور توماس زاكرايا مدير معمل “أوك ريدج الوطني”، في خطاب ألقاه بمناسبة تدشين الكمبيوتر في 8 يونيو الماضي إلى أن “ساميت” قد استخدم بالفعل في عمليات مقارنة لشفرات جينية خلال بنائه. ويكشف أحدث جدول لأجهزة الكمبيوتر الفائقة السرعة في العالم، نشر في 2017، أن الولايات المتحدة تمتلك 143 من الأجهزة الـ500 الأولى في العالم، بينما يوجد لدى الصين 202. ومن المتوقع زيادة طاقة الكمبيوترات المئات من الأضعاف عن طاقتها الحالية وتقليص حجمها مستقبلا العشرات من المرات عن حجمها في الوقت الراهن، ويمكن أن تصل أجهزة الكمبيوتر إلى حجم كرية الدم وتكون قادرة على السباحة في جسم الإنسان لتعزيز صحته والرفع من كفاءته الجسدية والعقلية. وخلال السنوات القليلة الماضية تزايد عدد الأجهزة الصغيرة، وعلى رأسها أجهزة “راسبيري باي”، وهو جهاز كمبيوتر بحجم بطاقة الائتمان ولكنه يقوم بمهام مختلفة كبرامج التحرير والتصفح وحتى الألعاب، وقد بيع منه ما يزيد عن مليون جهاز منذ أن بدأ الطلب عليه في 9 فبراير 2012. وهناك أيضا البعض من الأجهزة الأخرى مثل “في.آي.آي” و“ريكوماجيك” و“ميلي” و“تكساس انسترامنتس” و“هاياباد”. وبدأت شركات التكنولوجيا العملاقة والمتخصصة في عالم الإلكترونيات في الاهتمام بإنتاج هذا النوع من الأجهزة، مثل “أف.اكس.آي” و“اكس.آي.3” و“زوتاك” بل وحتى شركة “أنتيل”. وأشار جون ديثيريج، المتحدث الرسمي باسم شركة “أنتيل”، إلى أن السوق قد أصبح مليئا بالعديد من الأجهزة الصغيرة، التي تشهد إقبالا كبيرا من الراغبين في اقتنائها، مرجعا ظهور أجهزة الكمبيوتر الصغيرة إلى سببين أحدهما جمالي والآخر تقني. حجم صغير وأداء قويحجم صغير وأداء قوي أما السبب الجمالي فيتمثل في أن أجهزة الكمبيوتر العادية تشغل مساحات كبيرة في المنازل، ويفضل مستخدمو الكمبيوتر اقتناء أجهزة صغيرة وأنيقة تعمل على تلبية الحاجة في أي مكان ما على الرغم من أنها لا تعتبر “بديلا” لاستخدامات الأجهزة التقليدية. وبالنسبة للسبب التقني، فيرتبط بالقوة المحركة لعالم الكمبيوتر أو ما يعرف بقانون مور وصاحبة غوردون مور الشريك المؤسس لشركة “أنتيل”. وينص القانون الاقتصادي على أن عدد الترانزستورات التي يمكن تثبيتها بنفس الثمن على شريحة ما سيتضاعف كل عامين، وكلما ازداد عدد الترانزستورات في مكان أصغر، أدى ذلك إلى قوة أكبر. وأوضح ديثيريج قائلا “يعطينا التطور في الشرائح وكثافة الذاكرة إضافة إلى مجموعة من الاختراعات التكنولوجية الأخرى إشارة إلى أن صغر الحجم لا يعني بالضرورة ضعفا في الأداء”. أما جيمس غوربولد، وهو رئيس التحرير السابق لمجلة “كاستم بي.سي”، فقد أكد أن هذه الفكرة تختلف تماما عما كان عليه الوضع منذ عقد مضى، عندما كانت القوة مرتبطة بكبر الحجم. كما أن انخفاض كمية الطاقة التي تدخل إلى الجهاز يعني ارتفاعا محدودا في درجة الحرارة ما يغني عن استخدام أجهزة لتبريد الشرائح والمكونات الأخرى. ويأمل الخبراء أن يتيح التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والهندسة والفيزياء إمكانية امتلاك أجهزة متناهية في الصغر وخارقة قادرة على سبر أغوار “الكون اللامحدود” والكشف عن الكثير من الأسرار التي ستوسع دائرة المعارف. وتصبح هذه الأجهزة المتناهية في الصغر ذات أهمية كبيرة عندما يتعلق الأمر بمسائل أكثر جدية تتصل بمجال “التكنولوجيا الحيوية”، ويعني هذا المصطلح استخدام تطبيقات التقنية الحديثة في الطب وعلم الأعصاب، وهناك من العلماء من يتوق إلى جعل البشر يحيون أبديا. ولكن الكثير من المسنين يعانون في الوقت الراهن من أمراض السرطان، والقلب والخرف وبراكسون وغيرها. ولهذا فإن أغلب الأبحاث الطبية لا تهتم بإطالة عمر الإنسان بقدر ما يشغلها البحث عن سبل للحفاظ على صحة جيدة لأطول فترة ممكنة، وتأخير ظهور علامات الوهن والأمراض مع تقدم العمر. وتتضمن الخيارات المطروحة “تعزيز الحواس مثل الرؤية باستخدام الأشعة تحت الحمراء أو الأشعة فوق البنفسجية وتعزيز قدرة السمع”، بالإضافة إلى تركيب شبكية عين للمكفوفين تمكنهم من الرؤية، وتكون شبيهة بهاتف ذكي، تظهر تطبيقات تسمح بالتسجيل والتكبير والتصغير. غير أن طموحات وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية والمعروفة باسم “داربا” تبدو كبيرة جدا، فهي تعمل حاليا على تطوير تقنية تعرف باسم “الركود الحيوي”، لغاية إبطاء تفاعلات الجسم على المستوى الجزيئي. وهذه العملية من شأنها أن تطيل أمد ما يسمى “الساعة الذهبية”، وهي الفترة التي يتسنى فيها للعسكريين الجرحى البقاء على قيد الحياة إلى حين تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة. ويمكن أن تشمل فوائد تقنيات “الركود الحيوي” كذلك إطالة مدة صلاحية كميات الدم المُخزّنة وغير ذلك من المستحضرات الدوائية، وذلك عبر إبطاء وتيرة التفاعلات الخاصة بالمواد الكيمياوية الداخلة في تركيبتها. لكن في الوقت الذي تبدو فيه فرضيات مثل هذه قابلة للتحقق، في ضوء الوتيرة السريعة للتطور التكنولوجي والعلمي، يحتدم نقاش على الساحة الدولية حول الأضرار التي يمكن أن تنشأ عن إساءة استخدام تلك التقنيات. وتوقعت جاكي ليتش أستاذة علم الأخلاقيات الاجتماعية بجامعة نيوكاسل، ألا يتمكن الكثيرون من الالتحاق بالصفوة التي ستستخدم تلك التقنيات، وبالتالي سيتعرضون للتهميش والانقراض مثل الديناصورات. وأظهرت استطلاعات للرأي، أجريت في عدة دول غربية، وجود معارضة كبيرة لمعظم أنماط وأشكال تحسين القدرات البشرية بشكل مصطنع. وتدور المخاوف بين الناس المستطلعة آراؤهم، حول إمكانية حدوث تفاوت طبقي؛ جراء ظهور جيل جديد من “البشر المُحسّنين”، والذين لديهم الإمكانيات المالية للحصول على المزايا الإلكترونية مقارنة بغيرهم من الفقراء. وكل ذلك يذكرنا بأن “العالم الجديد الشجاع”، الذي تحدث عنه الكاتب الإنكليزي الدوس هكسلي في روايته التي حملت نفس الاسم، ليس سوى كابوس مخيف وسماته متناقضة تماما عن سمات المدينة الفاضلة. رفع القدرات الجسدية والعقليةرفع القدرات الجسدية والعقلية
مشاركة :